طيوب الأرشفة

أحقا مبروكة أول رواية ليبية؟

تعد (الببليوغرافيا الوطنية) من أهم الأدوات المعيارية التي تثبت حقيقة صدور- أو نفي- أي مطبوع ينشر داخل القطر، وقد تهتم بعض الدول بما يصدر داخل القطر لكتاب يقيمون داخله، أو لكتاب يقيمون خارجه لأسباب مختلفة، مع عدم إغفال المطبوعات التي تهتم بالدراسات عن القطر المعني والصادرة خارجه بكل اللغات.

يعود رصد النتاج الفكري الورقي الصادر داخل ليبيا إلى بداية السبعينيات من القرن الماضي،ولعل الفضل يعود لمن قاموا بهذا العمل دون أن توثق أسماؤهم؛ خاصة في الببليوغرافية الراجعة التي شملت الفترة من 1951-1971 إلا أن الجهد – رغم صعوبته – قد شابه بعض القصور بسب عدم صدور تشريع قانوني للإيداع حتى العام 1984 الذي شهد صدور قانون الإيداع رقم 7 وربما لتعثر مشروع دار الكتب الوطنية منذ الستينيات حتى تحقق نصفه متمثلا في دار الكتب ببنغازي وتأجيل دار الكتب في طرابلس إلى مطلع الثمانينيات، إلا أن واقع الحال لازال يعرقل دار الكتب الوطنية في مسؤوليتها التوثيقية ومازالت تعاني من عدم تفعيل قانون الإيداع؛ ما نتج عنه قصور واضح في تغطية النتاج، خاصة بعد توسع قنوات النشر، وتوقف الدار العربية للكتاب عن إيداع عناوينها، وهو ما يفسر غياب أغلب الأعلام من دليل المؤلفون الليبيون المعاصرون الصادر عام 2002 بسبب الاعتماد على الارشيف الببليوغرافي للدار فحسب.

تظل ببليوغرافية القصة في ليبيا التي أعددتها عام 1981 والمنشورة في العدد 19 من مجلة الفصول الأربعة عمل علمي متخصص وفق الشروط الدولية المتبعة، وكنت قد اعتمدت على الأدوات المعيارية غير المكتملة، لذلك شابها بعض الخطأ الناتج عن المصادر؛ التي سنشير لها لاحقا

إن ضياع أغلب الدوريات الليبية وعدم اكتمال المتوافر منها يعوق مبدأ الجزم بل يعوق إمكانية التأريخ للحياة الفكرية في ليبيا، وان كانت بداية القصة في دورية ليبيا المصورة عام 1937 بريادة من الدكتوروهبي البوري فمن الإنصاف الإشارة إلى العدد الأول من مجلة المرآة الصادرة في 15/7/1946 قصة بعنوان قصة المرآة كتبها محمد كامل الهوني.

بدأ عبد القادر أبو هروس نشر قصة في عشر حلقات بعنوان ظلال على وجه ملاك في صحيفة طرابلس الغرب خلال منتصف عام 1952 حتى انتهت في العدد 2854 الصادر في 25/11/1952 ولعله أول تاريخ يوثق لعمل أدبي قصصي في حلقات مسلسلة، لكن المهتمين بالتوثيق الأدبي في ليبيا، يعدون كتابه نفوس حائرة:صور من الحياة في ليبياالصادر عن مكتبة الفرجاني صيف عام 1957 أول مجموعة قصصية، رغم وجود فاصل زمني بينهما قدره خمس سنوات من تاريخ صدور أول كتاب أدبي في ليبيا

تظل ندرة هذه الأعمال عائقا أمام الباحثين الذين يتعذر عليهم العثور على الطبعات الأولى والنادرة في المكتبات العامة والخاصة، الأمر الذي ينطوي على أهمية عظمى قد تقود إلى حقائق غفل عنها البعض، ففي كتاب نفوس حائرة الذي تمثل البداية فيه لعنوان أول نص به عندما يموت اليأسثم تتوالى العناوين إلى أن يصل للصفحة الأخيرة مستظلا بعنوان صغير هو تحت الطبع بإعلان عن قصة عندما يولد القمر منبها ومشددا على وصفها بأنها قصة مع وعد – لم يف به!- في ذيل الورقة الأخيرة مؤكدا انتظروها قريبا جدا؟؟؟؟

