النقد

تاريخ ليبيا من عمر المختار الى معمر القذافي

>

قراءة.. ابراهيم الفرجاني

>

من شرفة تطل على النيل.. فوق ذاك الكرسي العتيق.. أفرغت منذ قليل من قراءة كتاب بعنوان (تاريخ ليبيا من عمر المختار الى معمر القذافي) للمؤلف باولوقانيني ـ نيقولاى ستاريكوف.. إعداد وترجمة لـ هند رشدي ـ وفوزي ربيع.. يحاول المؤلف أن يبدأ من حيث إنتهى عمر المختار فيقول: نحن لا نستسلم ننتصر او نموت.. وفي تمهيد الكتاب يشير بأن هناك مؤامرة دولية قد دبرت الى الشعب الليبي وبأن معمر القذافي هو طاغية بكل معنى الكلمة.. وبأن الشعب الليبي قد عاش على مدى العصور القديمة مراحل من الظلم والقهر.. حيث يصف ابناء هذا الوطن بأنهم طيبون ويعانون حالة من الخنوع والخضوع والخوف رغم أن بلادهم غنية جداً بالمقدرات والخيرات.. يتسأل المؤلف في حيرة هل سيصحون ثوار ليبيا يوما ما ويدركون حجم المؤامرة التي شارك فيها الغرب وعملائهم من العرب مع مجموعة من الليبيين داخل ليبيا أولئك الذين لا يرفضون إبادة الشعب عن بكرة أبيه مقابل الوصول الى السلطة مستغلين بذلك تعطش الشعب الليبي لتخلص من نظام القذافي وعائلته بأي طريقة كانت.. وتنكشف الرؤية عندى الكاتب فور قرار مجلس الأمن بتبني حظر الطيران فوق سماء ليبيا تحت شعار حماية المدنيين من قصف جوي وبري لكتائب القذافي.. حيث يستغرب انه لم يمنع القرار أي عمليات إنزال برية او احتلال لبعض المواقع والأهم من ذلك بكثير هو أن القرار لم يمنع بنصوصه المحددة التدخل الأجنبي المباشر في ليبيا.

يضيف بأن الزعيم الليبي لم يستجيب للتحولات الراديكالية في المنطقة رغم تحذيرنا له.. وأن سيف الإسلام لن يتنصل هو ووالده من القرار الأممي بكل سلبياته.. وأن الدور الخليجي كان مشبوها ومتناقض.. وان خطابات مصطفى عبدالجليل عن رفضه نزول قوات أجنبية لجانب طلبه شن غارات على كتائب القذافي هو كلام لا معنى له ولا يبرئه من النتيجة الحتمية للتدخل الخارجي على الأراضي الليبية.

ويسرد الكاتب تاريخ ليبيا العريق وظهور أسم ليبيا في النقوش المصرية القديمة وعلى لوحة الملك مرنبتاح من الأسرة الفرعونية التاسعة عشر وكذلك في معبد الكرنك.. حيث يرجع نشأة قبائل الليبو الى عهد رمسيس الثاني (1298 ـ 1232) قبل الميلاد.. كما عثر على نقوش فينيقية متعددة ورد بها هذا اللفظ (ليبيا) ومن الخرافات والأساطير الإغريقية أن الإغريق كانوا ملهمون بخيالهم عن سحر ليبيا وجمالها وبأنهم يرددون (إن من يأكل اللوتس من غير الليبيين سينسى وطنه ويعيش في ليبيا ليقضي حياته يأكل اللوتس) ويأخذنا الكاتب بشكل دراماتيكي الى العصور الرومانية والبيزنطية وحتى الفتح الإسلامي وهو يتناول تاريخ ليبيا عبر أهم المصادر والمؤرخين والجغرافيين والفلاسفة.. ومن بينهم هيرودوت.. بليني الأكبر.. ديودوروس الصقلي.. بروكوبيوس القيصري.. فلافيوس كوريبوس.

تصل بنا صفحات الكتاب الى القبائل الليبية التي كانت موجودة قبل الإسلام وهي لواته ـ هوارة ـ زناته ـ نفوسه ـ كتامة ـ صنهاجة ـ زويلة ـ مزاته ـ الأواجه ـ الطوارق ـ التبو ـ الفواتير ـ كرغلة.. وفي شرح وافي يسرد بقية القبائل الرئيسية وبيوتها وممتلاكتها وضواحيها.. كما يوضح في رسم بياني تاريخ ليبيا منذ ميلاد دولتها وحتى يومنا هذا مرورا بالخلفاء الراشدون والأمويون والعباسيون والإخشيديون ولاة طرابلس وفزان الى القرمنليون والسنوسيون والإيطاليون وغيرهم.. فيما يشير في مطلع القرن العاشر الميلادي بوجود الفاطميون بالمنطقة وان الشيعة كانوا نشطين في ليبيا وشمال إفريقيا.. وبان ليبيا انضمت الى الخلافة العثمانية بين العهدين الأول والثاني مابين (1551 ـ 1911) وحتى الإحتلال الإيطالي الفاشستي.

