حوارات

عائشة الأصفر: الرواية الليبية اقتحمت المنافسة فعليًا ولديها ما يؤهلها لذلك

الروائية عائشة الأصفر في حوار مع الطيوب

المشاركات الأخيرة للروائيين والروائيات الليبيين عربيًا ودوليًا، جعلت الكثير من الأدباء والمهتمين يستشعرون حضور الرواية الليبية على أكثر من صعيد، خاصة وإن هذه المشاركات تناولت الكثير من الموضوعات والقضايا المسكوت عنها، التي تقف على مسافة الصفر منها وتتناولها بوعي.

الرواية الليبية عائشة الأصفر، شاركت خلال الفترة من 10 إلى 12 نوفمبر 2023م، با الدورة الخامسة، بالملتقى الدولي للرواية العربية، بمدينة بنزرت، بورقة بحثية بعنوان (الوطن من المحنة إلى الحلم في الرواية العربية/ الرواية الليبية أنموذجا)، التي قدمت من خلالها قراءتها النقدية في ست روايات ليبية هي: (الهروب من جزيرة اوستيكا) لصالح السنوسي2018، (الممر) لإبراهيم عثمونة2019، (بر الحبش) لمحمد الزروق2022، (أم الزين) لغالية الذرعاني 2022، (صندوق الرمل) لعائشة إبراهيم2022، (كونشيرتو.. قورينا إدواردو) لنجوى بن شتوان 2022.

في هذه القراءة تناولت الأصفر، موضوع الرواية/ والتمثيل السردي للوطن المحنة والحلم بفقرات استدلالية منها/ وصوت الآخر فيها.

طيوب، التقت الكاتبة عائشة الأصفر، وحاورتها حول مشاركتها، ورؤيتها وقراءتها في متن الرواية الليبية.

بداية، من خلال مشاركتك بالملتقى الدولي للرواية العربية، كيف تقيمين تجربة الرواية الليبية مع نظيرتها العربية؟

# إذا كانت التجربة الروائية هي المسيرة التي قطعتْها الرواية في الكتابة، وكيف بدأتْ هذه المسيرة وإلى أين وصلت؟ سواء في الخطاب السردي والقضايا، أو بالاستباقية والاستشراف، أو التقنية الفنية، النمطية والتجريب، ومدى الانتشار، وغير ذلك، فأعتقد أن الرواية الليبية لا تخرج عن تجربة الرواية العربية، والتي تجتمع وتتشابه معها في كثير، بدءًا من الثقافة إلى الظروف الطبيعية والتاريخية والتحديات التي اعترضتها، وإن ثمة اختلاف فهو في التفاصيل الصغيرة في أسماء الأمكنة والطقوس ذات الخصوصية المحلية.

وعلى الرغم أن الرواية الليبية تأخرت في الظهور عن بعض نظيراتها العربيات لكنها الآن تقف معهن في مصاف واحد.

حدثينا عن مشاركتك بالملتقى؟ كيف جاءت؟ وهل هناك سبب لاختيار هذه الروايات الست؟ موضوع مشاركتك!

# كانت المشاركة بدعوة كريمة من رابطة الكتاب الأحرار تونس، أحيي رئيستها الأستاذة منية قاره بيبان. ربما كما هو متبع وكما خُيرت أثناء الدعوة أن أشارك بشهادة عن تجربتي الإبداعية والتمثيل برواياتي، لكني اخترت تقديم صورة أوسع عن الأدب الروائي الليبي، كون ورقتي المشاركة الوحيدة من ليبيا، أيضا كانت تكفي رواية واحدة غنية تجتمع فيها متطلبات الدراسة، تمنيت “سأهبك مدينة أخرى، لأحمد الفقيه، أو “رحيل آريس” لفاطمة الحاجي أو “الخوف أبقاني حيا” لعبد الله الغزال وغيرها، لكني حرصت على تقديم أكبر عدد من الروايات، كنت كمن وضع في مكنز وعليه أن يحمل في جرابه ما يستطيع حمله والخروج به. وليس من الهين دراسة حتى ست روايات معا في ورقة واحدة.

