من أعمال الفنان التشكيلي عادل جربوع
المقالة

مربع السردين بمثلث الباراكودا !؟ ..

.

بالنظر الى مضى وما يمضي وما يمر بنا ومن حولنا يبدو للواقف والقاعد أن من يجلس على طاولة القرار ليس مستعدا لتلقي الدروس او لتصحيح أخطائه وضبط المسار كونه تجاوز عمريا مرحلة التعليم السياسي وهرمت قدراته على النمو والتطور !!! هم جماعة ممنهجة بوعي موروث ومفطومة على عتبات السلطة رضعت حليب الأمس وبعضها من ربيبي روضة الغد الطالح , بعضهم أيضا من حملة المنهج المستتر والتيار البراغماتي المتلون والحاصلين على شهادات خبرة بامتياز من النظام التعليمي السابق , ما نطالعه بإجاباتهم وصحف اعمالهم ودرجات أدائهم يتفق مع مفردات التلقين وجينات التفكير وما هم إلا مخرجات نموذجية لمدرسة المشاغبين والتي لم تفلح بغير تخريج دفعات مماثلة واحتواء مريدين جدد وإنتاج برمجيات الفشل وتلفيق حلول مكرورة باجتهادات محدثة البؤس وهذا أفضل ما لديهم ويظنون صلاحه وصلاحيته لإدارة المرحلة بتكتيكات مهجنة من برمجيات المنظومة البائدة وبإيقوناتها الخفية والظاهرة أيضا . التحول كعملية حراك بغاية التغيير سياسيا اجتماعيا اقتصاديا لا يستقيم بوجودهم كمسامير انسلت من نعش الفائت وذهنية المقبور !!! ولن يعملوا شئنا أم أبينا – ما لم نلزمهم بها ونجبرهم الانحسار من على سدة القرار او لوي اراداتهم لصالح إرادتنا – فهم مكرسون للبطء والتربص بمنصة اطلاقها والعمل على هدر الوقت وتعطيل الجهود بملهاة مستمرة تغطي عجزهم البنيوي عن البناء وتؤسس لمنظومة حكم بعينها ورموزها وتوجهاتها لن تجمع بتروسها غير خريجي مدرسة السياسة والاقتصاد والأمن السابقين كونهم يمتلكون ذات المؤهلات وذات اللغة المشتركة وذات الحقائق والمعلومات عن بعضهم ويواجهون ذات المخاطر المهددة لوجودهم من قوة التغيير الحقيقية . وعليه فان الغباء والجهل السياسي وقلة الحيلة وسوء الفهم ليست وحدها ما يمنع هؤلاء من التغيير وخوض عملية التحول بل انعدام الرغبة وتعارض الإرادة والمصلحة كما أن سياسيات اعادة التموضع وإحكام السيطرة على البلاد ومقدراتها قد انتجت بالتراضي والتوافق شبكة علاقات قوية بين هؤلاء وحتى مع قوى وأطراف دولية ولست مبالغا اذا قلت ان ليبيا اليوم تشبه الى حد ما في بعض تفاصيل ازمتها الحالة العراقية عقب سقوط نظام صدام من حيث تنامي صراع القوى والتجاذب البيني لشركاء المشهد السياسي والتراشق المناطقي لشركاء الثورة لإنقاذ وطن كما هو الحال بالنسبة لتضخم الاحتقانات وانعدام الحلول وتوالد المشكلات وهدر الوقت وسرقة الثروات ورهن المصالح الوطنية وتدخل الاجنبي وفشل النخب الوطنية في الاتفاق الوفاق وانعدام الأمن وعسكرة السياسي وتسيس السلاح وبث الفتن والصراعات وهشاشة ما يسمى بالدولة وانعدام هيبتها ولكن ما يميزنا بليبيا أنه صار لدينا اكثر من مرجعية محلية من شخوص وتيارات متشابكة الاراء ومختلفة اللغة ومتعددة النظر وغير مقنعة لعموم الليبيين كشعب . كما الراصد للأداء المجلسي والحكومي في بعض القضايا والمعالجات تحديدا يعجز عن فهمها وتفسيرها ولأي مصلحة تصب ما يحمل على الجزم بوجود أكثر من حصان لطروادة وأكثر من ” برايمر خفي ” بيننا ينجح دائما في توجيه الأداء وضبط الايقاع وفرض بعض الخطوط الحمراء خاصة فيما يتصل بأموال ليبيا ومسئولي النظام السابق ” الازلام والأعوان ورجال أمنه وحفظة اسراره وأمواله ” وكأن ما فرض بالعراق كقانون اجتثاث البعث – وبالأمس صدر قانون مماثل عن البرلمان المصري يحظر النشاط السياسي على مسؤولي النظام السابق – لم