بالمزيد من الرغبة والفضول تتصفح الوريقات الـ 247 لهذا الكتاب وأنت تتنقل من موضوع الى موضوع أخر بلهم وشغف يمكنك من القدرة على الوصول لفكرة جهنمية تجعلك تقراء جميع المحتويات بلمح البصر لتذهب سريعا بخيالك وانت ترسم على صهوة الأحلام ملامح هذا الوطن وأسراره .. وفي هدوء وإسترخاء تجد نفسك تهيم مع ماورد من سيرة شيخ الشهداء عمر المختار وتاريخه المشرف بداء من نسبه الشريف لبني هاشم بن مناف من كبار قبائل قريش الى نشأته وبطولاته وجهاده ضد إحتلال القوات الإيطالية الى أن وضع جلاده الزنجي الأسود الملقب بـ اللونقو من اصل سوداني يدعى محمود حبل المشنقة على رقبة عمر المختار وفقا لما ذكره سجان الشهيد في إعترافاته للكاتب (ليفي) الذي حرر مقالا بمناسبة توزيع فيلم أسد الصحراء في ذالك الوقت وبإعتبار أن عمر المختار غاريبالدى ليبيا.. ولم يكن ايطالياً كما ورد في الفيلم الوثائقي أسد الصحراء بل كان زنجي سكير مات أخيرا في حي البركه بمدينة بنغازي من الأبواب السبعة في الكتاب لم يخصص الكاتب باب لدخول به الى العهد الملكي في تلك الفترة بل إكتفى بذكر دخول إدريس السنوسي مع القوات البريطانية إقليم برقة من جهة مصر عندما قامت الحرب العالمية الثانية.. حيث تحالف السنوسيون مع بريطانيا وضمنت لهم الأخيرة بأنه عندما تضع الحرب أوزارها فإن ليبيا لن تعود بأي حال من الأحوال الى السيطرة الإيطالية.. سقطت بنغازي وطرابلس في أيدي القوات البريطانية.. وفصلت بريطانيا إقليمي برقه وطرابلس ومنحت فزان الى فرنسا وأصبحت هاتان الدولتان تتحكمان في ليبيا ومصيرها.. لكن إرادة الشعب واستمراره على نيل مطالبة وحقوقه وحريته ضمن مكانا في جداول الأعمال للمؤتمرات التي عقدتها الدول الكبرى في تلك الحقبه.. كما نقل الليبيون قضيتهم الى الأمم المتحدة.. في هذه الفترة كانت الدوئر الإستعمارية تدبر المكائد على مستقبل ليبيا وفي عام 1949 اتفقت بريطانيا وايطاليا على مشروع (بيفن سيفورزا) الخاص بليبيا الذي يقضي بالوصاية الإيطالية على طرابلس والوصاية البريطانية على برقه والفرنسية على فزان على أن تمنح ليبيا الاستقلال بعد 10 سنوات من تاريخ الموافقة على مشروع الوصاية.. لكن الوصاية فشلت لحصولها على عدد قليل من الأصوات.. والى جانب وفد من مناضلي ليبيا للمطالبة بوحدة استقلال ليبيا أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار لا يتجاوز من يناير 1952 لنقل السلطة الى حكومة ليبية مستقلة.

في سطور مظلمة وكلمات خانقة يتعكر مزاجك وتتشنج المنطقة الفاصلة بين الحاجبين لدخول الى مرحلة المقبور وإنقلابه العسكري المشئوم في 1 سبتمبر 1969 ليقوض حكم المملكة ويعلن نشوء الجمهورية العربية الليبية.. بعيدا عن الشرح يمكنك ان تقراء لوحدك دون أن أجد نفسي مرغما في نقل التفاصيل التي يسردها الكاتب عن حياته وزوجاته وأبناؤه بشكل ممل ومقرف وهو يتوجه بإطروحاته وتجاربه الوحدوية الفاشلة مع العرب فيما يتعلق بمثاق طرابلس الوحدوي وإتحاد الجمهوريات العربية والوحدة الإندماجية بين ليبيا ومصر والمسيرة الوحدوية وبيان الحاسي مسعود الى إزالة الحدود والبوابات واتفاقية مراكش لاتحاد المغرب العربي وغيرها، وذلك عقب حقنه من جمال عبدالناصر بانه أمين القومية العربية اعش خلالها الشعب الليبي الويلات.. الى أن استقر به المطاف الى التوجه نحو إفريقيا التي كان يردد في شعاراته عندى وصوله للسلطة بأن افريقيا للأفريقيين.. وان لا حلف لأفريقيا الا مع نفسها.. وبشكل خاص يمكنك قراءة علاقاته مع الغرب وأدواره الغامضة في إفريقيا وحملاته التدريبية لأشخاص أصبحوا بعد ذلك أمراء حروب في دول افريقية وكذلك المزيد من الأسرار لقضاياه الخارجية وصولا الى اصله اليهودي وقضية موسى الصدر ولوكربي والحارسات الشخصيات وغيرها من الفضائح والتسريبات.

