المقالة

الطريق إلى كابل

فـي زمـن انعـدام النظـر إلـى الحقـائق الساطعـة كمـا الشمـس بوعـي، ونضـج واتـزان.. فـي زمـن تغتــال فيـه الأحـلام البريئـة الطيبــة، وتمــوت فيـه الأمنيــات فـي قـاع القلـب قبـل أن تولــد.. فـي زمـن تستبـاح فيـه ساحاتنـا مـن جميـع الـدروب والطرقـات، وتتحجـر فيـه الدمـوع فـي المآقـي مـن الأسـى وهـول المأسـاة وعمـق المعانـات الماثلـة أمامنـا فـي فلسطيـن والعـراق والسـودان، وبقيـة أقطـار وطننـا الـذي كـان كبيـراً، وصـار اليـوم فـي ظـل دكتاتـوريات مقيتـة مقنعـة بشعـارات سـاذجـة قـزمـاً يـرثـى لحـالـه وسـط ضجيـج التغيـرات الصاخبـة بإيقـاع مجنــون فـي ظـل العـولمـة، ومشـاريـع دوليـة مثـل النظـام العالمـي الجـديـد، والشـرق الأوسـط الكبيـر، مشـاريـع صـرنا نقـف فـي حضـرتهـا مثـل البلهــاء رغـم كوننـا محـورهـا ومحـركهـا المفتـرض، فـي زمـن تحـول فيـه الإعـلام لدينــا منـذ وقـت طويـل إلـى مجـرد بـوق للسلطـة مرددا للحـاكـم علـى لسـان الرعيـة والعبــاد “أن كــل شــيء علـى مـا يـرام” فـي واقـع سئمتـه الفقـر والجهــل والتخلــف فـي زمـن كهــذا كـان لابــد لشـاشـات الفضـائيـات العـربيـة، التـي أملنـا فيهـا كــوة للتنفـس أن تـوقــف عــرض المسلسـل التلفزيـوني “الطــريـق إلـى كـابــول” كنــا فـي أمـس الحـاجـة إليـه فـي هــذه الأيــام الرديئـة..

