تراث

الأغنية الليبية وأصالة الكلمة

رمضان الصالحين العوامي*

مهرجان الأغنية الشعبية في بنغازي.
مهرجان الأغنية الشعبية في بنغازي. الصورة: صفحة المهرجان.

من البديهي انه لا يختلف اثنان علي أي شيء ملموسا كان أو محسوسا إن أساسه الكلمة، ( ففي البدء كانت الكلمة)، وان الإنسان لا يمكن التأثير فيه بشكل حقيقي وواقعي إلا بالكلمة، فمتي تأثر الإنسان وجدانيا بتلك الكلمة تعاطي معها واقعيا، سلبا أو ا يجابا،وسخر كل أدواته معها أو ضدها…

ولعل التأثير في مشاعر الإنسان لا يتأتي إلا بتلك الكلمات الرصينة المغتزلة للمعاني، والتي تحوي ذلك الفيض الكبير من المرارة أو العذوبة في أكمل صورهما، رمزية كانت أو مباشرة، تتناول مجريات حياته المتمثلة في تعاطيه الوجداني مع المكان والزمان المحيطين به.

ولذلك كان الشعر وبجميع صنوفه والوانه عبر التاريخ، هو الوسيلة الوحيدة والمتفردة في التأثير في المشاعر الإنسانية، لأنه هو الفضاء الأرحب الذي من خلاله يتم التعبير عن الأفراح والالام، حيث آن الشعر هو الموروث الذي يكاد آن يكتنف التراث الإنساني برمته، فهو فن وأدب.

إذن و بالضرورة التي لاحياد عنها، أن يكون ذلك الفن والأدب الموروث، من صنع الشعب وبلغة الشعب، ولهذا أصبح أدبا للشعب.

يقول الأستاذ/حيرم الغمراوي وهو من المهتمين بالأدب الشعبي:

“أنه بلغة الجميع وضع لكي يفهمه أبناء الشعب الواحد، وعلي اختلاف حظوظهم من ثقافة أو جهل، من ريف أو حضر، فهو أحق الآداب بأن يوصف انه أدب الجميع، الأدب الشعبي.. أدب الحياة منذ النشأة الأولي ولا يزال يسايرها خطوة خطوة، يهدي خطاها، ويسرى عنها، ويحنو عليها، ويذكرها حين تنسي بما قاله الأولون، لقد قالوا حينما كانت النفس البشرية روحانية الصبغة، صافية الأديم، كانت كلماتهم إلهاما من صفاء الروح وإيمانها”(1).

والأدب الشعبي في بلادنا فن وتراث فكري رفيع، وبالغ الحساسية، ولم يكن يوما للهزل أو اللهو أو إضاعة وقت المجتمع، وقد اثبت هذا الأدب صموده المنقطع النظير أمام كل الثقافات التي جاء بها المستعمرون والدخلاء، الذين تعاقبوا علي أرضنا عبر مر الدهور، وخاض هذا الأدب مع تلك الثقافات الغريبة مواجهة ملحمية طويلة وعنيفة، كان النصر دائما فيها إلي جانبه.

والكلام في هذا الصدد يطول ويحتاج إلي بحث مستقل، ولكن لنتجه إلي صلب الموضوع مباشرة وهو أصالة الكلمة في الأغنية الليبية.

فمن خلال تتبعنا لتاريخ الأغنية الليبية، ومنذ نشأتها، نجدها ارتكزت في البداية علي كلمات لشعراء العامية، أو من تم تسميتهم مؤخرا بـ (الشعراء الشعبيين) وكلمات أولئك الشعراء لم تنظم في الأساس علي آن تغني مصحوبة بنغم آلة موسيقية، فهي أصلا كانت تؤدي بلحن محلي علي مقام متعارف عليه مثل (ضم القشة او طق العود. او الوليديه. او الموقف. او غناوة العلم. أو اغاني المرسكاوي المعروفة)وقد يصحب البعض منها إيقاع أو عزف آلة نفخ،(حيث لم تستخدم آلات موسيقي وترية عندنا قديما).

وقد انتشرت الأغاني الليبية بشكل كبير في بداية منتصف القرن الماضي عند بداية بث الإذاعة الليبية، وقد لاقت مستمعين ومرددين لها كثر، وظهر لها رموز من أمثال الفنان (علي الشعاليه/ والسيد بومدين/ وخيريه المبروك/ ومحمد صدقي) وغيرهم كثيرين رحمهم الله جميعا..

