المقالة

رؤى ثـقـافـية..!

عندما تحدث ” فوكوياما ” عن عصر النهايات وأعلن نهاية التاريخ.. أثار حفيظة العديد من المفكرين والسياسيين والمثقفين في العالم.. إلا أن طرحه لم يخلو من الحقيقة على مستوى معين..فـظاهرة العولمة باتت تهدد القوميات وتجرد الشعوب من هوياتها.. وقضت بالفعل على المحلية والخصوصية.. وباتت تهدد تراث الأمم والشعوب الضعيفة.

ومما لا شك فيه أن العالم بأسره اليوم يتعرف على كل شيء من خلال الطريق الأمريكي للمعرفة.. وبات من الصعب فصل الإنسان الفرد عن العالم معرفياً على الأقل.. كما أصبح من الصعب توريث القيم للأجيال دون اختلاطها.. كما أن سرعة الحصول على المعلومة وازدياد كم المعلومات التي يتداولها الفرد يومياً ازداد بشكل كبير.. فطاقة استيعاب الفرد الواحد تقدر بحوالي ثمانين “80 ” ألف معلومة يوميا.. وهذا دون شك يعتبر رقماً مهولاًً بالنسبة لشعوب العالم الثالث.. خصوصاً عندما تكون اغلب المعلومات التي يتداولها الفرد آتية من مجتمعات أخرى.. فإذا وضعنا بحسابنا أن حوالي ألف مليون شخص في دول العالم الثالث لا يزالون أميون.. ويعيشون تحت خط الفقر العالمي حيث يقدر دخل الفرد بدولار واحد.. ولا ينفق على البحث والإنماء من إجمالي نتاجها القومي الهزيل عدا نسبة 0.3%.. وهذه النسبة ضئيلة جداً مقارنة بما يوجد في دول أوروبا وأمريكا , فإننا سنتأكد ونسلم بالسيادة الغربية على تدوير المعلومات من خلال الإعلام ونشر الأفكار والمعارف.. وبالتالي تثقيف العالم بأسره على ثقافة الغرب واضمحلال معارف الأمم الأخرى والقضاء على خصوصيتها.. !

إن ما يبث عبر وسائل الإعلام العربية لا يعدو كونه مجرد تقليد للغرب.. ومتاجرة رخيصة بالهوية العربية.. فقد ابتعد الإعلام العربي عن كل ما يمسنا ويعبر عنا.. فما يبث على القنوات العربية بعيد كل البعد عن الأخلاق العربية المبينة على القيم الإنسانية السامية و تعاليم الإسلام..!

فثقافتنا الأصيلة بعيدة عن التقليد والتعري الذي تنتجه مؤسسات الإعلام الخاصة.. التي حولت الإعلام إلي تجارة.. فتحول جميع المبدعين في كافة المجالات إلي موديلات حسب الطلب.. وضمان وجودها الإيراد والدخل دون النظر إلي مستوى العمل من الناحية الأخلاقية.. في حين نشاهد البرامج الثقافية والعلمية المترجمة تحمل قيم عالية وتهدف إلي تطوير الإنسان وتعليمه ورفع مستواه الفكري.!
ما يحدث خلق نوع من الفوضى وأكد حقيقة ضعف النتاج الفكري للعالم العربي.. وابتعاد السياسات العربية عن المشروعات البحثية والثقافية التي تحافظ على الهوية..!

وبالنسبة للمثقفين في ليبيا.. ووسائل الإعلام.. لا يوجد أي تداول للعولمة أو بحث تأثيراتها علينا من الناحية الثقافية على الأقل.. وهذا نتيجة انحسار خطاب وسائل الإعلام وضيق افقها , بالإضافة إلي وجود هوة كبيرة بين المثقفين الليبيين والقضايا العالمية.. وعدم وجود مراكز بحث إستراتيجية تعمق الوعي بهذه الظاهرة.. كما أن مؤسسات التعليم لم تقم بأي جهد في هذا المجال.. مما يجعلنا مستهلكين دون وعي بفوائد ومضار ما نستهلكه.. ليست العولمة قضية علمية أو سياسية كما قد يتصورها البعض بل هي قضية اجتماعية – أخلاقية – اقتصادية.. تؤثر بشكل مباشر على كل فرد.. كما يمكن لكل فرد الانخراط ضمنها وزيادة مفعولها داخل مجتمعه .. والمسألة كلها متعلقة بالوعي.. ومن خلال الحوار المفتوح والتداول الحر للقضايا يتزايد الوعي وتتكون آراء ورؤى قادرة على الإفادة من هذه الظاهرة.. وكذلك قادرة على المساهمة إلي جانب محافظتها على خصوصية الهوية الثقافية.. !

لا يمكن حصر هذا ضمن طائفة معينة أو توكيل مؤسسات بعينها لمناقشة الظاهرة ووضعها ضمن إطار.. كما لا يمكن اعتبار الثقافة وما يحوطها شئون خاصة لأفراد معينين دون غيرهم.. إننا جميعاً معنيين بالثقافة التي تشكل الجزء الأكبر من حياتنا , والتي أصبحنا في حاجة أكثر لها.. لنتمكن من مجاراة ما تبثه وسائل الإعلام الأخرى.. !

12.03.2010

مقالات ذات علاقة

علّمتني مهنة الصحافة

مهند سليمان

حرب الفيس بوك الليبية العظمى

صالح السنوسي

المطربون الشباب بين المحاربة والإهمال

إنتصار بوراوي

اترك تعليق