حوارات

المصراتي هو حقاً شخصية متعددة الجوانب وهو حقا نسيج وحده

#تسعينية_المصراتي

علي المصراتي من جيل الادباء الموسوعيين أمثال العقاد وطه حسين

الكاتب علي مصطفى المصراتي تصوير: فتحي العريبي.
الكاتب علي مصطفى المصراتي
تصوير: فتحي العريبي.

 

حاوره: رامز النويصري

للترجمة دور مهم وفعال للتعريف بالآداب، ونقل الثقافات بين الشعوب، ولولا الترجمة لما شهدنا هذا التطور العلمي الكبير الذي نعيشه، الآن. والمترجم ليس مجرد شخص يجيد أكثر من لغة، أو ناقل للنص. فالترجمة عمل معرفي، والمترجم كالسفير، وهو هنا يمثل النص ثقافياً لغة.

والنصوص الليبية، تعاني مشكلة ترجمتها للغات العالمية، وهو أمر لم يطلع به إلا القلة، للتعريف بالثقافة والأدب الليبي، ومن خلالهما التعريف بالأدباء والكتاب الليبيين، ومن هذه الجهود، ما قدمه الدكتور “سعدون السويح” بترجمته لمجموعة الأستاذ “علي مصطفى المصراتي” القصصية المعنونة بـ(الجنرال في محطة فكتوريا)، والتي صدرت بذات العنوان:  “The General in Victoria Station and other Stories” ، في الولايات المتحدة عن دار نشر “Global Scholarly Publications” ، في سنة 2005.

والدكتور السويح مختص في علوم اللغة العربية والإنجليزية، وله العديد من التراجم من العربية لللإنجليزية، لعل أهما ترجمته لمجموعة قصائد للشاعر “نزار قباني”، ومجموعة شعرية للشاعر “عبدالرحمن شلقم”. كما لا ننسى أن الدكتور السويح شاعر يكتب الشر باللغتين العربية والإنجليزية، ولديه كتاب تحت الطبع (نقوش على ذاكرة الريح)، وهو مجموعة نصوص شعرية ونثرية. هنا نلتقيه للحديث عن تجربته حول ترجمة مجموعة الأستاذ “علي مصطفى المصراتي” القصصية.

بدأ اللقاء بالحديث عن علاقة “د.سعدون” بالأديب “علي مصطفى المصراتي”، حول تاريخها، طبيعتها، تأثيرها في اختيار نصه للترجمة:

علاقتي بالأستاذ علي مصطفى المصراتي هي علاقة صداقة في المقام الأول برغم فارق العمر. وقد كان لهذه الصداقة جذورها منذ ستينيات القرن الماضي، فقد كان الأستاذ علي صديقاً لوالدي الأستاذ اسماعيل السويح رحمه الله وهو من رجالات التعليم الأوائل في ليبيا، وشغل منصب مدير المطبوعات في خمسينيات القرن الماضي، وأذكر المرة الأولى التي رأيت فيها الأستاذ علي، وكنت عندئذ تلميذاً في الإعدادية، وقد ذهبت اليه برسالة من والدي، وعلق على اسمي باسماً وقال لي : لقد سماك أبوك على بطل من أبطال الجهاد الليبي فلا تنسَ ذلك!

في السبعينيات، وإثر تخرجي من الجامعة، تعرفت بشكل أكبر إلى الأستاذ علي من خلال كتبه و مؤلفاته، ومن خلال اللقاءات الشخصية المتكررة، وحين صدرت جريدة “الشعب” في عام 1969، كنت أحد الكتاب المنتظمين فيها، الى حين توقفها بعد تأميم الصحافة في أواسط السبعينيات.

الأستاذ علي إنسان حميمي، تسكنه روح الدعابة، وكان حقاً مَعلَماً من معالم طرابلس، شخصيته ذات حضور خاص، وملامحه وهو يرتشف قهوته ويدخن “الأنرجيلة” في مقهى مرسال بشارع الوادي لن تغيب عن ذاكراتي و ذاكرة المدينة.

