المقالة

المرأة الليبية وسؤال الغياب

 

كثيرا ما نصمت نحن معشر النساء عن قضايانا الخاصة ونخوض قضايا المجتمع الكلية، ليس اختباء ولكن لأن هذه القضايا تشكل منبت الجذور الحقيقية لمختلف الإشكاليات التي تعانيها المرأة و بالتالي يعانيها المجتمع الذي لا يستغني عنها وعن أدوارها، ولذلك يحاول أن يفرض سلطانه عليها، فهي ( أي المرأة) هو كله، هي الرحم الذي ينجب، والصدر الذي يرضع، والعقل الذي يدرب، ولذا يعد المجتمع انعكاسا لها إن سلمت سلم وان عطبت عطب.

هذه بديهيات لا يختلف عليها، ومن هنا كان خطاب الوعي وحده هو الحاضر الغائب في إشكالية المرأة العربية بشكل عام و الليبية علي وجه الخصوص لما يتمتع به واقعها المعاش من دعم ملحوظ على مستوي الخطاب السياسي على اقل تقدير، ويتطلب الوفاء بما يراد لها مواقف لا يحتمل عقلها غير المزود بالوعي الكافي الصمود لها، وهذا ليس رجما ولكنه واقع تفرضه طبيعة الانشغالات التي تقع المرأة المطحونة بهمومها الفعلية والشكلية تحتها، فلا يمكن للوعي إلا أن يكون انعكاسا للسلوك، يعبر عنه بالموقف وبالخطاب وبالإعلان، وإلا فانه وعي غائب أو وعي مفقود، ذلك لان الاكتفاء بدور المتفرج الصامت، أو الشاكي الباكي لن تكون وسيلة مجدية لاستنباط الحلول ولا تعدو كونها نداء صامت و مواجهة لذات نائمة، انتجها عقل مغيب محكوم عليه بالخوف والخضوع لكل ما هو خارج نطاق الوعي، وإلا لماذا خفت صوتها مقارنة بجيل الرائدات اللائي ناضلن ليحققن مكاسب مازلنا نسترشد بها ونأبى التنازل عنها ؟ لماذا أصبحت مواقفها غائبة حتى دفاعا عن قضاياها، فتحجيم أدوارها لمصلحة من؟ و الدفع بها إلى هوة الجهل وإبقاؤها في دائرة اللاوعي، منساقة إلي عالم الغيبيات وشيوخ الفضائيات، أليس تشويه تاريخها وطمس انجازاتها وتجاهل حقوقها واقع ملموس في حياتنا الآن؟!

هل الرجل وحده هو المسئول عن هذا ؟! أم أن المرأة تتحمل مسئولياتها في الوصول إلى هذه النتائج بصمتها، وردود أفعالها السلبية، التي تظهر في هذا التكالب المحموم على المظاهر الزائفة التي شوهت ملامح الحياة الاجتماعية وأوقعتها تحت طائلة الخسائر على كل المستويات، فالتقاعس عن المطالبة بالحقوق التي يكفلها القانون و المشرع والدين والقيم مجتمعة مسئولية المرأة دون غيرها، فلا نيابة في النضال… مقال الأستاذة عزة كامل المقهور ( المرأة الليبية إلى أين؟ في آويا السبت 26/12/2009 )، وأعيد نشره علي موقع ليبيا اليوم.

