يوسف القويري.. 60 عاماً من العطاء.
متابعات

يوسف القويري . . مسيرة ستون عاما

عدسة :عبد القادر الكانوني

ندوة يوسف القويري.
ندوة يوسف القويري.
تصوير: عبالقادر الكانوني.

لا يكاد ينتهي نشاط من نشاطاتها حتى يكون النشاط التالي جاهزا، هذا ما عودتنا به الجمعية الليبية للآداب والفنون التي تنشط بعيدا عن أي صخب وتتحرك بخطوات ثابتة ومتزنة، فبعد الأمسية القصصية الناجحة التي أحياها القاص جمعة أبو كليب وأعادت إلى الواجهة قاص متمكن، ها هي الجمعية تنظم ندوة أحتفائية تكريمية لرمز من رموزنا الفكرية والأدبية، ندوة “يوسف القويري.. ستون عاما من العطاء” الندوة التي حضرها جمع من المثقفين والمتابعين لأنشطة الجمعية حملت فقرات متنوعة فبالإضافة إلى القراءات والورقات النقدية التي تناولت مُنجز القويري وهي الأساس في الندوة تم عرض شريط سينمائي أبرز جوانب عديدة من شخصية الكاتب ومن خلال جهاز العرض المرئي تم عرض السيرة الذاتية للأديب يوسف القويري مكتوبة وبعض الصور الشخصية وصور لكُتبه التي هي خلاصة فكره وزبدة إبداعه، وبعض الشهادات المكتوبة حول تجربته الإبداعية. كما لم تغفل الجمعية عن طبع مطوية خاصة بالندوة ضمّنتها معلومات وافية ومهمة حول سيرته الذاتية وكتبه إضافة إلى شهادات بعض الكُتاب حول مُنجزه الإبداعي.

أما البداية وبعد افتتاح الندوة والتقديم الذي استلمه الكاتب أمين مازن فكانت لعرض الشريط السينمائي القصير الذي أعده كل من الأساتذة عبدالرزاق العبارة وجمعة أبو كليب وإبراهيم المزوغي ونوري عبدالدائم وأحمد غماري والطاهر الذيب وأُطلِقَ عليه اسم ” مصافحة ليوسف القويري ” وفيه شاهدنا لقاءاً مقتضبا مع الكاتب الكبير في بيته واستمعنا إلى إجاباته على الأسئلة التي وُجِهت إليه وحكي فيه بطريقة مختصرة عن بعض مراحل حياته، كما تضمن الشريط الشديد الإتقان والذي بُذِلت مجهودات كبيرة لإنتاجه شهادات عن إنتاجه الفكري والأدبي قدمها كل من الكاتب رضا بن موسى والأديب علي الرحيبي والقاص جمعة أبو كليب والشاعرة حواء القمودي والكاتب أدريس ابن الطيب وفيها اتفق الجميع على عمق تجربة الأستاذ يوسف وتفردها وإضافتها القيمة للثقافة في ليبيا.

الأستاذ أمين مازن بدوره بعد عرض الشريط قرأ مختصراً لسيرة الكاتب المُحتفى به بدءاً بمولده بمصر سنة 1938 مرورا بمراحل حياته المختلفة في مصر وفي ليبيا واستعرض عناوين كتبه التي أصدرها حتى الآن وتطرق في عُجالة إلى أسلوبه المميز في الكتابة وطريقة تعاطيه مع اللغة.

وكتب الأستاذ الناقد أحمد الفيتوري ورقة عن يوسف القويري قرأ الكاتب رضا بن موسى فقرات مطولة منها لتعذر حضور الفيتوري للندوة، ويُذكر ان الأستاذ أحمد الفيتوري كان قد كتب مقالته واقترح إقامة ندوة حول أعمال القويري وبعد عرضها على الجمعية لاقت قبولا واستحسانا وتم الشروع في الإعداد لها، وفي ورقته التي حملت الكثير من الإعجاب والتقدير والأحترام قام أحمد الفيتوري بتحليل أسلوب القويري في الكتابة ونوّه بنثره الجميل ولغته المتفردة.

ومن جهته في الورقة اللاحقة أسهب الكاتب ابراهيم حميدان صاحب ورقة ” القويري أديبا وكاتبا ً ” في تحليل مشروع القويري النهضوي وتتبع مسيرته الكتابية وأشار إلى الظروف التي أسهمت في تكوينه وتحققه ككاتب راسخ، كما لم يغفل عن تفاعله مع الإنتاج الفكري في مصر أبان وجوده هناك وقراءاته لهيكل والعقاد ولويس عوض ومحمود أمين العالم وسلامة موسى ومحمد مندور وتأثره بأفكارهم التنويرية التي تبنى بعضا منها وأضاف لها من اجتهاداته، وركّزَ تحديدا على تأثره بفكر سلامة موسى.