يطبق بليبيا بمناصحة مفروضة على من يحكم ومن يتصل به حرضت ودعت وطالبت بالإبقاء على ” بعثنا الأخضر كونه يملك الأموال والأسرار ” وإعادة تمريره وتعويمه وتبيضه وتنصيبه وفي اقل الحالات تركه وتهريبه آمنا مطمئنا بالداخل والخارج وتكليف الحكام الجدد بالكف عن مطاردتهم بل بإقامة علاقة معهم وصلت حد الجلوس معهم مفاوضتهم والاستفادة من خبراتهم في كيفية احكام السيطرة على البلاد ومقدراتها والالتفاف على الثورة ومنع عربة التحول من الاستقرار على السكة المفضلة شعبيا ثوريا ديمقراطيا وانطلاقها إلا بشرط ان تكون لذوي الشوكة ادوارهم وكراسيهم … ما يحدث بالبلاد الآن يؤكد أن من يجلسون يراقبون ما يحدث على ما فيه من سوء ومخاطر وهم اكثر استفادة وأكثر ثقة بان التحول سيحصل ولكن ليس كما يريده الليبيون الجدد بل كما يخدم عملية إعادة إنتاج منظومة الإدارة للحكم البائد بكل مركباتها وتروسها وربما بجل شخوصها خاصة الصف الثاني منهم وسوف يفعل المال الفاسد فعله في توجيه الواقع والوقائع بخلق الاختناقات او بالاستفادة منها كإثارة النعرات وفوضى السلاح وتشغيل شخوص شبكات المصالح والعلاقات السابقة لأجنداتهم ومآربهم للوصول الى حالة اقناع عام بان ما هو موجود يا ليبيين هو افضل ما لدينا ولديكم وان حدث ما عداه سيضاعف الامر سوءا وليس لكم غير الانفجار ببعضكم وتشريع ابوابكم للفوضى الداخلية وللتدخل الاجنبي … الخطأ الفادح الذي ارتكب هو أن الثورة استلم زمام أمرها وحزمة اهدافها من هو غير قادر على تبنديها كمشروع للدولة المدنية الديمقراطية بآلية عملية وفعالة بل أنها سلمت من البدء بحسن نية البعض وسوء البعض الآخر وتداخل اطراف سلطوية النزعة على مخاض الولادة اضافة لنجاح شداد الفرص ولاعبي اللحظات الحرجة في الاستحواذ على قمرة التوجيه بعد تنسيق الادوار وتبني لغة محاصصة مشتركة مع من هم غير مدركين لقيمتها التاريخية بحسابات الوطنية بعد تحالفهم مع المنشقين عن ضدها والمريدين لركوب موجتها كبحارة مساعدين وأجناد حراسة وربابنة احتياطيين او قراصنة مؤهلين وكان المجموع ثلة نفعيين من الرافضين للتحول بها بعد انتصارها على الحوت الأخضر نحو بر الآمان كونهم الآن على رصيف السلطة وبأيديهم بوصلة القرار ويحظون بزعمهم باعتراف آدميرالات البحور السبع ومرافئ الشرعية الدولية مع تضخم للذات المقدرة للصواب والحكمة وأن لديهم من الحكمة والاعتقاد ما يبرر لهم القول بالأبوية والممارسة للوصاية الحصرية على قضايا الراهن ومعالجاتها ومسألة تقرير المصير العام ومنتهاه وصناعة وصياغة المستقبل وكيف سيكون وفق رؤيا احادية لا تحيد عن مجال رغبتها والاجتهاد فقط لصالحها …. باختصار المشكلة ليست في المركب وركابها بل في رخصة القيادة وخارطة الطريق والتذاكر المفتوحة لركاب غير مرغوب فيهم لا يحظون بالصلاح والصلاحية ويتعارض وجودهم كمسامير مع الصالح العام تم فرضهم كأحمال زائدة وقوى مقرصنة لتوجيه اجباري نحو شباك الكنز والمضادة لبوصلة الراغبين في الانطلاق بالتحول الحقيقي والوصول لمحطة الاستقرار والديمقراطية لتجد اسراب السردين نفسها مكومة بالمربع الاول من جديد بعد ان فرت من أنياب القروش الشرسة ومحاصرة بمثلث التوجيه نحو تيارات الباراكودا الهائجة ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*- نشر بصحيفة برنيق العدد 56 – يوم الأثنين 16-4-2012

مقالات ذات علاقة

حوار بين ناقد مبتدئ وناقد بروف

عادل بشير الصاري

رواية «سقوط حر» والبقاء على قيد الخوف

سالم العوكلي

كوزا نوسترا

زكريا العنقودي

اترك تعليق