قصة

انْتِـقــَـــــامٌ

انتقام

يَرْحَــلُ عَـْبرَ نَـافـِـذَةِ الحُــلُمِ إِلَى عَيْنَيْهَا ، يَتَشَبَّثُ رُغْماً عَنْهُ بِمَا تَبَقَّى مِنْ ضَحِكَاتِهَا ، يَشْتَاقُ إِلَى كَــلِمَاتِهَا الـدَّافِئَةِ ، إِلَى هُـــرَائِهَا وَنَزَقِهَا الطُّفُولِي ، يَمْتَطِي صَهْوَةَ الأَلَمِ ، يَتَجَوَّلَ بِلاَ زَادٍ بَيْنَ بَقَايَا الخَوْفِ وَالْوَحْشَةِ ، كَمْ هُوَ بَارِدٌ هَذَا المَكَانُ دُونَهَا ، وَجْهُهَا مُلْتَصِقٌ بِكُلِّ شَيْءٍ ، بِالأَبْوَابِ وَالنَّــوَافِـذِ وَالفَـرَحِ وَالرَّبِيعِ ، صُورُتُهَا فِي عِيدِ مِيلاَدِهَا الثَّلاَثِينَ تُزَيِّنُ جِدَارَ غُرْفَتِهِ ، نَظْــرَتُهَا المُشْرِقَةُ تَغْتَالُ قَــلَقَهُ اللَّعِينَ ، قِــــلاَدَتُهَا الَّتِي حَفَرَتْ عَلَيْهَا حُــــرُوفَ اسْمِهِ تُجَــدِّدُ شُعُــورَهُ بِالْغَبَاءِ وَالْحَمَاقَةِ ، فُسْتَانُهَا الْبَنَفْسَجِيُّ المُطَرَّزُ بِخُيُوطٍ ذَهَبِيَّةٍ لاَمِعَةٍ يُذَكِّــرُهُ بِذَاكَ الْيَوْمِ الَّذِي احْتَفَلاَ فِيهِ بِعِيدِ زَوَاجِهِمَا لأَوَّلِ مَرَّةٍ ، حِينَ أَشْعَلَتِ الشُّمُوعَ وَأَعََدَّتِ الْحَلْوَى الَّتِي يُحِبُّهَا ، وَاسْتَطَاعَتْ رُغْمَ كُلِّ مَا فَعَلَ أَنْ تُغْـمِضَ عَيْنَيْهَا وَتَقُولَ دُونَ تَرَدُّدٍ : ” أَتَدْرِي أُحِسُّ أَنَّكَ تَسْكُنُنِي ، تَقْبَعُ فِي دَاخِــلِي ، إِنَّك أَنَا أَيُّها الْعِرْبِيدُ وَكَفَى !”، أَحَسَّ حِينَهَا بِغَرَابَةِ كَيْنُـونَتِهِ ، تِضِــاءَلَ ، احْمـَرَّ وَجْـهُهُ ، ابْتَهَـجَ ، تَاهَتْ مِنْهُ الْكَلِمـَاتُ ، أَمْسَـــكَ بِيـَدِهَا الْمُرْتَعِشَةِ، ضَمَّهَا ، أَطْفَأَ الشُّمُوعَ ، وَرَكَضَ لِيُحَطِّمَ بُؤْسَهُ وَتَرَدُّدَهُ وَعَــذَابَاتِ نَفْسِهِ ، لَعَـــنَ الظَّــــلاَمَ الَّذِي كَانَ يَعِيشُ فِيهِ، شَعَرَ أَنَّهُ يَرَاهَا ، نَعَمْ يَرَاهَا الْيَوْمَ بِوُضُوحٍ، رُغْمَ أَنَّهُ أَطْفَأَ الشُّمُــوعُ لِتَــوِّهِ ، لَنْ يَبْتَعِــدَ عَـنْهَا مَـرَّةً أُخْرَى، اكْتَشَـــفَ أَنَّــهُ دُونَهَا لاَ شَيْءَ ، وَأَدْرَكَ لِمَــاذَا اسْتَطَـاعَتْ أَنْ تَحْتَمِـلَ صَخَبـَهُ وَقَسْـوَتَهُ وَجُـنُونـَهُ كُــلَّ تِلْكَ السَّنَوَاتِ .

