بلاد عصية على الفهم
كان متوقعا أن لا يحدث الذي جرى
أن نمرق من ثقب يومنا إلى القرن الأول للميلاد
نتخبط على طريق العودة بخطوات معوجة
نمشي على أيدينا
نرسم حلما ببهجة الألوان الوهمية سرابا
ما أن نصله حتى نغرق في وحله
لكننا بحيلة الشيطان نملأ صدورنا بهواء فاسد ونطفوا
نواصل المسير ونجتاز السراب كأن هناك من يدفعنا بقوة
ونحن غالبا كنا نتوقع أن لا يداهمنا القدر
كأن يتخطانا ليصيب غيرنا وهذا يحدث أحيانا
كنا نتوقع أن لا يحدث الذي جرى
أن لا تنتحر أحلامنا في المهد وتضيق صدورنا علينا
ولا يصدق قول العرافة وما رأته في الفنجان
أن خريفا سيحصدنا وتنقر رؤوسنا طيور سود
فثمة مهمة مدفوعة الأجر يتم تنفيذها على مهل
حسب مقتضيات قدر محتوم هذه المرة لم يتجاوزنا إلى غيرنا
فكان أن كثرت خيام المآتم في الشوارع
وضج الفراغ ببكاء الأطفال وعويل النساء
يومها تعجبنا لكلام العرافة ونكرنا عليها ما رأت
فقد هالنا ما أفصحت عنه وما سيصيبنا من هول
لكننا لم نسأل لماذا تأخر بلال عن الآذان
فلم نسمع صوته عند الفجر
لم نسمع نباح كلاب قافلة أبو سفيان
وحدها أصوات الغربان فوق الأبراج
وعواء الذئاب في هذه البلاد تعلو مع صفير الريح الخريفية
ورغم تساقط أوراق الأشجار والمحن فوق رؤوسنا
فسوة السلطان عارية كمؤخرات القرود .
وطن عصي على الفهم قال الطفل لنا
كدنا أن نضحك شماتة فينا ونحن دائما ما نفعل هذا
ونلح في نقاش القضايا المهملة
فقد تأملنا جيدا مقولة الصغير
الظاهر في الصورة برأسه عند حافة السؤال
لماذا ؟
أجابت المرأة وهي تمسح دمعة بيد مرتعشة
هكذا.
وطن عصي على الفهم
كيف نفك طلاسمه البليدة وقد اعتدنا مطالعة سِفره
وغدا الموت لعبته الوحيدة
من سفحه إلى قاع جحيمه يدحرجنا وهو بالجنة يمنينا.
للمدى سر الروح يفهمه ويضمه في خرافة مسلية
لكننا لا نصله وعلى الإدارك به يستعصى
مرة يجهز لنا جنازة فارهة تنعكس على أسطح المرايا
ونحن جثامين مسجاة أمامه يقرأ علينا ما تيسر من قاموس السُبابِ والشتيمة
ومرات من شدة نهمه يلتهم لحمنا مشويا ومقليا ونيا أحيانا
ثم يتقيانا ويعيد طحننا بأسنانه ويملأ بنا فراغ جوفه.
عصية على الفهم هذه البلاد وهي الوطن لنا
نتوقع أشياء وتأتي بأخرى
وكل ما مجرى فيها لنا لم نخمن حدوثه
أن نرقص فرحا ونحن في المجزرة
بقيادة الصالح رعاه الله الي سود كل بياض لدينا
وما زلنا نبتكر شخصية له في منامنا
فنحن وحدنا من يتقن صناعة الأصنام
ووحدنا من يحب البكاء على الأطلال
لهذا كان متوقعا أن لا يحدث الذي جرى
بلاد عصية على الفهم
ونحن لم نعد نجيد ضرب الأخماس في الأسداس .