ثمـان حلقـات فقــط كـانـت كافيــة لتثيــر قيـامـة الجماعـات الإسـلاميـة ودعـاة الأصـوليـة المعـروفيـن والمستتـريـن أيضــاً.. ثمـان حلقـات أوضحـت حجــم الكارثـة والمـأسـاة التـي نعيـش، واستحـالـة عـرض وجهـات النظــر المختلفـة فـي قضـايانا الحقيقيــة الملحــة دون حسـاسيـات مـن أي نــوع.. كنـا فـي حـاجـة إلـى مسلسـل واقعــي يستنـد إلـى تـاريــخ قـريــب.. مسلسـل يقــدم شخصيـاتـه بمنظـور إنســانـي بشفـافيـة وصــدق.. مسلســل يكســر حـاجـز محـاذيـر الفقهــاء وأحبـاب اللـه الـذيـن أبعــدوه عنــا بفتــاواهــم الغريبــة عبــر العصــور.. بحـاجـة لعمــل درامــي، يرحمنــا مـن تفـاهـات “نجــوم المحروســة” المتخميـن بالألقاب الفـارغـة المحتـوى وعبـاسهـم الأبيـض وأيـامــه الســوداء، وبقيــة قائمـة مسلسلاتهـم السـاذجـة.. وعنــدمـا جـاء هــذا المسلســل وسمــر النـاس أمـام شـاشـات التلفزيـون، أوقــف عنــد محطتـه الثـامنـة.. تلفزيــون قطــر منتــج المسلسـل الرافـع لشعـار حـريـة الـرأي عبــر قنـاتـه الجــزيـرة، لــم يستطيــع الاستمــرار إلـى أخــر الشــوط، ورضــخ لتهــديـدات قطعــة الرؤوس عبــر الإنترنت الذيــن لـم يصــدقـوا أن تعــرى حقائـق مـا حـدث لأبنـانا نحــن العــرب فــوق تــراب أرض ملعــونــة أسمهــا أفغـانستــان، ومـا فعلـه بهــم الســادة “بــن لادن والضواهـري وعــزام والمـلاء عمــر” ومــدافع آيــات اللــه فــي طـالبــان.. لــم يحتمــل هؤلاء القتلــة فضــح فصــول الجريمــة والمأسـاة التــي بـدأت فــي عقــد الثمانينــات بمبـاركـة حكامنــا الأبدييـن، حيــن غــرر بشبــاب فــي عمــر الـزهــور بدعــوى الجهــاد ضــد أحفــاد ستـاليـن الـذيـن عـاثــوا فســاداً فـي أرض الإسلام المباركــة حينهــا أفغانستان كمــا أخبـرونـا.. كنــا نرســل أولادنـا إلـى تلـك البلاد الملعـونـة بمبـاركـة الـ”C. I. A” دون أن نتـذكـر أن بيــت المقـدس والجـولان وغــزة وجنـوب لبنــان علـى بعـد مـرمـى حجـــر منــا وذهبنــا إلـى أخــر الدنيــا مجـاهـدين نبغــي الشهــادة، كانـت المؤامـرة واضحــة كمـا الشمــس لكـن أعيننـــا غيـر مدربـة علـى رؤيـة الحقـائـق السـاطعــة فـي وضــح النهــار، وكـان مـا كـان وخــرج السوفيــت مـن الأرض الخـراب وظـل أبنـاؤنـا هنــاك، انقطعـت بهـم السبــل ، وأصبحــوا محتـرفـو قتـل وزارعــي أفيــون، تركتهـم أمريكـا ورجـال استخبـاراتهـا، وإن عـادوا لأوطـانهــم كـان مصيــرهــم السجــون والمعتقلات، محنتهـم كانـت حقيقيـة ومرعبـة إلـى أبعــد حــد بعــد أن نسينـاهـم هنــاك بيـن أيـدي زعمــاء الإرهاب العـالمــي.. الإســلام والجهـاد ودولـة الإسـلام كـانت شعـاراتهـم وكـانـت مقبرتهــم أيضـاً.. وانتظـرنا تجسيـد كـل هــذا دراميـاً ، وتصـدى لذلـك تلفـزيـون قطـر ونجـوم التمثيـل فـي الأردن وســوريـا، كانـوا يرغبـون تقـديـم الـواقـع بعيـداً عـن أي إسقـاطات تاريخيـة كمـا اعتـدنا دائمــا فـي طــرح قضـايانـا الملحــة، مـن خـلال الدراما العربيــة وأتضـح أن ذلـك حلــم يستحيــل تحقيقــه .

مسلسـل (الطريـق إلـى كابـل) عمـل أملنـا مـن خـلالـه دراميــاً، معـرفـة قضيـة أفغانستان وأبنـاؤنـا المشـرديـن فـي شعـاب جبـالهـا بعيــداً عـن أكاذيـب نشـرات الأخبــار، والتسريحـات الرسميــة لحكومـات ميتــة منــذ أمدٍ بعيــد، كنـا نرغــب تلمــس الطـريـق إلـى حقيقــة ضـائعــة فــي خضــم أكاذيبنــا التـي لا تنتهــي، ولكـــن تلفزيــون قطــــر رضــخ لقطعــة الــرؤوس، وحــرمنـــا مـن ذلـك مواصـلاً تغييــب الحقائــق الســاطعــــة.. لقــد توقعنــا أن يـأتـي التهــديـد، ويحتــج الغــرب علـى المسلســل كمــا حــدث مـن قبـل مــع مسلسـلـي الشتـات، وفـارس بلا جــواد وحــدث العكــس نحــن مـن أرتعــب مــن حقيقــة مـا حــدث فــي تلـك البلاد التــي مـا كنـا نعــرف عنهــا شيئــاً إلــى وقــت قــريــب، وأصبحنــا نحفــظ جغرافيــة جبـالهـا الصخريـة عـن ظهــر قلــب.. فكــرة العمــل مرعبــة بالنسبــة للغـرب لأنهــا تجمــع شخصيـات عربيـة و إسلاميـة علـى فكــرة واحـدة، وإلصــاق الموضــوع بالطـالبــان تأكيــد إدانــة جـديـد لهــا.