ولاشك أن لهذه العلاقة تأثيراً في اختياري لترجمة بعض آثاره، وكنت قبلها قد ترجمت بعض نصوص الشاعر نزار قباني إلى الانجليزية، ولكن المعيار الأول للاختيار لم يكن الصلة الشخصية بل القيمة الأدبية و الفكرية للنصوص المختارة.

الأستاذ علي إنسان حميمي، تسكنه روح الدعابة، وكان حقاً مَعلَماً من معالم طرابلس

وهنا سألناه عن سبب اختياره لمجموعة (الجنرال في محطة فكتوريا) دون بقية مجموعات المصراتي، فقال:

هذه المجموعة ” في تصوري” هي من أفضل مجموعات الأستاذ علي القصصية لما تحمله من بعد إنساني واحتفاء بالآخر. الآخرون في هذه المجموعة ليسوا “الجحيم”، لكنهم ذوو حضور إنساني طاغ، والجنرال، بطل القصة الأولى، هو جنرال إنجليزي متقاعد، يلتقي ومعه ابنة أخيه مع شاب ليبي في حانة من حانات محطة فيكتوريا الشهيرة في لندن، ومن هنا فإن مسرح الأحداث هو في الواقع خارج ليبيا، ويتحدث الجنرال طويلاً عن ليبيا التي عرفها خلال الحرب العالمية الثانية، حيث لايزال الدمار وغبار المعارك ضد قوات العدو النازي و الايطاليين عالقاً بذاكرته، لكن الشاب الليبي يعيده إلى حاضر يتطلع الى السلام، و إلى علاقة أكثر توازناً بين الامم. وفي قصة أخرى عنوانها “الجاسوسة” مسرحها طرابلس، تبرز البطلة وهي سيدة انجليزية باعتبارها انسانة مثقفة شريفة بعيدة عن تهمة الجوسسة التي حاول ان يلصقها بها موظف ليبي كبير أراد مساومتها على شرفها.

هذا البعد الانساني كان أحد معايير الأختيار، غير أن الترجمة ضمت أيضاً قصصاً أخرى من مجموعات أخرى من بينها ” عبدالكريم تحت الجسر” و “حفنة من رماد”، وقصصاً قصيرةً جداً أخرى من صائد الفراشات.

سألناه: هل الترجمة خيانة للنص كما يقال؟

3-  لايمكن للترجمة التي تريد أن يكتب لها البقاء الا أن تكون فعل حب، فالمترجم إذا أحب النص، وبخاصة في الترجمة الأدبية، يتماهى مع النص، وينفذ إلى عالم الكاتب الأصلي، ويعيد انتاجه في لغة أخرى، ويبقى وفياً للمعاني الأصلية في اللغة المصدر أي المترجم منها، وقد تعاملت مع نصوص الأستاذ علي المصراتي، و نصوص الشاعر نزار قباني، من هذا المنطلق، ولكن التجربة كانت أصعب في نقل الشعر منها في نقل النصوص النثرية، لما ينطوي عليه الشعر من تكثيف دلالي و إيقاع عروضي يصعب نقلهما في الترجمة.

ومتابعة للحديث عن تجربته ترجمة المجموعة القصصية، وتعامله مع استخدام المصراتي للعامية في قصصه، يعلق الدكتور السويح:

في الواقع استخدام العامية في حوارات اشخاص قصص المصراتي ليس كثيراً، وهو أكثر مثلاً عند الأستاذ كامل المقهور، ولكنه يبقى إستخداماً مشروعاً لتصوير الشخصية بشكل واقعي ونحن نجده عند كتاب كبار أمثال تشارلز ديكنز ونجيب محفوظ، والمترجم يحاول الإبقاء على “نكهة الحوار” في اللغة المنقول إليها بقدر ماتطيقه أساليب تلك اللغة وطرائقها في التعبير.

