من اعمال التشكيلي الليبي .. علي العباني
تشكيل

علي العباني: مشروع توثيق ليبيا جماليا …. خطوة للخلف كي لا تسرقك اللوحة

الفنان التشكيلي علي العباني وزكريا العنقودي.
في الخلفية محمد الرحومي
عن صفحة الكاتب على الفيسبوك

كنت صغيرا وانا اتتبع سر اللوحة في ليبيا وأداوم على حضور المعارض المتقطعة فيها ، واخجل أن أسال أحد حتى لا أجرح غروري المريض ..  كان (العباني) هناك .. بحياء دائم يقف حاشية كل معرض ( مدرسة لا جدران لها ولا مدير ولا بواب) ليجيب على أسئلة الجميع  ، وليس عن لوحته فقط بل عن كل لوحات المشاركين وعن تاريخ التشكيل في ليبيا عموما ..

 حين كنت اقترب منه واسألهُ كنتُ اتعمد ان أسال عن الموضوع الاخير تحديدا .. اما عن لوحته فقد كنت اعود لمحرابها وبين التمعن فيها والعود لنفسي اكتشفت أصغر ايحاءاتها ..التأمل .. نعم التأمل أول درس علمتني إياه لوحة العباني والتأمل رغم ظاهره السامي لكنه  لا يخجل وهو يستعمل ادوات ووسائل السارق نعم هو لا يسرق المتاع أو الأغراض فهو اكثر شراسة من كل هذا فهو يسرقك من نفسك ( قد يصل به الامر فيسلبك عقلك ) لذا تعودت امام لوحة العباني أن احذر (فهي لوحة قادرة ) فتعلمتُ أن أخّذ خطوتين للخلف كي لا تسرقني لوحته من نفسي وتذهب بي بعيدا لفضاء أحلامها .. فضاء مفتوح لكل الاحتمالات  .. فحينا  تأخذك إلى سر الكون .. أو بداية الخلق في حين آخر.. ويحدث احيانا أن تضعك بعيدا حيث لا جاذبية فتضل تدور حول نفسك فتتماهى مع اللعب كطفل صغير تغريه الكواكب وحروب النجوم .. وقد تحط بك في كوكب اخر لا شر فيه فقط جنة من الالوان ..لا حصر لها ( الم اخبركم بأنها لوحة قادرة )

من اعمال التشكيلي الليبي .. علي العباني

لذا عودتُ نفسي أن اقف بعيدا عنها ..فبهاتين الخطوتين اضمن نفس ، فلست بعيدا عنها فاخسر غوايتها  ولست بداخلها   فتحتويني .. استمريت  في زيارتي لمعارض التشكيل وفضاءات العباني لكني كنت قد قررت أن اجعل  اعماله آخر اللوحات التي اقف عليها ومن على بعد الخطوتين الذي قررته سالفا .. وبعيدا عن كلام النقاد وحواة الكلام وسؤال التجريد وعن تأمل الفلاسفة ، ايام وانا اكرر النظر للوحات فجأة وجدت نفسي بداخل كل اعماله ( تفحصت موطأ قدمي  فوجدتني لا ازال احافظ على حد الخطوتين)

 اخدت خطوة اخرى للخلف هربت بعيداً واستندت لحائط المعرض الذي يقابلها فلم يتغير الامر فلازلت بداخل اللوحة ، بل أنني  وجدت  ليبيا بكاملها على تلك ( القماشه )، وجدتها بكل تفاصيلها برملها بتينها بسعف نخيلها بل حتى (قندولها و ضرس عجوزها ) بل اكتشفت بها تفاصيل ليبية أصغر وبخصوصية اكثر ، كل هذا الموازييك وبكل تناقضاته جمعه (العباني ) بين عارضتي لوحته لذا لم تخدعني الالوان هذه المرة لم اعد ارى تمازجها المحترف  مجرد محاكاة لقوس قزح او مجرد دعوة للفرح أو الرحيل في عوالم الكون ولم يغرر بي كل كلام النقاد كتب احد النقاد في 2010 عن فضاءات العباني (دائما سوف ترى العباني يأخذك إلى عوالم فيها صورة غائبة للصفاء الانساني المفجوع بصور الفزع والدم والفجيعة والازدحام ) من اين جاء بهذا الكلام ؟؟ .. رميت كل هذا وغيره جانبا ،  وقررت أن اتوقف عن التأمل واقتربت من اللوحات فلم اعد اخشى أن تحتويني ، بل سلمت نفسي اليها  فاكتشفت أن ذاك الازرق أو السماوي الخفيف ( الصافي اوالمبرق او المغّبر ) الذي يقف  عند اطراف اللوحة وبخجل هو سمائي بل سماء بلادي بكاملها  ، أما باقي جغرافيا القماشة التي تشكلها الوان  العباني بحرفية منقطعة النظير فهي .

 ارضي و آبائي معطرة بدماء اجدادي ..

 بجذبها ونعيمها ..

 بفرح اولادها بعودهم ناجحين من طريق المدرسة ..

بزعلهم حين غابت الورود على ممر عودتهم ..

 بجبالها حد النظر

بطُهر رملها

بالزبد بموج شطئانها ..

 (في بعض  فضاءات العباني كانت ترهونة بسهولها بجبالها  بزيتونها بزهر لوزها روضة وسقطت سهوا من جنتها ).

نعم كنت صغيرا  حين اقتربت من العباني (شخص ولوحة ) ولازلت صغيرا بعد اكثر من ثلاث عقود من أين لي أن اكبر وانا اقف امام رجل قلبه (جغرافيا ليبيا باتساعها ) وانا لا احمل سوى قلب عصفور بجسدي النحيل .. …في حين لا يزال العباني  يقف على حافة المشهد التشكيلي في ليبيا ليجيب عن أسئلة الجميع ( مدرسة لا جدران  لها ولا مدير ولا بواب )..كلما اقتربت منه زدت تعلقا به كلما اقتربت من لوحته زدت اعتدادا بتراب ليبيا و بنفسك .

مقالات ذات علاقة

تأبين المفقودين.. غرناطة 2014

زكريا العنقودي

الفنان بشير حمودة وبدع اللون القرمزي

محمد عقيلة العمامي

فاطمة الورفلي رسامة الكاريكاتير القادمة

المشرف العام

اترك تعليق