فالكاتب الراحل لا يصف كتابه الأول بمصطلح قصص بل يستبدلها متعمدا بوصف صور كما يوضح أسباب اختياره في الصفحة الثامنة من مقدمة الكتاب الوثيقة، بتاريخ 26/3/1957 .. نشرت أغلبها على صفحات جريدة طرابلس الغرب ومجلة هنا طرابلس الغرب…وقبل أن أتحدث عن صور الكتاب أحب أن أبين للقارئ الكريم واضغط على كلمة صور التي يروقني استعمالها أكثر من لفظة قصص التي ربما يتبادر للذهن أن ما في الكتاب هو مجموعة فنية منهاولعل الكاتب لم يصف كتاباته بقصص متعمدا، رغم شيوع استخدام هذا المصطلح في ذلك الوقت، لكنه آثر كلمة صور التي تأتي من ضمن عناوين كتاباته المسلسلة مثل: صور من الحياة، وكتابات أخرى جرى توقيعها باسمه المستعار ابن غالب تحمل عنوانا فرعيا صور واقعية عوضا عن قصة قصيرة وربما كان محقا في ذلك خاصة عندما نقرأ العناوين التالية:

بائع جرائد/ماسح أحذية/مرابي/حلاق/بقال/ممثل/مدرس/انسان…الخ

كما نجد الشيخ عبد السلام خليل قد حذا حذوه بعنوان الأم الثاكلة:صور من حياتنا الاجتماعية وغيرها؛ أما القاص يوسف الدلنسي نشر فيركن القصة نصا بعنوان ضاع قلبي:صور من الحياة إن جميع هذه الإستشهادات تقع في عام واحد هو العام 1954

لعلنا نرى في هذا الاتكاء على كلمة صور ما يحقق النجاة للكاتب إذا ما رأى الآخرون عدم استيفاء الشروط الفنية التي ينبغي تحققها عند كتابة القصة، فيكون الملاذ هو التصنيف بأن العمل صورة وهو تعبير فضفاض يسع كل المعاني!

لكن التصنيفات اللاحقة للأعمال الإبداعية أوقعت الكثير من الكتاب في فخ المصطلحات الذي تصعب النجاة منه، إذ يتعذر معرفة المعيار في وصف عمل إبداعي بأنه حكاية أم قصة قصيرة أم قصة طويلة إلى حين ظهور مصطلح الرواية في السبعينيات

أما دورية صوت المربي فقد نشرت للكاتب محمد فريد سيالة قصة في أربع حلقات بعنوان الحب الأول من 9/1955حتى نهاية العام ذاته، كانت قد سبقتها قصة ضحية المجتمع في سبع حلقات للكاتب أبوبكر إبراهيم الرخصي مع عدم إغفال قصة مترجمة في زاوية منبر الطلبة تقع في خمس حلقات دون توقيع من اسم المترجم الذي اختار لها عنوانا غريبا هو شيطان الشيشة

هناك بعض الكتاب ممن ينشرون أعمالا أدبية يتخطونها في وقت لاحق ويستثنونها من النشر عند صدور كتب تضم نتاجهم الإبداعي، من بين هؤلاء الراحل كامل المقهور الذي نشر في ثلاث حلقات قصة بعنوان ليالي المدفأة أو مناجاة روح وقصة أخرى في ثلاث حلقات على صفحات دورية طرابلس الغرب اليومية في صفحة الأدب؛ بداية من أواخر الشهر الثامن من العام 1954، تلتها قصة طويلة بعنوان غرام راعية وهي أعمال لم يعد نشرها ثانية؛ ضمن مجموعاته القصصية اللاحقة إلى حين وفاته

لقد درج كتاب تلك المرحلة على نشر القصص مجزأة حلقات في الصحيفة اليومية، أو في الدوريات الأسبوعية، ففي الوقت الذي تولى فيه الكاتب عبد القادر أبوهروس رئاسة تحريرها شرع في نشر نص أدبي بعنوان: ذهيبة في ركن القصة على مدى 6 حلقات

الكاتب محمد فريد سيالة واعترافات إنسان:قصة ليبية

تعد اعترافات إنسان أول قصة ليبية تصدر عام 1961 داخل ليبيا في كيان مادي مطبوع، عبر أول مؤسسة خاصة في ذلك الوقت وهي مكتبة الفرجاني التي بدأت بالطباعة في المطبعة الحكومية ثم تحولت للطباعة في مصر، الأمر الذي لم يتحقق لما نشر قبلها في الصحف، وهي القصص المسلسلة، كما أنها ليست العمل الأول للمؤلف؛ لكنه الأطول، فقد جاءت كتاباته على النحو التالي