و عند تفحصنا لا اغلب كلمات تلك الأغاني نجد آن مصدرها اللهجة الليبية، وقد صيغت بعناية فائقة، وقدمت الموضوع بشكل رائع، واستقبلها المتلقي بكل اعجاب، و ليس في اغلب تلك الأغاني أية كلمات دخيلة أو وافده، كان الهدف منها هو محاولة تليين الكلمات وإحالتها إلي كلمات رقيقة و(رومانسية)، اعتقادا إن الكلمات ذات المنبع الليبي، ضاربة في الشراسة ولا تتمشي وعذوبة الألحان والأصوات.

و الذي حدث إنه قد وقعنا في التصنيف مرة أخري، وأطلقنا علي تلك الاغاني (أغاني شعبية) ومؤديها (مطرب شعبي) فإذا كان هذا المطرب يطرب الشعب فعلا، فالأخر يكون غير شعبي، وبالتالي فهو يطرب من؟…..أليس لكل معني ضد؟.

والمهم في هذا او ما نلاحظه حاليا، إن كل الكلمات التي تنظم شعرا باللهجة العامية الصرفة تسمي ( شعبية)، سواء كانت ملحنة او غير ملحنة، وبهذه الصفة أصبحت قابعة ومحصورة في زاوية خاصة وكأنها أدب أو فن لفئة معينة، أو أنها استثناء، بينما هي نابعة عن آدابنا و ثقافتنا الموروثة.

وهي في النهاية ليست ملزمه ان تطرب او تؤثر في غيرنا، فلكل شعب خصوصيته ولا يستنكف من تلك الخصوصية أي شعب له تراث أصيل.

إذا والحال كذلك كيف نري ان الأغنية الليبية المعاصرة تخلو جلها من الكلمات التي تنبع من أصالتنا ومعطيات ثقافتنا الاجتماعية، والتي هي بالفعل ما ألفناه بينا…. وللتوضيح أكثر فأن اغلب الأغاني في الأصل لا تخرج عن العلاقة العاطفية بين المرأة والرجل…. فهل ما نسمعه في أغانينا هو بالفعل ما يدور في الخطاب العاطفي بينهما؟ أم لا؟ فإذا كانت إجابتنا، هي لا….. إذا فنحن نتغني بكلمات وبأحاسيس من؟ أليس من الطبيعي حين نريد آن نعبر عن أحاسيسنا ومشاعرنا الوجدانية لا نجد سبيلا للتعبير الصادق إلا بكلماتنا؟…و في هذا المجال قد لا نلقي باللوم كله علي كاتب النص.. ولكن هناك حالة رفض أخري لمسها كتاب الأغنية من قبل بعض الملحنين، فحينما كتبوا بعاميتنا الدارجة، قيل لهم إنها تتسم بالصرامة والجفاف، وبعيدة عن الرقة والحداثة، وبالتالي يصعب صياغة الحان لها.

ورغم معرفتي البسيطة بالموسيقي، لكني أعجب من هذا القول، واسأل هل للموسيقي قوانين تفرض قبول التعامل مع كلمات ورفض كلمات أخري؟… آم إننا نشعر بنقيصة حين لا تحوي أغانينا كلمات لم نسمع الآخرين قد تغنوا بها. وبالتالي نضطر إلي استيراد الكلمات من خارج ثقافة المجتمع حتي نكتب أغانينا… إن تلك الكلمات المستوردة لا اطعن في تأثيرها علي أحاسيس مجتمعاتها. ولكنها لا تمت لواقع مجتمعنا بصلة، فهل نفرض علي أنفسنا آن تحس بأحاسيس مستورده أيضا؟ ذلك مستحيل لأنه لابــــــــــد آن ( يمتزج الواقع مع عناصـــــر النص) وذلك هو التميز.

.. و حتي نكون أكثر وضوحا، لنلقي بنظرة سريعة إلي المجتمعات العربية شرقنا وغربنا، والتي يتغني مطربيها بكلمات نابعة عن بيئة مجتمعاتهم، وصيغت لها الألحان، بل وتردد صداها خارج بلادهم ولاقت رواجا كبيرا.. لماذا لم يقعوا في معاناة أو تحرج نحو مفردات عاميتهم، أو انه لا يمكن تلحينها، أو إنها ليست متداولة عند الغير…. ولنأخذ الخليج مثلا علي ذلك والذين هم وإلي عهد قريب كانت عاميتهم غير مفهومة لدي اغلب المجتمعات العربية.. ولكن نراهم اليوم قد استطاعوا ان يتغنوا بتلك المفردات وبدت الآن تفهم وتأخذ طريقها في كل الأقطار العربية.

