ترجمات

بعد الثورة

إميل اوستروفسكي

الكاتب إميل اوستروفسكي
الكاتب إميل اوستروفسكي

 

ترجمة: مأمون الزائدي

 

 

بعد الثورة، عدت إلى المنزل لأجد أصغر اولادي يحتضر.

كان الطعام نادرا تلك الأيام، والكهرباء متقطعة.، ظن الأطباء ان ابني قد تعرض لتسمم غذائي. لكنهم لم يكونوا جازمين بذلك.

كان عمره عشر سنوات فقط، ويحب قصص الحرب. عندما كان والدي لا يزال على قيد الحياة، كان من شأن ابني الغرير، أن يسأله عن حرب الاستقلال، ووالدي، على الرغم من أنه عاش في بعض القرى النائية والتي لم يرى فيها أي قتال كان يخبره، ملتزما، بكل التفاصيل التي يستقيها عن أفلام شهيرة، وأحيانا ما يختلق ويلفق الأحداث تماما.

الآن وفيما ابننا يرقد فاقدا وعيه، اخذت زوجتي تحوم في غرفة المستشفى، تعيد ترتيب الوسائد. ولم تتكلم معي. لقد ألقت باللوم على بشأن ابننا، على الرغم من أنها تعرف أنه المفضل لدي، وسوف تتهمني بالمثل عندما يزداد نقاشنا مرارة. وعندما غادرت أخيرا ذاهبة للحمام، أخذت يده في يدي.

كنت غائبا عنك، شرحت له.

وحكيت له قصة الثورة:

كنت قد غادرت قبل ثلاثة أشهر للمشاركة في المظاهرات في العاصمة، عقب مذبحة الجيش التي ارتكبها ضد طلبة الجامعة. تصاعدت الاحتجاجات أمام القصر الرئاسي، وكنت هناك عندما أطلق الجيش النار على المتظاهرين.

كان هناك ولد في نحو السابعة عشر مع المحتجين. حاولت أن أعتني به. دعوته الحمامة الصغيرة، لأنه بدا بريئاً، وتحدث عن الحقوق العالمية للإنسان، وهي عبارة سمعها في مكان ما، وأغرم بوقعها.

لم يكن من الصعب جدا بعد كل ذلك، مقتل الرئيس. وفي غضون أسابيع، كان هناك عشرات الآلاف منا في العاصمة، وبدأ الجيش ينشق. تدفقنا على القصر الرئاسي. شنق أبناء الرئيس، حتى أصغرهم سنا، الذي كان لا يزال في المدرسة الثانوية.  الصحف لم تذكر عمره الحقيقي. ولكن الرئيس لم يكن في القصر. ثم عثر عليه مختبئا في منزل على مشارف المدينة. قمنا بجرجرته والأسرة التي كان يختبئ عندها وجلبوا الى وسط المدينة، حيث داستهم الحشود، وسحبت الرئيس من مقبض سيفه المذهب.

لقد كنت هناك، بين تلك الفوضى. واستغرق الأمر مني بعض الوقت لأدرك ان الصبي الذي كان يحمل سيف الرئيس هو الحمامة الصغيرة.

وكان يبكي.

فمه فقد الكلمات من فوره.

احاطته الحشد باعتباره بطلا.

رفعته في الهواء، أقلته أكتافهم. كان عدد قليل من المتظاهرين لا يزال يسحل الأسرة التي خبأت الرئيس.

الحمامة الصغيرة كانت يبكي طوال الوقت.

في وقت لاحق من تلك الليلة، وجدته في حالة سكر في الشوارع، يحتفل مع الأصدقاء.

” قد أكون الرئيس القادم” قال لي. “قد أكون ملكا”.

“ماذا عن الحقوق العالمية للإنسان؟”

“أنت لا تعرفني”، قال. “أنا بطل هذه الثورة”.

“أنت تبكي،” قلت له.

“ابتعد عن طريقي” قال لي، وصفعني، لأني ربما فضحته أمام أصدقائه.

في غضون أسابيع، استعاد الموالين للنظام السيطرة على العاصمة، وأعلنت الأحكام العرفية. لم يكن هناك أي نظام ليكونوا موالين له، ولكن هذا لم يمنعهم من مطاردة الثوار السابقين. كنت أختبأ في خزانة عندما اعتقل الجنود الحمامة الصغيرة. ثم شنقوه في وسط المدينة بجانب مئات آخرين.

بعد بضعة أيام، استيقظ ابني، ورغم أنه لم يذكر القصة لي، ولم يسأل أبدا عن الثورة، التي أعرف انه يتذكرها. فقد كان ينظر في وجهي نظرة اتهام، أردت أن أقول له، انت صغير جدا، ولا يمكنك ان تفهم.

كنت أجلس في الحمام واتجادل معه في رأسي، ما الذي تتوقع مني أن أفعله؟ أنا لدي عائلة.

ولكن مهما ناشدته، أو مهما كان مقدار الحب الذي أغدقه عليه، فلن أستطيع اقناعه بذلك مهما حاولت.

_____________________________

الكاتب:

يحمل اوستروفسكي شهادة الماجستير في الفنون من جامعة كاليفورنيا وهو كاتب شاب صدرت روايته الاولى “مفارقة الطيران العمودي” عام 2013 وصدرت له هذا العام 2016 روايته الثانية ” نمضي بعيدا”. يكتب القصة القصيرة وينشر في عدد من الصحف الادبية ويقيم في  سان دييغو كالفورنيا

مقالات ذات علاقة

شذرات من قصائد قديمة

زكري العزابي

شذرات من قصائد قديمة

زكري العزابي

قرن من الاضطهاد الاجتماعي والثقافي في الرمزية الليبية لمنصور ابوشناف

المشرف العام

اترك تعليق