1-1-وتغيرت الحياة 5حلقات بدأت في11/ 1957وانتهت في 3/1958

الحياة صراع 9حلقات بدأت في 4/1958 وانتهت في 21959

3-اعترافات إنسان:قصة ليبية 12حلقة بدأت في 8/1959 وانتهت في 5/1961

لكني خلال عملي في المكتبات واهتماماتي الثقافية لم أعثر قط على الكيان المادي لها، حتى توجهت بالسؤال للأستاذ سيالة الذي أجابني -شفاهة- وكتابة ، بما يلي:

هذه الرواية مع الأسف الشديد لم يكتب لها أن ترى النور، أي أنها لم تعمر المكتبات إلا لأيام معدودة، حيث قمت –بالاتفاق مع الناشر الفرجاني- بسحب جميع النسخ المطبوعة، وذلك لوجود أخطاء مطبعية لا حصر ولا عد لها، مما يدل على أن دار الشرق الأوسط بالإسكندرية لم تكلف نفسها عناء مراجعة وتصحيح الطباعة قبل دفعها إلى المطبعة…لهذا السبب تم سحب نسخ الرواية وإعدامها

هذه الشهادة تؤكد ضيق مساحات التوزيع السابقة لقرار السحب، بالإضافة إلى خطأ رصد الببليوغرافيا للكتاب بأن له طبعة ثانية؛ كنت قد نقلتها في أول عمل متخصص منذ أوائل الثمانينيات

من المصادر التي أشارت لرواية مبروكة في الجزء الرابع من معجم المؤلفين للمؤلف عمر كحالةوهي معلومات كان قد استقاها من المصدر الوحيد الذي أشار لها وهو كتابالليبيون في سوريا بتأليف من زين العابدين بن موسى و أحمد أديب بالحاج الصادر في سوريا عن مطبعة دمشق عام 1952

لم يذكر الكتاب أن رواية مبروكة قد طبعت في مطبعة دمشق، رغم أن الأستاذ الصيد أبو ديب نقل عنه ما يفيد بأن حسين ظافر بن موسى أصدر رواية بعنوان مبروكة عام 1937 صادرها الفرنسيون، وهي المنشورة في مقدمة :ببليوغرافيا الرواية الليبية المطبوعة الصادر بمناسبة انعقاد ندوة الرواية العربية وقضايا الأمة عام 1999ف، يوثق اسم ناشرها دون توضيح للمصدر الذي استقى منه هذه المعلومة، كما فاته نشر الرواية الخطية من الأستاذمحمد صلاح الدين بن موسى بشأن صدور هذه الرواية التي ينبغي أن يكون والده هو من كتبها ونشرها، وبأن شقيقه زين العابدين قد اتفق مع صديقه أحمد أديب بالحاج شقيق الفنان التشكيلي محمود جلال الذي شهدت طرابلس زيارة من ابنته سوسن الفنانة التشكيلية منذ عامين

لقد تأسست مطبعة دمشق عام 1937 حينما انتقلت الصحيفة الرسمية للطباعة فيها بداية من هذا العام؟ وهذه معلومة من موقع كنيسة القديسة تيريزا الالكتروني في حلب بقلم عثمان عثمان بأن حلب أول مدينة عرفت الطباعة بالحرف العربي نقلا عن الملحق الثقافي السفير بتاريخ23/4/2004 علما بأن الكاتب غسان كنفاني عمل في مطبعة دمشق قبل عام 1956

يبدو واضحا أن سبب صدور هذا الكتاب الهام هو وفاة والدا المؤلفان، اللذان لهما تاريخ مشرف كمهاجرين ليبيين في القطر السوري عقب الحرب

ينبغي عدم الخلط بين رواية من تأليف خليفة عبد المجيد المنتصر وهي بعنوان مبروكة بطلة من ليبياصدرت في بيروت عن دار العودة عام 1970 نشرت حلقاتها في دورية الفجر الجديد قبل تاريخ صدورها.

في كتاب الليبيون في سوريا إشارة للنشاط الثقافي والرياضي للشباب المهاجر بأنه لم يقتصر النشاط في الميدان السياسي وحده، بل كان للنواحي الرياضية والثقافية نصيب أكبر..