ومثل آخر….. ففي المغرب العربي كانت كثيرا من مفردات عاميتهم غير معروفة المعني لدي الكثيرين، ولكنهم تمكنوا من نشرها وتعريف الآخرين بها عبر كلمات اغانيهم والحانهم، بل من المذهل ان اغنية أو أنشودة (سيدي عبد القادر) الجزائرية الأصل، وهي جزء من نص صوفي، قد لاقت انتشارا كبيرا، ورددها الكثيرين في الوطن العربي. بل وأصبحت أغاني (الراي) علي الرغم إنها نوع من الغناء المحلي في قطر عربي، مميزة ولها مستمعيها ومريديها بين جميع المجتمعات العربية، ودون حتي آن تعرف اغلب تلك المجتمعات ماذا تعني كلمة (الراي)

..إذا ماهي المشكلة التي تقف حائلا دون كتابة أغانينا بكلماتنا التي تنتمي إلي بيئتنا، وخضوعها للألحان؟،وخصوصا في هذا الوقت الذي ظهرت فيه أمامنا أعمال غنائية رائدة وناجحة بكل المقاييس، لحنا وكلماتا واداءا، وقد نظمت باللهجة الليبية، بل اشتملت علي كلمات موغلة في القدم، وتغني بها مطربين ليبين وعرب، ولاقت نجاحا كبيرا داخل مجتمعنا وخارجه، و تلك الأعمال المبهرة هي ما قدمه لنا الشاعر والفنان المعروف علي الكيلاني في صور فنيه كثيرة ورائعة وخصوصا في (رفاقه عمر)، كذلك ما قام به أيضا الفنان الليبي الكبير محمد حسن، حيث صاغ موسيقاه لكلمات ليبية صرفه، ولاقت نجاحا منقطع النظير حتي خارج الوطن، كذلك ما كتبه أيضا المرحوم فضل المبروك، وما قدمه الفنان الراحل اشرف محفوظ.. وكانت قبل ذلك محاولات ناجحة ولكنها كانت شبه يتيمه وهو ما قدمه الفنان محمد الحمري والفنان سالم بن زابيه..

بل ذهب الفنان الليبي الي ابعد من ذلك، حينما تغني بكلماتنا العامية بالحان غربية محضة، وكانت مقبولة، وذلك ما قام به الفنان الليبي احمد فكرون. في السبعينيات من القرن الماضي.. ومن العجيب إن احدي أغانيه كانت كلماتها هجاء ضارب في الشراسة وموغل في البداوة للشاعر المرحوم حسن لقطع، ورغم ذلك جاءت مستساغة ويمكن الاستماع اليها.

لذلك أري ان الواجب الأدبي يحتم علينا ان نصنع خبزنا من دقيقنا، حتي وان ظن البعض إن ذلك الدقيق خشنا…

وإما انه لماذا كلماتنا جافة وليست نديه، وأحيانا تتسم بالخشونة وعدم الليونة فان ذلك عائد في اعتقادي الي طبيعة حياتنا، فنحن شعب يعيش علي رقعة جافه تعاني نقص المياه الحاد منذ عهد طويل، واتسمت حياتنا دائما بالسعي المتواصل وراء الماء اينما كان، ووصل طلبنا للماء وبدون مبالغة لدرجة مطاردته وهو في غيومه في السماء.

ومن هنا فرضت علينا حالة الرحيل الدائم علي ظهور المطايا، وفي صراع تاريخي مستمرة مع العطش، بالإضافة إلي مقارعة أخري للجوائح والأوبئة والدخلاء القادمين من وراء البحر.

ذلك كله حتم علينا حالة معركة مستمرة من اجل البقاء، ان صراعنا السرمدي مع هذه الرزايا لم نعرف معه طعم الراحة او الاستقرار.. الأمر الذي جعلنا دائما في عجل و نغتزل كل الأشياء. لقد اغتزلنا العبارة في أضيق معانيها حتي أضحت كلمة واحده….لقد كانت كل كلمة أيقونه بحد ذاتها تكتنف عديد المعاني….. فمثلا الفرح والحزن لهما مظهرين مختلفين تماما، وقد اصطلح لتلك الحالتين المتناقضتين. مصطلح واحد فقط وهو (مناب).

