المقالة

حول ثقافة المسؤولية

 

لم تكد عقارب الساعة تدور باتجاه السادسة من ذلك المساء, حتى كان أكثر الذين شاركوا في اللقاء قد أخذوا أماكنهم في القاعة التي شهدت عشرات اللقاءات طوال السنوات التي مضت على تأسيس المركز الخالد.. والتي بلغت في عمر الزمن خمساً وعشرين سنة كاملة، منها عشرون سنة هنا.. وعلى عكس ما اعتاد القوم من الوقوف أمام المقر وفي ردهاته كانوا جميعاً آخذين لأماكنهم, ومن ثم يتولى أمين المركز الدكتور “محمد الجرارى” الترحيب بالحاضرين وفي أقل عدد ومن الكلمات مفسحاً المجال للمحامى الأستاذ “محمد ادراه” الذي نهض بالعبء الأكبر في التحضير للقاء والذي أراد المحضرون له من بقية الزملاء أن يكون مبرأً من ثقل المراسم أو الرسميات.. كما يقولون حتى تكون مفردات خطابه ومن ثم بيانه الختامي في اتجاه المنهج وتقديم ما يمكن أن يكون دليل عمل إن صح التعبير, ليتوالى بعد ذلك المتحدثون الذين رؤى في اختيارهم ما يمكن أن يمثل الدائرة الكاملة أو شبه الكاملة لمكونات الخطاب الثقافي فتعاقب الأساتذة: علي مصطفى المصراتى, إبراهيم الغويل, إبراهيم الفقيه حسن, عبدالرحمن الجنزوري, وغيرهم وغيرهم, دون إغفال للمشاركة الشعرية ولنقاط النظام وما اعتاده القوم في مثل هذه المناسبات, فجمعت الكلمات بين الإدانة والاستنكار للجريمة البشعة والبحث عن أفضل السبل لترتيب المشاركة العملية إزاء ما يجري, خاصة وأن الجماهير كانت قد قامت بواجبها في الخصوص..فضلاً عن أن موقف البلد بشكل عام معروف وربما حاولت بعض الأطراف الضالعة في الجريمة أن تنال منه على نحو ما. كان من الضروري أن يملأ الجو العام طيف التاريخ وبالذات ذلك المتصل بمعارك الأمة العربية في الخمسينيات والستينيات, حين أمكن التخلي عن حمل البضائع الأمريكية ومنعت بعض الدول العربية تصدير نفطها امتثالاً لرأي القوى الشعبية الضاغطة, وأن يجري اقتراح الكثير من الأسماء التي شاركت في تلك الأنشطة عند اقتراح تأسيس لجنة تتولى المتابعة لما قرره المجتمعون وما حواه البيان من رؤية تحتاج إلى التفعيل, لكنه توجه لم يدرك حقيقة المتغيرات التي طرأت على الواقع وعلى الأشخاص, وأن يكن من الصعب أن نبادر بالجهر به, ففي أجواء الحماس لابد من القبول بكل الآراء والمهم بطبيعة الحال هو الوصول إلى مشترك والإفضاء يسمح لمن يرغب في العمل أن يجد السبيل لذلك, لقد وقّع الجميع على مشروع البيان ولم يحدث أي تضارب في اختيار لجنة المتابعة بما يشي بوجود ما يمكن أن ينطوي على نقيصة الاستبعاد فكان في ذلك الخير كله وكان لابد أن يكون طريق الجهاد من قاعة الجهاد, جهاد الثقافة الصادقة المستلهمة ما يملأ واقعنا من عمق وما يميز به من الخصوصية وما يسوده من مشترك يتكفل بإعطاء الفرصة لكل قادر, وفي اتجاه تحقيق اللجنة الفاعلة بين رموز الأمس وشباب اليوم, ودون إغفال لطبيعة المتغيرات وما يسود عالم اليوم من مستجدات لابد أن تفرض نفسها وتستلزم القدرة على التعاطي معها. وإذا كنت شخصياً قد سعدت بوجود الكثير من الأسماء التي كانت تملأ فضاء العمل الشعبي وتتبنى إلى جانبه التوجه الثقافي, من أمثال الشاعر هاشم الشريف, والمحامي عبدالله بانون والمثقف الحركي عبدالرحمن الشريف وغيرهم من الذين مُلئت بهم ساحتنا الوطنية في منتصف الستينيات فلا شك أمثال الشاعر لطفي عبداللطيف والمحامي جمعة عتيقة ونظيريه صلاح الطاباق والمرغني والكاتب أحمد الفيتوري وغيرهم من الذين رأى الحاضرون أن يعهدوا إليهم بمهمة المتابعة مع المحامي محمد أدراه وأمين مركز الجهاد محمد الجراري ومن يرون من القادرين, لما يبعث الأمل.. على أن اجتماع المثقفين الليبيين يوم 27. 3 بقاعة المجاهد وإصدارهم البيان الثقافي التاريخي المتضمن قراءاتهم ورؤيتهم ومن ثم اقتراحاتهم, لن يكون مجرد فورة وتأثر بالحدث بقدر ما هو محاولة استباق لأخطار المستقبل, ودعوة صادقة للوقوف أمامها العمل على عدم تكرارها, ناهيك عن الدفع باتجاه وقف مآسي الحاضر, فالثقافة الحقيقية هي السلاح الفتاك لكل الأخطار المحدقة والمؤامرات الحاضرة والمقبلة أيضاً, ومن ثم فإن لقاء: 27/3/2003 هو بكل الصدق لقاء المسؤولية, كما ورد في البيان.

 _________________________________________________

صحيفة الجماهيرية.. العدد:3958.. التاريخ:1/04/2003

مقالات ذات علاقة

من أبقار الجرمنت إلى مزيج برنت

منصور أبوشناف

كنتُ سمكة سلمون صغيرة.. كيف أروي تلك الحكاية؟

رزان نعيم المغربي

الفاعل “ضمير” غائب

سالم العوكلي

اترك تعليق