فقد أسس الشباب عام 1937 فريقا لكرة القدم باسم فريق الصحراء الرياضي برئاسة محمود جلال بن الحاج- الذي لمع فيما بعد كفنان تشكيلي ويعد مؤسس كلية الفنون الجميلة في سوريا – وعدة فرق تمثيلية قدمت للمسرح السوري، عدة روايات وطنية حماسية أشهرها رواية عمر المختار للأستاذ حسين ظافر بن موسى…

ففي هذه الإشارة ما يدل على صدور عمل إبداعي آخر للمؤلف، ولكن من أسف أنه لم ينشر هذا العمل حتى يوثق، كما أسجل دهشتي البالغة عن عدم ذكر هذه المعلومات المتعلقة برواية مبروكة أو عمر المختار في الرسالة العلمية حول :الصحافة الأدبية في ليبيا للأستاذ صلاح بن موسى- الابن – عام 1982

أيضا يشير كتاب الليبيون في سوريا أنه في مطلع العام 1946 عقد اجتماع عام في دار الأستاذ حسين ظافر بن موسى …خطب فيه عدد من الشباب، كما خطب الأستاذ حسين ظافر بن موسى وشجعهم على المضي في حركتهم النبيلة…وولدت فكرة ندوة عمر المختار التي ترأس نشاطها الثقافي صلاح الدين بن موسى…- البالغ من العمر 81 عاما في ذلك الوقت- مما يبرر تقصيره في توثيق هذه الأعمال الإبداعية – إذا ما تحقق لها التأثير في الوسط الليبي من المهاجرين ومن السوريين أيضا

خطأ التوثيق بعمل أدبي لم يتحقق له الذيوع والانتشار

من الخطأ في نظري التوثيق للبدايات بعمل أدبي طبع ولم يوزع؟..أو طبع ثم جرت مصادرته، كما أني أجنح دائما لأن أوثق العمل الأدبي وفقا لتاريخ نشره في الدوريات، وهو تاريخ فاعليته الحقيقية ، لا تاريخ نشره في وعاء ورقي يحمل غالبا تاريخ ميلاد مزيف

أما الخطأ الناشئ عن التأريخ بعمل لم يره الناس ولم يقرؤونه، فهو بلا شك مغالطة تاريخية ينبغي التوقف للبحث عن هذا العمل الشبح إلى حين التثبت من وثيقة تؤكد مصادرته من الاحتلال الفرنسي في سوريا أو العثور على نسخة واحدة مطبوعة، يستشهد بها للخلق والنتاج وليس للتأريخ.

لقد استند العديد من الباحثين على كتاب ليس له وجود مادي ولم يوثق في الببليوغرافية الوطنية السورية التي بدأت متأخرة جدا مع بداية قانون الإيداع فيها عام 1984 ولم تنجز المرحلة السابقة للعام 1977 بعد؟؟

لذلك وقع بعض الباحثين الجادين والصحفيين مثل

1-محمود املودة في رسالته العلمية عن القصة في مجلة الفصول الأربعة.

2-جميل حمداوي..يؤرخ بسيالة ..وان هناك من يذهب بعيدا

3-عبد الحكيم المالكي في حوار مع عبد القادر الحصني في جريدة الاسبوع العربي

حسين علي محمد في منتديات القصة المغربية

خالد درويش في تغطية عن تحولات الكتابة في القصة المغاربيةبمدينة قفصة بتاريخ 10آذار2007ف حينما أشار إلى معلومات استقاها من معجم مليطان قائلا وبعد عام 1957قدم الاستاذ محمد فريد سيالة أول رواية ليبية مكتملة بعنوانمن حكايا الناس مما دعا إلى استغرابي! ودهشتي، ثم علق الأستاذ عبدالله مليطان- بعد أسبوع من نشره – معاتبايا خالد لماذا تنسب لي ما لم أكتبه ولم أقله…أنا لم أكتب أو أصرح في أي يوم من الأيام بهذا العنوان..فلماذا تنسب لي ما لم أقله؟

بعد هذا العرض هل يحق لنا التوثيق بروايةمبروكة أول رواية ليبية؟؟؟؟؟؟؟

مقالات ذات علاقة

اليوم الوطني للثقافة التباوية

المشرف العام

من خزانة صحيفة الأسبوع الثقافي

جمعة الترهوني

في وداع الروائي أحمد إبراهيم الفقيه

المشرف العام

اترك تعليق