بل جرا ذلك الرحيل المتلاحق وصلت بنا حالة الاغتزال والاختصار حتي الي طعامنا اليومي، فنحن لانعرف مائدة تزخر بأنواع أطعمة متعددة الأخلاط، محفوفة بأنواع الخضر و الفواكه… لقد كان طعامنا أحادي العنصر باستمرار (خبز/لبن/ تمر/حليب/حب محمص أو مجروش.) يمكن تناوله حتي أثناء الرحيل، حتي الزراعة بجميع أنواعها لم نمارس منها علي نطاق واسع إلا الضروري لحياتنا، فلم نعرف منها غير القمح والشعير، ولا نعرف من الأشجار سوي النخيل، بل طالت هذه الحالة حتي المسكن الذي نأوي إليه، فكان هو الأخر عبارة عن قطعة من النسيج، تطوي وتحمل علي ظهر دابة في وقت وجيز جدا، وتبني في أي مكان وفي وقت قياسي أيضا، و اخضع ذلك المسكن بمساحته الصغيرة ليكون صالحا لكل متطلبات الأسرة التي تسكنه.

إن المجتمعات التي يري البعض آن في مفردات عاميتها رقة وعذوبة وليونة، و(حضرنة) أيضا، وان التغني بمفرادتنا ضربا من (البدونه)كما يقولون. نقول لأولئك (البعض)، ان تلك المجتمعات عاشت حياة رغدة علي ضفاف الأنهار، والعيون الجارية، والطقس الماطر المنعش، والنسيم البارد، ولم تتعرض لرياح (القبلي) اللافحة، لقد عاشت تلك المجتمعات وتمتعت بحياة تتسم بالاستقرار الاف السنين في أرياف وقري متجـاورة، لا تعـــــرف لهفة (العطش) ولا مشقة (الرحيل) لم يتذوقوا مرارة (الفراق) ومكابدة بعد (الجوبه) أو قســــــــــــــــوة (الموح) او فاجعة (خلو المطارح) او الورود علي (نزاح المعاطن).او خــــــونة (عام لاجداب)

عرفوا فقط الأرض المخضرة أبدا، و الأزهار المتفتحة، وغناء العصافير علي أغصان الأشجار اليانعة الميادة، تمتعوا بملذات كل أصناف الفواكه وكل أخلاط الطعام، واستنشقوا عبير الورود الفواحة

..واعتقد انه تبعا لذلك يكون نبع كلماتهم في رقة شذي الورود، وغناء العصافير، ورقرقة المياه.. وطيب لذيذ الفواكه.

ولكن مع ذلك كله نحن فخورين جدا بتلك الحياة الخشنة، حياة العطش والترحال، التي زرعت فينا القيم الرفيعة، والمثل العليا، و علمتنا كيف نقرأ آيات الخالق في ابجديات الأرض والسماء،.. وكيف نكثف المعاني، وذلك هو أساس الكلمة.. وعلمتنا الصبر، وحالات الإلهام وتأجيج المشاعر، والبوح بها في معاني رفيعة وساميه، تنسجم في تناص كامل مع حالات الرقي والإبداع الإنساني، ومع كل الظروف التي تحيط بنا… بعيدة عن المط المائع والإنشاء المملة، والمباشرة السطحية السافرة، والتأسي الكاذب.

علمنا إيقاع تلك الحياة القاسي إن (الغلا) حالة حب روحية شفافة، وذات وهج لا ينطفي ابدآ، وان (الغية) حالة حب لشهوة جسديه عابرة، لا تلبث آن تزول بزوال المؤثر، وكلاهما في ظاهره حب، نعم… لقد صنفنا حالات الحب وأحوال العاطفة والرغبات، و بذلك لم يرد مصطلح (حب ) بالمعني العاطفي في تراثنا علي الإطلاق، وفي ذلك تميز عن الآخرين الذين لاي عرفون إلا معني واحد فقط لكلمة حب، كتعبير عن الحالة العاطفية الإنسانية. وعلمنا ذلك الإيقاع أيضا إن (الغني) و(المرهون) ليس وجهان لعملة واحدة، ولا ينحصر معناهما في ذلك المعني الضيق كما يعتقد البعض، وان (الصوب) هو كلمة اكبر من تعريفه كطريق نحو الحبيب كما سمعنا ذلك مرارا.