لَمْ يَعُدْ يُطِيقُ النَّظَرَ إِلَى هَــذِهِ الصُّـــوَرِ، وَلاَ الْبَقَاءَ أَسِيرَ هَذَا الْعَجْزِ المُدَمِّرِ، الَّذِي كَـادَ يَسْحَقُ جُـــدْرَانَ الْبَهْـجَةِ فِي قَلْبِهِ، قَــرَّرَ أَنْ يَنْتَقِمَ مِنْ هَـذِهِ الْوِحْـدَةِ الْقَاتِلَةِ، قَـامَ مُسْرِعاً، تَحَــرَّكَ الدَّمُ فِي عُرُوقِهِ، تَتَـابَعَتْ مَشَاهِدُ الذِّكْرَيَاتِ أَمَامَ نَاظِرَيْهِ، وَجَدَ أَخِيراً نُقْطَةِ انْطِــلاَقٍ يَعْبُــرُ بِهَا إِلَى حَيـْـثُ تقَبَعُ الآنَ، سَــافَـرَ دُونَ وِجْـهَةٍ بَحْثاً عَنْ شُرْيَانِ قَلْبِهِ الضَّائِعِ، تَجَوَّلَ عَبْرَ الشَّوَارِعِ وَالأَزِقَّةِ الْمُعْتِمَةِ، تَفَرَّسَ فِي تِلْكَ الْوُجـُـوهِ الشَّاحِبَةِ، حَدَّقَ فِي مَشَاهِدِ النَّشْـوَةِ وَالأَلَمِ ، حَاوَلَ أَنْ يُصِيـخَ بِسَمْعِهِ، لَعَلَّهُ يَسْمَـــعُ ضَحِكَاتِهَا، أَوْ غِنَائَهَا السَّاحِرَ، أَوْ اسْمَهُ يَتَرَدَّدُ عَبْرَ شَفَتَيْهَا كَمَا تَفْعَلُ كُلَّ يَوْمٍ، بَدَا ضَائِعاً وَسَـطَ الزُّحَـامِ، كُـلَّمَا ظَــنَّ أَنَّهُ اقْتَرَبَ مِنْهَا وَأَحَسَّ بِدِفْءِ اللِّقَاءِ، أَوْ هَـكَذَا يُخَيَّلُ إِلَيْهِ، تَحُولُ المَسَافَاتُ المَاكِرَةُ بَيْنَهُمَا، “تَبّاً لِهَذِهِ المَسَافَاتِ كَمْ أَكْـرَهُـهَا، دَائِماً تَحُـولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ أُحِـبُّ”، تَرَاجَـعَ، تَبَاطَأَ فِي الْمَسِيرِ، نَقَصَتْ هِمَّتُهُ الْعَارِمَةُ، لَكِنَّهُ اسْتَمَرَّ يَبْحَثُ عَنْهَا بِكُلِّ مَا تَبَقَّى لَدَيْهِ مِنْ أَحْلاَمٍ، تَذَكَّرَ الأَبْـوَابَ وَالنَّوَافِذَ وَالْفَرَحَ وَالرَّبِيعَ وَالشُّمُوعَ، وَكَزَتْهُ نَظْرَتُهَا الْمُشْرِقَةُ بِقُوَّةٍ فَأَوْجَعَتْهُ ، وَكَبَّلَتْهُ أَنَاهَا المُتَمَـرِّدَةُ بِشَــرَاسَةٍ فَأَحَـسَّ أَنَّهُ حُــرٌّ طَلِيقٌ، وَازْدَادَ إِصْــــرَاراً عَلَى مُــوَاصَــلَةِ السَّــيْرِ، وَأَقْـسَـمَ أَنَّهُ لـَنْ يَعُــودَ بِـدُونِـهَا!.

مقالات ذات علاقة

رسالة..

حسين بن قرين درمشاكي

إرهاصات الموت

قصة الحاج الزروق والحاجة مدللة وثورة فبراير!

المشرف العام

اترك تعليق