من أعمال التشكيلية الليبية .. مريم العباني
المقالة

أسياد على الوهم

من أعمال التشكيلي الليبية .. مريم العباني
من أعمال التشكيلي الليبية .. مريم العباني

ما معنى أن أكون عربيةً، أو كرديةً، أو باشتونيةً، أو فلامنديّةً، أو أمازيغيةً، فمن الذي عرّب العرب، أو أكّرد الأكراد، ومن بشّتن الباشتون، وفلّند الفلامند، ومن مزّغ الأمازيغ، بالأحرى من ليّب ليبيا، من مغّرب المغرِب، من لبّنن لبنان، ومن مصّرن مِصر، من فرّنس فرنسا، من أمّرك أميركا، من بلّقن البلقان، ومن طلّيّن إيطاليا؟! فالجغرافيا محايدة لا تعرف هذه الأسماء ولا الأوصاف، إلا لأن لصوصاً عابرين افتكوها لأنفسهم، ورسموا حدودهم عليها، ومنعوا الآخرين منها وسمّوها بهذه التسميات، وهم يطالبونني الآن أن أدافع عنها بوصفها وطناً أو قومية لي.

من سمى النيل نيلاً، من سمى الفُرات والدانوب، والقمر، والجمعة، والأحد، من سمى رمضان، وذي الحجة، من سمى أيلول وحزيران، من فعل هذا في غفلةٍ من حضوري ومشاهدتي، ثم أراد جعلي شاهدةً على تسمية النيل حين لم أكن هناك، ومن أراد إقناعي بالجمعة، وبالفرات، وبالقمر، وبرمضان، وبأنه أيلول، رغم أنني لم أكن قد ولدتُ بعد، ولماذا يفرضونها عليّ الآن ولم أكن شاهدةً على تسمية أيٍ منها؟

ماذا تعني امرأة، ماذا يعني رجل، ماذا يعني حيوان، وماذا يعني إنسان، ماذا يعني عصفور، بقرة، فراشة، يسروع، زوجة، عشيق، مومس، سنديان، نرجس، صبّار، وماذا يعني حكيم، وجاسوس، ولص، وقواد، أو نبي، وبطريرك، وحاخام، ومالذي يقصدونه بفقير، وبغني، بأسود، وبأبيض، وماذا يعنون بالقرآن، وبالإنجيل، أو بالتوراة، بالجنة، والجحيم، ولماذا يريدونني أن أصطف معهم في تصنيفاتهم تلك، وفي أحكامهم تلك على الكائنات والبشر والأشياء، ولماذا عليّ أن أُعلن إنحيازي لها وقبولي بها، لماذا يريدون مني التسليم بخلاصاتهم، والإذعان للمعاني التي وضعوها هم لها، ولماذا يصنفونني لا دينية، أو لا وطنية، أو لا عقلانية، إن أنا أنكرت عليهم أسماءهم، لأنني لا أستطيع أن أفهم لما قرروا أن هذا بالذات فقيراً، وذاك حيواناً، وأن رمضان مقدساً، والقرآن كتاباً سماوياً؟

ما هي القومية، ما هي المواطنة، ما هي الرأسمالية، ما هي الإشتراكية، ما هو الإيمان، وماذا يعني الكفر، ما هي الراديكالية، ما هي المكيافلية، ما هو التسامح، وما هي العقوبة، مالجمال ومالقبح، والحب أيضاً ما هو، بل ما هي الكراهية، ومالحرب ومالسلام، ما هي الرجعية وما هي التقدمية، ما هو الخير بل ماذا يعني شر، ولماذا يريدون إغراقي بكل هذه المفردات وأضدادها، ولماذا كان عليهم دائماً الانقلاب على كل معنى اخترعوه، ولماذا يصرّون على ضرورة إعلان تمسكي بإحداها بالذات دوناً عن الأخريات، ولماذا أنا مطالبة بالتصديق على كل هذا والإنخراط فيه؟

لماذا يعتقدون دائماً أن كل ما سمّوه من أسماء، وما أطلقوه من أحكام، وأوصاف وتعريفات، ومعانٍ هي أسمى وأدعى للبقاء ممن سماها هو نفسه، رغم أن المسألة بدأت بتحكمه في كمية الهواء الذي يتخلل حباله الصوتية، حين أمكنه إدارته بطريقة ما في حلقه مع دعم اللسان والأسنان، ليُنتِج في النهاية محض كلمات، ولماذا بالذات يقدّرون أنها مبادئ، وقيم، وفضائل، ويتقاتلون عليها، ثم يعودون لخلق غيرها ليتقاتلوا عليها من جديد ويريدونني بكل مرة أن أقبل بها، وأن أواصل القتال من أجلها؟

وبالنهاية، من أنا ومن هم ومن أنتم، خارج كل هذه الأحكام، والتنظيرات، والأسماء، والتعريفات التي وضعها غيرنا، من أنا ومن هم ومن أنتم، خارج تفصيلاتهم للقومية، والوطنية، والأخلاق، والفلسفات، والإيدولوجيات، والأديان التي وجدناها أمامنا منذ قرون، ومن أنا إلا إنسان مطالبٌ اليوم، بأن يتألم لمشاريع قديمة تخص غيره، أو محتبسٌ داخل أحكام تعني غيره؟

مقالات ذات علاقة

أدوار النساء الليبيات!

فاطمة غندور

آفاقُ الرَّخَاء

يوسف القويري

أين ليبيا التي عرفت؟ (22)

المشرف العام

تعليق واحد

مواطن 29 ديسمبر, 2013 at 11:56

ان ادركت فهم كلمتاك باللغة التي استوعبنا مفرداتها بالشكل الذي عليها، ارى انك قد سقطت في التسميات وقبلت لنفسك بعضها، اشعر بان كافكا وربما كامو يتسلقان اسطر المقال

رد

اترك تعليق