المقالة

شـعـرة الـبوعـزيـزي

 

“دزتني معلمتي على راس بصل .. طاح مني انكسر

علقتني في الشجر.. والشجر عروف عروف

مدّي يدك يا عروس.. بين النحلة والدبوس” (*)

تعليق: لا المعلمة أرسلت، ولا رأس البصل انكسر

الشعرة لا تنكسر، لكنها تُقطع أو تُقلع من بصلتها، الشعرة تطول وتستطيل، حتى تميل على أختٍ لها، الشعرتان تتلاحمان، فتولدان مع ثالثة “ضفيرة”.. الضفيرة تتضافر مع أخرى، فتغزلان جديلة، تتسامى من المسامات “جدائل” كثيرة إلى الأسفل، ملتفّة حول بعضها البعض، فتزداد لُحمتها، تبرق لزمن بزيت الزيتون، الذي تشربه وتشّرأبه، يمرُّ عليها أربعون عاماً وينوف، فتبّيض، لكنّ ظلها يظلّ و”أصلها ثابت وفرعها إلى الأرض” إذاً فللشعرة أصلان ولا فرع لها، للضفيرة أصول ولا فروع لها، وبالمثل للجدائل ما لهما، وما هو ليس لهما. إذاً بعد إذاً، فللشعرة أصل هي فيه وأصلٌ تبحث عنه، تنجذب إليه من جذرها المثبتة فيه فوقاً، إلى أصل آخر تحتاً، هو ضالتها، فما ضرّ فعل الحلاق بشعورنا، فهي تسقط، فتصل إلى حيث بُغيتها.

الخواطر هي من تنكسر، فلا ينفع معها لا جبرٌ ولا هندسة ولا حساب مثلثات، ولا حتى “السحلب”.. جبرُ الخواطر مسألةٌ صعبةٌ، وينوء حلّ عُقد ضفائرها وحفظ جداول جدائلها على المتجبرين، يوم الامتحان العسير.

في تاريخنا وثقافتنا: “الشّعرة تقصم ظهر البعير”.. الشّعرة شعرة “معاوية”.. “الشّعرة الحدُّ الفاصل بين العقل والجنون”.

الشّعرة يسهل إخراجها من العجين. الشُّعيرات الساقطة من رؤوسنا على كراسي الحلاقين، تمسح وتكنس من على سطح الأرض جمعاء، ولا مكنة لانتشالها إصبعياً فرادى، الشعرة تعلق فينا، وتتعلق بنا حتى آخر لحظة ولفظة، الشعرة آخر ما يبيد من أجسادنا تحت التراب، الشعرة هي من كانت صمام أمان انفجار “البوعزيزي” الشّعرة هي من بإذن الله، سوف تنجيه من عذاب قتل النفس، هل منكم من فكّر، بأنه ربما قد فقد عقله، وجنّ جنونه لحظتئذ، فلن يؤاخذه الله على ما فعل، وستكتب له عملية استشهادية من طراز مُبارك؟ هذا والله أعلى وأعلم ، بشعرته وشعوره ومشاعرنا.

“عجبت ممن ينتحرون ـ وهم بكامل قواهم العقلية والجسمانية ـ تحت وفي سحيق بئر السلم في مكان آخر، كيف يعطون سند الذريعة لقامعيهم، لأنْ ينعتوهم بالمُدمنين؟”.

“عُقد**”

وأنا طفلة..

كنتُ أستجدي خالقي

كي يساعدَني

علي فَكّ عُقدة ضفيرتي

ولم أكُن أعلمُ..

أنِّي سأدخل عالماً…

مليئاً..

بملايين العُقَد المضفورة.

ــــــ

* أهزوجة شعبية بنغازية، كنا نسمعها من البنات، اللواتي تربينّ من صغرهنّ على حقيقة أنّ أفضل ما لهنّ هو الزواج، فانتظرنّ حتى ابّيضت شعورهنّ وأسّودت مشاعرهنّ، وقد سمعتها مرة، من فتية في غيطة بنغازية يبتغون من وراءها رفع وتيرة الإيقاع.

** ومضة للشاعرة الليبية “سعاد يونس”.

27.01.2011

مقالات ذات علاقة

خميسة مبروكة الفضية

منصور أبوشناف

بحر الفقيه.. لا ماء فيه

نورالدين خليفة النمر

هوامش تشكيلية

ناصر سالم المقرحي

اترك تعليق