وفي سياق حديثه عن القويري أشار إلى فترة انقطاعه عن الكتابة أو عن النشر في الصحف والمجلات الليبية بداية من سبعينيات القرن الماضي وحتى مستهل التسعينيات، حيثُ لم يكتب يوسف القويري بحسب الأستاذ ابراهيم حميدان – في مجلات الثقافة العربية والفصول الأربعة وصحف الأسبوع الثقافي والفجر الجديد والجهاد وغيرها من الدوريات، ونّوه إلى أن فترة إنتاجه الأولى امتدت من عام 1957 إلى 1969 وكتب المقالة بأنواعها والقصة القصيرة والنصوص الحوارية وأدب الرحلة والخواطر، ونشر مفكرة رجل لم يولد في صحيفة الميدان على حلقات.

ندوة يوسف القويري.
ندوة يوسف القويري.
تصوير: عبالقادر الكانوني.

وتساءل حميدان عن الرابط ما بين كتابات القويري المتنوعة التي اشتملت على النقد الحضاري والثقافي والأجتماعي والأدبي والقصة والخاطرة، وخلص إلى أن القويري في كل ما كتب كان يمتلك رؤية تقدمية ونظرة نهضوية للمجتمع تتجاوز التخلف السائد وما كتاباته عن تحرير المرأة ودعوته للتفكير العلمي و العقلانية وتطوير اللغة ومعاناة المثقف الذي يعيش في مجتمع متخلفوالصراع ما بين الجديد والقديم إلا دليل على رؤيته الواعية، حيث شكلت كل هذه المفاهيم والقيم الفكرية مرتكزا لكتاباته، ثم عرّجَ الباحث على نقاط التقاء القويري مع سلامة موسى ونقاط الأختلاف فتحدث عن دعوة سلامة لأعتماد العامية في الكتابة وهو الشيء الذي لم يحبذه القويري وتحدث عن قضية الأخذ عن الغرب التي تطرف فيها سلامة فيما كان القويري مقتصدا ومتأنياً في مسألة الأخذ عن الغرب، وتختلف بحسب تحليلات الباحث لغة القويري عن أي لغة وليس لغة سلام فحسب من حيث حيويتها وجمالها ونبّهّ إلى مقالاته التي كان ولا يزال يكتبها بنفس إبداعي نثري جميل، واستفاض في وصف لغته السلسة وقبل الختام ألمح إلى خاصية الموضوعية والأتزان اللتين تتسم بهما كتابات القويري وبُعدها عن لغة الأنفعال والتسرع.

وعن النقد التطبيقي استعرض الباحث ابراهيم حميدان مقالات للقويري تناولت نتاج العديد من الأدباء والكُتاب العرب والليبيين أمثال أبو القاسم الشابي وأحمد رفيق المهدوي وعبدالله القويري وحكم من خلالها علي يوسف القويري بأنه صاحب حساسية مرهفة وذو مقدرة عل اكتشاف الخصائص الجمالية والفنية للنصوص التي يُخضعها للنقد والوقوف على دلالاتها ليُنهي ورقته بالمقولة المشهورة للقويري التي تقول ” أن المجتمع المنغلق والمتخلف يلقي بطلائعه إلى المنفى.

وقدّمَ الأستاذ والناقد عبد السلام الفقهي رؤية مغايرة لتجربة القويري من خلال تحليله لإنتاجه الفكري والأدبي في ورقته المعنونة بـ”يوسف القويري وقلق الإبداع” وقبضَ على بعض الملامح الخاصة به مثل استعمال القويري للغة الجسد في كتابة المقالة أو التركيز على الوصف، ولم يكن هذا الملمح ليتضح ويتمثل لدى المستمع إلا بعد أن يأتي الفقهي بأمثلة من كتابات القويري حيث أشار إلي حواراً جرى ما بين الشاعرين أحمد الفقيه وأحمد قنابة حول الشعر المقفى والشعر الحر في مقال له بعنوان ” بين القديم والجديد ” يقول في أحد مقاطعه :- خلع الشاعر المخضرم أحمد قنابة طربوشه وجلس ببطء، وتنحنح ثم ابتسم في وجوهنا ابتسامة كبيرة.

ويربط ما بين الأثنين بتعليق يقول “وانبسطت يدا الشاعر أحمد قنابة على المنضدة، ثم هتف فجأة وهو يعتصر الهواء بقبضته”.

ندوة يوسف القويري.
ندوة يوسف القويري.
تصوير: عبالقادر الكانوني.