المقال رسم مفاصل المشكلة وشخصها و أثار سؤالا مهما ( أين المرأة من كل هذا؟) فالتشوهات القانونية التي تعيقها عن الحراك الايجابي وتم رصدها بدقة وحرفية في المقال المشار إليه، هو ما حاولت رصده في دراستي حول ( المشاركة السياسية للمرأة الليبية) والمفارقة المهمة التي اكتشفناها، تعلقت بارتباط مشاركة المرأة الليبية في الحياة العامة في بداياتها بعمل الرائدات الدائب و اللاتى تنادَيْنَ لخدمة المجتمع بدون دعم سياسي أو مؤسسي، ورغم أهمية ما تولته هذه النخبة من أدوار كانت مهمة للمجتمع الخارج لتوه من أتون الحرب والفقر والجهل والتخلف، إلا أنه لم يؤسس لحركة نسائية منظمة، ولم يضع أية قواعد لاستدامة وتفعيل هذا الموقف النضالي السياسي والمجتمعي، بالرغم من أن اكتشاف النفط وتطور الحياة السياسية والاقتصادية، وما نتج عنها من تحسن الأوضاع الحياتية، والخدمات التي تقدم للمجتمع وخاصة إلزامية التعليم للذكور والإناث، أدى إلى نتائج مهمة ساهمت في تطوير أوضاع المرأة، ودعم مشاركتها التي ظلت في حدود ضيقة، وشكلت زيادة دخل الأسرة الهدف الأساسي لخروج المرأة للعمل ومازال يشكل مطلبا أساسيا حتى الآن، و ظل العمل العام، مجالاً غير آمنٍ ومحفوفاً بالمخاطر ولا مكاسب له وفقا لنظرة قاصرة غذتها قيم مظهرية لم تغذ الوعي الجماعي وأهمية مشاركة المرأة الاجتماعية بشكل كاف، بالرغم من أن الدولة الليبية والخطاب السياسي حرص علي دعم مشاركة المرأة و على الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية الساعية لدعم حقوق الإنسان، ومنها الاتفاقيات الخاصة بالمرأة واحترام كينونتها الإنسانية ونبذ تمييزها، ووقف العنف الذي يمارس ضدها، و تمكينها من النفاذ إلى ممارسة السلطة واتخاذ القرار وممارسة العمل العام، وفي سبيل ذلك قامت الدولة بالتصديق على الاتفاقيات الدولية المعنية وسعت للتعاون عبر قنوات المجتمع الدولي لتأكيد التزامها بالعمل وفقاً لها، وبما لا يتعارض مع العقيدة الإسلامية والقيم الاجتماعية والتشريعات المحلية النافذة، ولكن كل ذلك في مجمله قابع في الإدراج لا يفعل قانونيا ولا بالممارسة ومازال في اغلبه حبرا على ورق يتلي في المحافل ويرصد في تقارير الوفود. فالإجابة عن سؤال المرأة ، إلى أين؟ مرتبط بإجراء العديد من الإصلاحات في شتى مجالات الحياة التي تعيشها المرأة ، ويبدأ بتحسين الواقع بشكل عام، بإبعاد شبح الفقر والجهل والمرض كليا وتوفير أمنها الإنساني، عبر برنامج وطني تخصص له موازنات ضخمة وينجز بشكل سريع، وهذه مسئولية الدولة الحارسة القادرة على تأمين حاجات مواطنيها، وتوفير حقوقهم عليها، ثم النظر إلى المرأة كمواطن كامل الأهلية و الدفع بها للعمل في مجال آمن وتشجيعها على خوض غمار العمل العام بثقة ودراية ومعرفة وتأكيد أهمية مشاركتها في تنمية وطنية مستدامة وشاملة، و فتح المجال أمام الدراسات والحوارات الفكرية التي تدعم تمكين المرأة وضرورة مشاركتها في الحياة العامة، وذلك بالتعمق في الاختلافات المنهجية حول العلاقة بين حقوقها والثقافة الإسلامية، ومدى القبول بتغيير الأفكار والقيم نتيجة تغيرالاحتياجات والمطالب الإنسانية، مع طرح منظومة من المفاهيم تنبع من واقع المرأة الليبية، والقيم العربية، و خصوصية الهوية الثقافية والدين الإسلامي، و في ضوء ما هو مطروح من أهداف تنموية حول تمكين المرأة وتحقيق المساواة، وتضييق الفجوة النوعية وصولاً إلى تأمين العمل العام والمشاركة الفاعلة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والقبول بالمرأة طرفاً أساسياً فيه، كما يتطلب الأمر توظيف قنوات التنشئة السياسية، وخاصة التعليم الرسمي ووسائل الإعلام المختلفة لغرس قيم وتوجهات داعية إلى تمكين المرأة ودعم مشاركتها الإنسانية والتعريف بالتشريعات والقوانين الداعمة لها، في مواجهة النظرة التقليدية التي تتحدي تغيير واقع المرأة وتحد من مشاركتها، واعتبار المرأة المعنىِّ الأساسي بتفعيل وخلق منظومة معرفية اجتماعية وسياسية وسلوكية تؤكد مشاركتها، وهو جهد يستلزم وقفة جادة من المثقفين ومتخذي القرار والمهتمين ولكنه كرة في ملعب المرأة ، وحدها المعنية به، فأما تفعيلة وجعله برنامجا وطنيا للمستقبل، أو الانزواء خلف أوهامها، مكتفية بدور المتفرج والتحسر أمام سؤال غيابها.

07.01.2010

مقالات ذات علاقة

بولمن البوسطا

ناجي الحربي

عمر أبو القاسم الككلي

بشير زعبية

الغزاة لا يأتون بالضرورة من خلف الحدود

سالم العوكلي

اترك تعليق