يـا ملـك الثــوار أنـا أبكــي

لأن الثــورة يزنـى فيهـــــــا

والقلــب تمــــوت أمانيــــــــه

صرخـت أطلقهــا شـاعـر منكسـر الفـؤاد، أسمــه “مظفــر النــواب” ذات يــوم فـي وجـه طاغيـة لا يـوصـف بطشـه عانـى مـن ويلاتـه الكثيــر شـاعـر وشعــب وأمــة ، نتذكـرهـا اليــوم لنطلقهـا نحـن بدورنـا فـي وجــوه ملــوك الحقــد المقــدس علـى كـل مـا هــو حضــاري ، أولئــك القابعيــن كجـرذان مذعــورة هنــاك فــي جبــال تــورا بــورا .. نتذكرهــا نحــن أبنــاء الشعــوب المقهــورة التـي كفــرت بكلمــة مـن أحــرف أربــع هــي “ثــورة” كلمــة حولهــا الزعمــاء كـل علـى طريقتـه لسيــف مسلـط علـى رؤوس العبــاد والرعيــة، وجعلـونـا نتمنــى أن نعيـش مرحلـة استعمار جديــدة بعــد أن اكتشفنــا الفـرق بيـن عـدالـة الثـائـر والمستعمــر، بيـن الــذي يعـدمـك رميـاً بالرصــاص ولـو بمحاكمــة صوريـة، وبيـن مـن يقطـع رأسـك دون أن تتفـوه بكلمــة واحــدة وأنـت تبكــي مـن هــول الرعــب لا فرحــة الشهــادة.

وعـودة إلـى المسلسـل الـذي لـم تكتمــل حلقاتـه، لنرفــع القبعــات تحيــة لنجــوم الدرامـا العربيــة رغــم أنـف “مـاسبيــرو” ونجــوم المحروســة أصحـاب فضـائح مـا يسمــى بمسلسلات رمضــان المضحكـة والمتواضعـة المستـوى، لنحـيـي: عــابـد فهــد وعــارف الطـويـل، وفــرح بسيســو ومنــى واصــف ونبيـل المشينــي.. والكاتــب المتميــز جمــال أبـو حمــدان ، والمخـرج محمــد عـزيزيـة.. ونتمنــى أن تكتمــل حلقــات (الطريـق إلـى كـابـل) ذات يــوم فـإيقــاف عمـــل بهــذا الحجــم هــو جريمــة بكــل المقـاييــس وتجنـي علـى العقـل العربــي القــادر علـى فهــم أبعــاد اللعبــة القـذرة لحــرب أكثــر قـذارة تـدور رحـاهـا فـي بـلاد ملعـونـة وأرض خــراب تدعــى أفغـانستـان، حــرب يقــودهـا زعمــاء جهلــة وقــودهـا زهــرة شبـابنــا المغـرر بهــم.. وذات يــوم قـال أحــدهــم “أن الإنســان الجــاهــل وحــده لا يــدرك هــذه الحقيقـــة التــي تخصــه”.

مقالات ذات علاقة

«بالتي هي أحسن»

فاطمة غندور

مسرح ليبيا الشنابو

عبدالوهاب قرينقو

غنّوا لنا.. وغنّى لهم قراءة في بعض أعمال الفنان أحمد فكرون

زياد العيساوي

اترك تعليق