وكذلك وصف حوار جمعه مع الكاتب المصري مصطفى محمود داخل حجرة بفندق ” كنا في حجرة عصرية ذات رياش فاخرة لكنها مجافية بهندستها وألوانها ونظام أثاثها للألفة التي نستشعرها في البيوت وبمجموعها تشبه مقصورة نوم من الدرجة الأولى في قطار أوروبي.

ويقول الباحث إثر ذلك :- هذا المقطع يرتبط بسياق عام داخل مقالة ويبدو في آن وكأنه مقطع من رواية، ولا أعتقد أن اسلوبه القصصي بعيد عن هذا القالب الوصفي الأختزالي المكثف.

ودعا الباحث في نهاية ورقته البحثية الجهات المعنية إلى إصدار كتب الأديب يوسف القويري في طبعات جديدة حتى تستفيد الأجيال الطالعة مما جاء فيها من أفكار تقدمية ورؤى مستقبلية بعضها كُتِبَ منذ سنوات طويلة إلا أن أهميتها لم تُستنفد حتى الأن لأنها تعالج قضايا ومسائل لا زالت ماثلة ويرزح تحت ثقلها المجتمع وأول هذه القضايا هي قضية التخلف وأزمة المثقف في مجتمع لا يعترف به، أو لنقل أن أغلب أفراده لم يسمعوا به أصلاً.

ومع أن القويري بحسب الفقهي يكتب المقالة إلا أنه يكتبها بروح السرد ويعتمد كثيرا على الوصف الذي هو أحد حيل القصّ لترصيع لغته والأنعطاف بها عن المعتاد، وهذه نقطة تُحسب له وتجعل منه مختلفا عن الكثير ممن يكتبون مقالة مجردة من أية جماليات لغوية، وغني عن القول أن ورقة الفقهي حول القويري وتجربته حملت الكثير من الألتقاطات الرائعة والتحليلات الموضوعية التي تُسهم في فهم واستيعاب تفاصيلها وتُقرب المهتم من بلورة رؤية واضحة عنها وتمنحه مداخل إضافية وزوايا نظر جديدة يمكن استثمارها عند القراءة، ومن شأن هذا الأمر أن ينتج تفاعلاً خلاقا ما بين الباث والمُستقبل
الكاتب والمتلقي

الورقة الأخيرة تم تقديمها من الكاتب الشاب بدر الدين مختار وفيها ركز على مسألة اللغة وقام باستعراض بعضا من أراء القويري كالتعريب واعتماد العامية وغيرها قبل أن يفتح الباب للنقاش والتعقيب على الأوراق المقروءة، أول المتداخلين كان الأستاذ حسين المزداوي الذي فضّل أن يضيف إلى ما تم عرضه، مما اختزلته الذاكرة وسرد موقفين كان لهما علاقة مباشرة بالقويري.

علي شعيب فيما يخصه برر انقطاع القويري عن الكتابة فترة السبعينيات والثمانينيات، ردا على ملاحظات الباحث ابراهيم حميدان، بعدم استقطابه من قبل الصحف والمجلات التي كانت تصدر ذلك الوقت.

الفنان احمد غماري المتداخل الثالث كشف عن رواية يكتبها القويري هذه الأيام ويعود إليها بعد فترة انقطاع عنها وهي بحسب غماري مكتوبة بروح كونية وإنسانية وخالية من أي تأثير للبيئة المحلية، كما أكد على دعوة الفقهي بشأن إعادة طباعة كتب القويري.

كلمة ختامية ألقاها الكاتب أمين مازن تطرق فيها إلى محطات مختلفة من مسيرة القويري مع الكتابة وصحح بعض الألتباسات باعتباره مجايلا له، خاصة فيما يتعلق بمسألة اضطهاد القويري من قبل السلطة أو ما شابه، حيث أوضح أمين مازن بأن القويري لم يكن محل متابعة أو ملاحقة بأي شكل أو حتى تضييق من السلطات.

وعلى أمل الألتقاء في المنشط القادم أنفض الجمع، وفي نهاية الأمر لا يسعنا إلا ان نُشيد بهذا الحراك الثقافي الذي تتبناه الجمعية الليبية للآداب والفنون ونُثني على مجهودات أعضاءها، وبشأن هذه الندوة، وعلى المستوى الشخصي أستطيع القول بأنني صرت وإلى حد بعيد أعرف الكاتب والأديب يوسف القويري وأتصور أن هذا ما هدفت إليه الجمعية من وراء إقامة الندوة وكان النجاح حليفها.

مقالات ذات علاقة

«الهوية التسعينية» فوتوغرافيا الهوية البصرية

المشرف العام

منتدى السعداوي يحتفي بالفنان علي ماهر من خلال محاضرة كتبها الدكتور احمد ابراهيم الفقيه

المشرف العام

وضع حَجر الأَساس لمتحف “شُهداء سَحاب” في طلميثة

المشرف العام

اترك تعليق