الروايات الليبية التي تناولتها الروائية عائشة الأصفر في مشاركتها بالملتقى الدولي للرواية العربية

الروايات كانت ضمن إصدارات السنوات الأخيرة وجاءت منسجمة مع محور مداخلتي (من الوطن المحنة إلى الوطن الحلم)، طابقتُ ما فيها من تمثيل سردي للمحور من خلال أصوات شخوص الرواية بفقرات تمثلها، دون الالتفات إلى الجانب النقدي أو الفني بالروايات. والحمد لله جاءت ممثلة لكل جهات ليبيا، وشملت كتابا وكاتبات، والجميل قد تصادف توافق موضوعها بمحنة الوطن أيضا مع تميزها. ولقت صدى إيجابيا لدى المشاركين.

سؤالنا هنا؛ ما أهم مرتكزات ورقتك؟ والخلاصة التي خرجت بها من هذه الرحلة؟

# احتوت المداخلة على تقديم لماهية الوطن ومفهومه بين المادي الذاتي وبين الذهني المعنوي، فالوطن الأصل يرتبط ماديا بالمكان الذي ولد فيه الإنسان واستوطنه، كان العربي منذ الجاهلية يرى الوطن في حوضه وبئره ومراح إبله ومضاربه وقداسةَ ترابها، فالوطن هو القبيلة والحِمى، فهل الوطن مفهوم ثابت أم هو حالة ذهنية وتعويضية متغيرة، يتأثر بمتغيرات؟

يقودنا السؤال إلى الحديث عن محطات تاريخية وتحديات ثقافية ألقت بظلالها على الخطاب الثقافي العربي، وتسللتْ إلى مفاهيم الوطن أيديولوجيا في الشارع العربي أو أدبيا إلى الرواية والتي هي صوت الشارع الحقيقي وما التمثيل السردي إلا إعادة تدوير الأحداث في المخيلة، ونسجها في لغة تصويرية ووصفية، تأثرت الحكايا بالمعتقدات الدينية وتعززت بالإسلام، حتى صار مفهوم الوطن يسمى “دار الإسلام” والدفاع عنه فرض، وكان للفتوحات الإسلامية دورها في اختلاط الثقافات وإثراء التراث، بينما للفتنة الكبرى فعلها في الانقسامات الفكرية والطائفية وظهور الفرق الكلامية. ولما كانت الثقافة العربية وثراءها وعمقها التاريخي والجغرافي، ثم ظهور النفط، كل ذلك جعلها بؤرة توتر وصراع بين الدول الاستعمارية، وبينها وبين العرب، وما لهذا الصراع من جذور وما نما عنه من أشكال الهيمنة العسكرية والفكرية والثقافية والاقتصادية، كل هذا وذاك أثر على الخطاب الثقافي عامة وعلى الآداب وحركة الإبداع، وعلى الرواية بالخصوص، فتذبذب هذا المصطلح بين مدلوله كموجود مادي ذاتي محسوس جمع المكان والزمان، وبين مدلولِه كمفهوم معنوي ذهني وعاطفي يتغير بالرؤى، والثقافة، والدين، والمصلحة، والسياسة، والاستعمار، والحرب، والتشدد الديني، وظهور توجهات العبثية والعدمية، والإحباطات الفكرية نتيجة الانهزامات السياسية والعسكرية، وما المواطن بالبلاد العربية بمنأى عن هذا.

قدمت عن كل رواية فكرتها/ مفهومها للوطن المحنة والحلم بفقرات منها/ تناولها للآخر.

ــ المحنة تعني التأزم وسببها خارجي (الاستعمار والحروب) وهذا ما ركزتْ عليه روايات “بر الحبش” و” الهروب من جزيرة أوستيكا” و”صندوق الرمل”، أو سببها داخلي (قمع سياسي، وقهر اجتماعي واقتصادي، وتجنيد إجباري، وهوة ثقافية، واستلاب ثقافي، ومصادرة الرأي والفكر، وحروب أهلية، محنة الأوطان الكبرى هي غياب الديمقراطية، وسياسة القطيع والتشدد الديني، والهوة السحيقة بين الوعي والتخلف، والتغييب وغيرها، وهذا ما طرحته روايات “الممر” و” أم الزين” و”كونشيرتو قورينا إدواردو”، فيما استدعت كلها الوطن الحلم، فكل مفهوم يتضمن مفهومُه المفهومَ المقابل لضده، فالمحنة والمعاناة تستدعي الحلم والنجاة، لأن لابد ونحن نتحدث عن الحرب أن يحضر السلام، وعن الاستعمار أن تحضر الحرية، ومع القمع والدكتاتورية مطلبنا الديمقراطية والشعور بالأمان، فالوطن المحنة إذًا يقودنا ولو ضمنيا إلى الوطن الحلم. وتقارب تناولها للآخر بتعامل إنساني.