يبداء المؤلف سرد أحداث 17 فبراير في حكايات هي اقرب للواقع من الخيال يجعلك تشعر من خلال كلماته بأنه شارك المتضاهرين يوما بيوم وانه شاهده الرصاص المتطاير من القناصة ويعرف حتى أسماء الشهداء والمتصاهرين فردا فردا.. يمر على اللحظات الحاسمة في تاريخ الثورة ويرصد الوقائع باليوم والتاريخ والحدث.. ولان تلك الأيام كانت قفزة رائعة في تاريخ الليبيين سوف أمنحكم فرصة الاكتشاف وقراءة ما تحمله طيات هذا الكتاب المفيد.

لكن يمكنني أن أنهي قراءتي هذه بما اردفه عن مقدرات ليبيا * الكعكة الخضراء * كما يسميها حيث تتمتع ليبيا باحتياطي النفط الى 41.5 برميل بالإضافة الى احتياطي مؤكد من الغاز الطبيعي قدره 52.2 تريليون قدم مكعب.. كما لها أطول ساحل مطل على البحر المتوسط.. وتتمتع أيضا بموقع مميز يجعلها الأقرب لأوروبا ولها تأثير اقتصادي وجغرافي وسياسي لا يدركه الكثير من البشر.

في الحقيقة الكتاب غني بالأسرار والتناقضات وثمة معلومات وحقائق يعتبره المؤلف شاهدة على التاريخ من وجهة نظره بما يتعلق بالأسباب الحقيقة وراء المؤامرة الدولية لتقسيم ليبيا وحول رؤيته الخاصة وتغطيتها المباشرة في مكان الأحداث بتورط بعض الجهات الإعلامية بالفبركة المصورة في التآمر على الشعب الليبي مثل قناة الجزيرة والعربية والحرة وبي بي سي.

مقالات ذات علاقة

بما ضاقت العبارة

عبدالله الماي

(لاَ وَقْتَ لِلْكُرِهِ) النشيدُ الإنْسَانِي الدَّائِم .. للشاعـر محمد المزوغي

يونس شعبان الفنادي

فيرينا الصورة المثال في شذرات وحوارات

رامز رمضان النويصري

5 تعليقات

سرور صالح 27 مارس, 2012 at 11:33

قرات الكتاب أيضا ، وما استغربه حقا اطراؤك على ما جاء فيه بشان ثورة 17 فبراير بالرغم من أنه د كتب قبل انتصار الثورة وفي مرحلة مبكرة منها ، حتى أنه تنبأبتدخل خارجي على الارض وتقسيم البلاد ،ومع اخطاء كثيرة في نبوءته يجعلني أتساءل هل اخطأالكتاب أم أن السيناريو لم يكتمل بعد .
عموما أكثر ما أعجبني سياسيا في الكتاب هو كلامه عن الثورة المصرية ومؤامرة الجيش فهي واقعية جدا ، أما ليبيا فبعيدة عن الواقع وفيها كثير من نظرية المؤامرة .وشكرا لأسلوبك الفوق من رائع في قراءتك للكتاب وهذا هو الاسلوب الذي نريده في بلادنا القراءة الكثيرة والتخمر الفكري والتحليل بحيادية حتى نعرف كيف نبني ونعيد بلادنا للتقدم الى الامام .

رد
صالح سلامة 28 مارس, 2012 at 21:21

اذا اردنا ان نكون محايدين ونافعين علينا ان نقول الحق لنا او علينا ليس بقذف الاخرين والطعن عليهم وتزلف للحاضر وتنكر للماضي نريد قلوبا واعية فاهمة ثاقبة وبالتالي الكتاب سيحبه من يأتي على هواه وسيسخط من يرى انه يحط منه وبالتالي لاداعي للدعاية والاغراء

رد
عبدالسلام 17 يونيو, 2012 at 22:57

أين يمكن أن أجد هذا الكتاب
نسخة أو الكتروني

رد
االزيداني 17 نوفمبر, 2012 at 16:27

اريد الحصول علي هذا الكتاب لكي ابدي رايي

رد
المسماري 12 ديسمبر, 2013 at 09:25

الان يتم تزوير الحقائق مره اخرى!من شنق هو عبدالسلام التاروغي المعروف ب “اللونقو”وليس محمود وليس من اصل سوداني؟لقد تجاهل العقاد في الفيلم المجاهد يوسف بورحيل المسماري نائب عمر المختار وقائد الجهاد من بعده وايضا عبدالحميد العبار العقوري لااسباب سياسيه!لماذا تزورون التاريخ ؟من قتل يوسف بوخديده هم بندة عاكف بوكراع الورفلي في ام ركبه!لقد كان حقد الطاغيه على يوسف بورحيل وعبدالحميد العبار كبيرا لدرجه انه لم يسمي اي مدرسه او شارع باسمهما!

رد

اترك تعليق