وعلمتنا تلك الحياة الشاقة عشق هذه الأرض، التي كنا نجوب فيافيها صباح مساء، نلتمس فيها دون يأس، سبل الحياة الكريمة، في جوف صحرائها، وفي حنايا أوديتها، وفوق جبالها، وذلك لم يزدنا إلا حبا وتعلقا بها والدفاع عنها عندما تطاها أقدام المغتصبين… لم نفكر يوما آن نهجرها حتي وان كانت قاحله وقليلة العطاء المادي… ذلك لان عطائها كان اكبر، كان روحيا شفافا مشرقا. ومثيرا لكل العواطف الإنسانية النبيلة. وملهبا للمشاعر، وملهما بأنفس درر الكلم الذي عجز عن إيجاده الآخرون.. وشدونا بكلماتنا بأعذب مزامير حناجرنا، حتي عانقت أحاسيسنا بعضها بعضا في عنان السماء، وعلمتنا تلك الحياة أيضا كيف يعيش الانسان في كبـــد ثم يكون هو المنتصر في النهاية…

يقول الأستاذ الأديب الصديق بودواره (الشعر الغنائي، ابنا شرعيا لظروف المجتمع السائدة في حل وترحال، وحروب وسلم، واضطهاد وتسامح)(2)

وهكذا نصل لنقول هل فعلا ان الأغنية الليبية معبرة عنا فعلا، وتنهل من نبع أصالتنا، فان كانت الاجابة لا… فما هي العقبة كي تتم معالجتها، فهل هي في الشاعر، أم الملحن، أم المطرب، والذين هم بدون شك أبناء هذا المجتمع، والضرورة تقضي آن ينصهر هذا الثلاثي في بوتقة واحدة، وهذه الضرورة اعتقد إنها ليست شائكة أو مستحيلة.

وإذ بدوري اطرح هذا الموضوع لعله يكون صالحا للنقاش، ولتنبثق عنه أراء ثوريه، نحو التغيير للأفضل والأصح. وربما نتطرق تبعا لذلك لمشكلة النص بشكل عام، خاصة في الأعمال الدرامية التي تكتب بالعامية.

وهذا لا يعود إلي نزعة إقليمية، أو تطرف للهجة محليه، ولكن للصعود نحو التميز وإبراز طابعنا الخاص، في أدبنا وثقافتنا الاجتماعية، لتكون أعمالنا منا والينا، وتتخذ لها مكانا في فضاءات هذا العالم الذي أصبح اكثر انفاتحا علي بعضه بعضا، وأكثر طمسا لبعضه بعضا ايضا، ولنحس وجدانيا إنها معبرة عنا ونتذوق لذيذ نكهتها الخاصة. وأصالتها الصافية دون شوائب.

وأنا بهذا لا اصدر حكما أو اجزم بشكل قاطع فيما ذكرت، ولكن رأيت وضعه أمام أهل الأدب والمعرفة والفن والنقد البناء الهــادف.

وذلك بحثا عن النص الإبداعي الحي، يقول الأستاذ/محمد عبد السلام المسلاتي (النص الإبداعي ذو القيمة الفنية العالية لا يموت…لا ينتهي في زمن محدد.. ولا يجمد في فترة قصيرة…انه يستمر باستمرارية الحياة ويتجاوز زمن انتاجه وكتابته ليحيا متفاعلا مع الحالات المتكررة للوقائع البشرية والمستجدات الإنسانية)(3)

وأخيرا لا أنكر انه قد يكون جانبني الصواب في بعض مما طرحت، ولكني لا اقصد التجني علي احد، أو نقد شخص بعينه. أو التحيز الأرعن لسطحية مـا.. بل رأيت كباحث في التراث الليبي انه لي الحق في التحدث في القضايا التي تتعلق بأدب وثقافة مجتمعنا…


الهوامش:

* باحث في التراث الليبــــــي/الجبل الأخضر

1. منشورات جامعة الفاتح/مركز دراسات الجهاد الليبي ضد الغزو الايطالي/الطبعة الثانية 1983ف.
2. تقديم ديوان مهد الغلا للشاعر (عبد السلام الحجازي).
3. مجلة الثقافة العربية العدد 288/2007ف (نصوص تبقي- نصوص تموت).

نشر بمنتديات القانون الليبي

مقالات ذات علاقة

«أولاد الحرام».. صراع الخير والشر في خرافة ليبية

أسماء بن سعيد

مرارةُ ظُلْمِ ذَوِي الْقُرْبَى ..

خليفة الفاخري

امتزاج الغزل بوصف الدنيا في الشعر الشعبي

المشرف العام

اترك تعليق