الترجمة الادبية عملية إبداعية

هل إعادة كتابة للنص بلغة أخرى، أم إنه كتابة أخرى؟

الاجابة عن هذا السؤال متعلقة بالإجابة عن السؤال الثالث، ولاشك عندي بعد ممارسة طويلة للترجمة بشتى اشكالها أن الترجمة الادبية عملية ابداعية، وليست مجرد نقل، وعند ترجمتي لقصص الاستاذ علي كنت اقرأ النص مراراً، قراءة فهم وقراءة تذوق، حتى انقله بأسلوب يراعي الامانة ويحقق متعة القراءة للقارىء الذي لم يعرف النص الأصلي إلا من خلال الترجمة.

ولست أدري هل نحقق من خلال الترجمة ابداعاً موازياً؟ وهل الترجمة هي ظل للنص الاصلي، أم انها وليد شرعي له يحمل سماته، لكنه لا يطابقه كل المطابقة؟ ومهما كان الرأي، فالترجمة اثراء للغة المنقول اليها، وإثراء للتجربة الانسانية، ولولا الترجمة لكان يتعين علينا أن نتقن كل اللغات حتى نقرأ آدابها، ويسعدني إنني حاولت أن أنقل بعضاً من روح و خلجات وإرتعشات قلم الأستاذ المصراتي إلى اللغة الانجليزية، وتبقى الترجمة مع ذلك مغامرة في اللغة غير مضمونة النتائج، لكن السفن التي لا تغامر تظل دوماً حبيسة الموانئ.

ويؤكد الدكتور السويح على أهمية مكانة الأستاذ “علي مصطفى المصراتي” في خارطة الثقافة الليبية.

مكانة الاستاذ علي المصراتي في أدبنا الليبي وثقافتنا العربية مكانة سامقة.. وهو من جيل الادباء الموسوعيين أمثال العقاد وطه حسين، ولقد أثرى المكتبة بعشرات المؤلفات تراوحت بين الدراسات التاريخية و النقدية والابداعات الادبية، والرجل هو ذاكرة ليبيا، وقد قدم دراسات عن شخصيات ليبية وجلا عنها غبار النسيان.. كتب عن غومة المحمودي وعن سعدون السويحلي وعن جمال الدين الميلادي وعن الشيخ البهلول و آخرين، كما كتب عن شعراء عرب أمثال ابن حمديس الصقلي، وكتب عن تاريخ الصحافة في ليبيا ووثق ذلك التاريخ.

ومارس الاستاذ المصراتي العمل الاذاعي، وأصدر صحيفة الشعب، وكانت له نشاطاته السياسية، وقد عاد الى بلاده شاباً من مصر ليلهب الجماهير بخطبه، عندما كان يرافق الزعيم الوطني بشير السعداوي.

وفي العهد الملكي، كان من النواب المعارضين في البرلمان.

المصراتي هو حقاً شخصية متعددة الجوانب وهو حقا نسيج وحده، وشاهد على عصور ليبية متعددة منذ ما قبل الاستقلال حتى الآن.

وفي ختام اللقاء، واحتفاءً بتسعينية المصراتي، يقول الدكتور “سعدون السويح”:

حفظك الله لنا رمزاً وطنياً و ثقافياً نعتز به، وستبقى طرابلس دوماً على موعد معك إذ يصعب علينا تصورها بدونك!

 

مقالات ذات علاقة

ميسون عبد الحفيظ: العمل الخزفي منجز فني قابل للتفسير والفهم

حواء القمودي

محمد المزوغي: الشاعر الليبي خذلتُهُ مؤسساته الثقافية التي لم تهتم به ولا بإبداعه

المشرف العام

الفنان سالم التميمي لفسانيا :: علاقتي بالريشة والألوان علاقة حبّ و اكتشاف وبحث دائم

المشرف العام

اترك تعليق