المقالة

الحكمة وغضب الله!

كنت قد أخطأت، عندما كتبت بمقال سابق، أن الحكومة الملكية التي اسقطها القذافي هي حكومة المرحوم عبد الحميد البكوش، وقد نبهني إلى هذه الهفوة صديقي المتابع الدقيق هاني الكيخيا، مؤكدا أن المرحوم ونيس القذافي هو من كان رئيس للحكومة عندما اسقطها القذافي وضباطه الأحرار. سبب هفوتي أنني كنت قبلها اكتب عن المرحوم البكوش بشأن اهتمامه بالشخصية الليبية، التي كانت في ستينيات القرن الماضي مشتتة بين العروبة، وإيديولوجيات متنوعة أخرى، منها أعناق مشرئبه نحو الغرب. واذكر أنني تناولت، في السابق، برنامج قد اعده، وأهتم به وزير اعلامه المرحوم الصالحين الهوني ونفذ جزء منه سنة 1968م بالجامعة الليبية ببنغازي تركز على ابراز الشخصية الليبية. ولعل هذا الاهتمام مرجعه حرص المرحوم الملك محمد ادريس السنوسي على تأكيد هذه الشخصية واستقلاليتها، هذا الحرص الذي بدأنا ننتبه إليه فيما أصبح ينشر من معلومات لم تكن متوفرة لدينا، خصوصا اثناء فترة تغييبنا عن تاريخنا، فأنا مثلا لم اعرف عن زيارة ذلك الموفد الأمريكي إلى الملك بشأن استقطاع قيمة بسيطة من عائدات النفط الذي تفجر في بلادنا، وتخصيصها لأفريقيا، ولم اعرف أن الملك رحمه الله اجابه صراحة أن ما يفيض من سد احتياجاتنا، أولى به إخواننا المسلمين، والعرب بصورة خاصة. وهذه حادثة كان المرحوم على الساحلي شاهد عليها كما علمنا فيما بعد. ولم أكن أعرف، لولا كتاب المؤرخ مفتاح السيد الشريف (ليبيا – الصراع من أجل الاستقلال) أن الملك، رحمه الله وجه خطاب، في اكتوبر سنة 1951م إلى السيد أدريان بلت مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا قال فيه: “السيد المفوض، عليك ألاّ تنسى أن ليبيا، إلى جانب كونها أولا بلدا عربيا، هي ايضا مطلة على البحر الأبيض. وكانت دوما على صلات باللاتين والإغريق. ونحن من الناحية الروحية والسياسية، نتوجه إلى الشرق، وبالتحديد إلى الأماكن المقدسة للإسلام. ولكن ماديا سوف تكون لنا دائما روابط مع الغرب وهذا يعني أن سياستنا في حالة الضرورة عليها أن تنهج الطريق الوسط”. ولقد اطلقت المملكة الليبية اسم أدريان بلت على واحد من افضل شوارع بنغازي في ذلك الوقت (سمى في عهد القذافي شارع عبد المنعم رياض!) لأن السيد بلت ساعد في نيل استقلالنا المزيف كما كان اعلام القذافي يقول. وقبل أن يسكن المرحوم ونيس القذافي شارع ادريان بلت، كان جارنا في شارع محمد موسى، وكان المرحوم خليفه الفلاح متواجد طوال الوقت بشارعنا، لصلة قرابة وثيقة بأخته، غير الشقيقة، التي كانت تقطن معه. وأذكر أنه عندما سأله المرحوم حسن بوخيط، بعدما سمعنا اسم معمر القذافي، عن صلتهم به، أجاب بصرامة أنه لا يعرفه، بل أنه لم يسمع باسم معمر في حياته.. لا قذافي ولا (كرنكاطي)! والحقيقة أن اسم معمر، في المنطقة الشرقية، لم يكن متداولا ابدا، لارتباط هذا الاسم بفعل اصطلح به عن فعل بيولوجي نخجل من تداوله امام اهالينا! وأذكر، ايضا، أنه قبل أن نعرف أن معمر هو قائد ذلك الانقلاب، كنا كشباب مأخوذين بشخصية (ولد شارعنا) الملاكم الضابط الأنيق عبدالسلام عزالدين المدني هو قائدها، وليس حتى شقيقه الأكبر فتح الله.. لم يخطر ببالنا، أبدا، أن قائدها هو في الواقع (غضب الله).

مقالات ذات علاقة

السوريالي الاخير 

ناصر سالم المقرحي

الزرازير

منصور أبوشناف

القفة… بازين، شربة وكفتة.

حواء القمودي

اترك تعليق