مشاركة الروائية الليبية عائشة الأصفر بالملقى الدولي للرواية العربية، بنزرت – تونس، نوفمبر 2023م

 ـــ وختمت بخلاصة هي تأثر السرد في الروايات الست بالوطن من المحنة إلى الحلم، وتذبذب معه مفهوم الوطن، فجاء في أصوات بعض الروايات بمفهومه المادي والذاتي والانكفاء على الوطن الأصل، وجاء في روايات أخرى بأصوات مرتبكة تحاول تقبل الآخر وترى الوطن حيث الأمن والقبول، ورأيناه في ثالثة صوتا منشغلا في صراعه النفسي، ومهما كان مفهوم الوطن في أصوات رواياتنا الأنموذج، ورغم قتامة السرد وطغيان رائحة الديستوبية على الروايات، فقد طفت على سطح السرد علاقات إنسانية مع الاآخر، وتمرد الحب على وحشية الحرب في أغلبها.

 ففي “بر الحبش” أحبّ سي عبد الرازق السنيورة فيسكونتي، ليتزوج بعدها شافالي الحبشية التي تعرف عليها في منظمة الهلال الأحمر، وأنجب منها بنتا وولدين، وفي أوغندة أحب ابنُه عبد السلام رشيدة ابنة ضابظ أوغندي وهربته، وهناك أيضا تزوج زميله ودّي من “فاتيمة” ابنة الصومالي صاحب محل البقالة، أما في “الهروب من اوستيكا” فجاء الحب قويا بين سالم البراني والفتاة الإيطالية “لورينزا” العاملة بمستودع الحبوب، الحب الذي ختمه بالزواج والحمل وانتهى بمقتله على الحدود السويسرية وهو يحاول الفرار معها بمساعدة راعيتها كارلا المعارضة للفاشية. بينما في “صندوق الرمل” وقف الحب المسكون بالغموض من طرف ساندرو وهو يتعلق بالليبية بائعة الحليب، ونجح سليمان في الهروب من أوستيكا، ربما إلى فرنسا بمساعدة فتاة، وفي “أم الزين” تفرّ منه سناء إلى مقاتل متشدد، وفي “كونشيرتو قورينا إدواردو” يتوج بالزواج بين “ريم” والإيطالي باحث الآثار، وينجبان ابنتهما “قورينا، فهل تريد روايات العشرية الأخيرة أن تقول لنا أن مفهوم الوطن تعدّى مفهومه المحسوس الذاتي إلى الإنسانية، أم هو الفشل في تغيير الواقع.

من وجهة نظرك ما الذي ما زالت تحتاجه الرواية الليبية؟ وكيف يمكنها المنافسة؟

# تحتاج أولا لمن يقرأ بالداخل، والوصول إلى القارئ العربي ومعارض الكتب. وتحتاج إلى ناقد جاد مثقف ومستقل. وأظن الرواية الليبية اقتحمت المنافسة فعليًا ولديها ما يؤهلها لذلك.  

هناك جيل جديد من كُتاب الرواية، كيف تقرئين هذه التجربة؟ وما أهم ملاحظاتك حولها؟

# الجيل الجديد مبشر، ولو واتته ظروف الكتابة سيحقق ما لم نحققه، نعول عليه في التجديد والتجريب. وأرى أن الإبداع لا يتحقق إلا بكتابة حرة، الكتابة ظاهرة صحية، فليكتب كل من أن أراد الكتابة، ولنترك للناقد الواعي مساحته النقدية، وللقارئ حرية الاختيار.   

ما هي مشاريعك القادمة؟

# أفكر.. ماذا سأكتب وأمامي عالم ينهار!

كلمة أخيرة…

أشكر “بلد الطيوب” على اهتمامها.

مقالات ذات علاقة

الروائي الليبي محمد الأصفر: الهاشمي يدوّن متن الرواية الليبية المعاصرة

المشرف العام

عائشة ادريس المغربي: أتجاوز بسرعة ما أكتبه

المشرف العام

أحمد زبيدة، فنان البناء الطبيعيّ

المشرف العام

اترك تعليق