من أعمال التشكيلي محمد الحاراتي
قصة

جريدة أمادو

فتح الله السنوسي الجدي

من أعمال التشكيلي محمد الحاراتي

ذات صباح مشرق، ألقى بي صبي الدراجة قرب باب العجوز«أمادو». كان عجوزاً غريب الأطوار، ألقى نظرة عبر النافذة حيث كان الصبي الأشقر يمضي عبر الدرب الصغير وهواء الصباح يداعب شعره المسترسل تحت الباريه الأحمر ذو الشريط الأسود، لكن العجوز لم يخرج وتركني أمام الباب كأي ضيف ثقيل

كان أمادو وحيداً وعنيداً في آن معاً، كانت جذوره الأفريقية تتجذر في حي السود الصغير في ضاحية «أنجل وود»، وكانت أطواره الغريبة محل الكثير من القصص وربما الخرافات التي تكهنت بعضها عندما تمتم الصبي الأشقر «إلى بيت الغريب… بيت الزنجي أمادو»، هكذا قال قبل أن يقذف بي قرب الباب الصغير الموصد بإحكام .

عند الضحى جاء العجوز، بدأ التصفح من اليمين نحو اليسار! قرأ نتائج «اللوتري» مرّ على الوفيات.. ﻻ شيء جديد، لم يفز أحد من معارفه ولم يمت أحد أيضاً. في المساء مر على العناوين الكبيرة، قرأ قصة قصيرة كتبها شاب واعد، تفرّس في صورة الشرطي كارلوس فرننديز الذي كرمه عمدة الولاية مؤخراً، بصق على وجهه دون أن يعرف سبب التكريم. تحسستُ لزوجة البصاق، كان زنخاً ورائحة تبغ رديء تفوح منه.  شرب العجوز كثيراً تلك الليلة، وضع الصفحات فوق طاولته العتيقة، وراح يشاهد مباراة لفريق النيويوركرز.  كان يكرههم ويتمنى أن يسحقوا رغم كم الزنوج الكبير في الفريق . كنت شاهداً على ضحكاته كلما خسروا، أو سقط أحد لاعبيهم. كنت شاهداً على بصاقه المستمر في وجوه الرجال ذوي الأجسام المفتولة . كانت البيرة من نوع رديء أيضاً، مثلها مثل تبغه القديم، كان بين الحين والأخر يعب كأساً من شراب كريه لا أعلم ما صنفه!

نام العجوز تاركاً المباراة واللاعبين و والنييوركرز الملاعين، كان يشخر بقوة ويده تتدلى بجانب الصُّفَّة، وقد سقطت شطيرة الجبن التي كان يمسكها على الأرض.

 في الصباح، فتح عينيه ببطء؛ كان يوم أحد. لن يأتي صبي الجريدة، لن يزعجه باعة الحليب، وﻻ صخب الصيادين وهم يتجهون إلى هدسون ريفر، فكر أن يذهب إلى كنيسة الراعي الطيب،  لكنه غير رأيه وقرر الذهاب إلى الحديقة ليرمّم السياج الذي سقط منذ فترة طويلة، كانت أفكاره تمتمات متواصلة ولكن الكلمات كانت واضحة. حدجني بنظرة خاطفة، تحسّس شطيرة الجبن، لا تزال طرية، لفّها بالورقة الأولى، انطلق، نثر شيئاً من الماء على وجهه، وأخذ كوبا من القهوة وجاروفاً صغيراً. عاد بعد قليل أخذ الشطيرة وبقية الصفحات، عند الظهيرة جلس على كرسيه الهزاز على غير العادة، هبت نسمة هواء، أخذت معها غلاف شطيرة الجبن، تحت سنديانة عتيقة في طرف الشارع استقرت على الأرض حيث بركة صغيرة من ماء آسن، بقيت هناك زمناً قبل أن يأتي عامل النظافة ليلقي بها في كيس القمامة الأسود.

كانت باهتة ممزقة وقد زالت صورة الشرطي فرننديز لكن رائحة أمادو وبقعاً من زيت شطيرته لا تزال بين طيات الجريدة المهترئة.

______________

نشر بموقع المستقل

مقالات ذات علاقة

نهاية رجل غبي

رشاد علوه

هـكـذا أتذكر هنـد

الدهليز…

أحمد يوسف عقيلة

اترك تعليق