حروف اللغة العربية
استطلاعات

الأخطاء مسؤولية الكاتب أم الناشر

بين سلامة المنجز الأدبي واحتمالية وجود أخطاء ناتجة عن الطباعة أو عن عدم التدقيق الإملائي والتصويب اللغوي يقف الكتاب في انتظار من ينقحه أولا ثم يجيزه للطباعة النشر والتوزيع ليصل إلى قارئه المنتظر سليما، فمن المسؤول عن وجود الأخطاء بمختلف تفاوت درجاتها يا ترى وكيف تتدارك دور النشر تلكم الأخطاء، هذه الأسئلة وغيرها توجهنا بها لعدد من المعنيين بشأن الإصدارات الأدبية وتنافشنا معهم حول مواطن الخلل وأسلوب العلاج الأمثل، ورصدنا لقرائنا التالي:

استطلاع/ منى بن هيبة

حروف اللغة العربية
حروف اللغة العربية

كيف يسمح الناشر بخروج كتاب يحمل اسمه داره مشوها

الروائي والقاص الفلسطيني رياض الحلايقة.
الروائي والقاص الفلسطيني رياض الحلايقة.

يرى الكاتب الروائي الفلسطيني رياض حلايقة أن:”المنجز أدبي أو اكاديمي هو نتاج صاحبه وعليه أن يهتم بكل صغيرة وكبيرة به تماما كالطفل الذي يجب عليك تربيته، كما أن على الناشر بعض المسئولية فكيف يسمح لمنجز يحمل اسمه واسم دار نشره أن يخرج للناس مشوها، أعتقد أن أغلب دور النشر لديها مدققين – لكن الكاتب كيف يسمح لكتابه أن يذهب للطباعة وهو يحتوي على أخطاء- أليس هذا مسيء له أولا، انا لا أعفي دار النشر من المسئولية هنا، لكن علي أن اتأكد أن مولودي الجديد بصحة وسلامة، في روايتي الأولى اعتمدت على دار النشر وتبين أن هناك القليل من الأخطاء، وبعد ذلك حرصت على إرسال النص لمدقق لغوي قبل إرسال أي مادة لدار النشر، فالقاريء عندما يجد أخطاء يحمل الكاتب المسؤولية خاصة القاريء العادي، وفي حالة اكتشاف أخطاء بعد النشر نتدارك الأمر في الطبعة الثانية، ولا اعتقد أن الناشر مستعد لسحبه، ففي السابق كان هناك اهتمام رغم صعوبة الطباعة والكتابة أما اليوم فقد أصبح الاهتمام بالمال فقط نعم، فمعظم دور  اليوم شعارها ادفع نطبع ولا يهتموا حتى لموضوع الكتاب”.

جهوزية المفردة العربية سبب أخطاء الكتابة

يعلل الكاتب الصحفي العراقي علي صحن عبد العزيز المشكلة بعدم ولادة المفردة العربية بالتجربة اللغوية حيث يؤكد:” لم تعد اللغة العربية في مأمن على سلامة بناء حروفها، من حيث وجود  لغة ركيكة المستوى في التعامل مع الصحافة أو على مواقع التواصل الاجتماعي ،والمشكلة الحقيقية تكمن في قلة الاهتمام بالقراءة وإتباع قواعد الإملاء، ولذا فإن الأخطاء الإملائية التي يقع فيها بعض الكتاب والإعلاميين جاءت بسبب جهوزية المفردة العربية، وهذا يعزى لولادتها عن غير تجربة لغوية صرفة، ومن حيث المبدأ فإننا يمكن معالجة الموضوع من خلال الرجوع إلى لغة القرآن الكريم وبطون الكتب والمجلات اللغوية القديمة والمعاصرة منها، وكذلك هنالك ملاحظة أود التطرق إليها بخصوص ما ينشره بعض الكتاب في نتاجاتهم الأدبية، فهؤلاء يستعجلون على نشر الموضوع دون مراعاة أحكام اللغة العربية من حيث المبتدأ والخبر والصفة والموصوف، بالإضافة إلى عدم متابعتهم لحرف الجر وما يتبعها من الأسماء، وأشدد على أننا بحاجة ماسة للنهوض بمتطلبات اللغة العربية إذا أردنا إعادة أمجادها الخالدة من جديد”.

من كوارث الكتابة أن الجميع الآن يكتبون

أما الناقد العراقي خالد خضير الصالحي فكانت رؤيته أكثر عمقا حيث رأى أن:” الجميع مسؤول عنها وأهمهم الكاتب الذي ليس مطلوبا منه تصحيح الأخطاء إنما استكمال شروط الكاتب قبل البدء بالكتابة، إن واحدة من أكبى كوارث الكتابة الآن أن الجميع يكتبون والقليل منهم يؤمن بأن الكتابة تحتاج مؤهلات أقلها النحو والإملاء في حدود الدنيا، والمعرفة الواسعة بالموضوعات التي نكتب فيها والتوسع في عملها، فهل من الممكن أن يكتب أحدنا في الكيمياء وهو لا يعرف عنها شيئا؟”.

المسؤولية مشتركة والأخطاء تؤثر على جودة النص

يرى الشاعر والمدقق اللغوي الفلسطيني جواد العقاد أن:” المسؤولية مشتركة، الكاتب يجب أن يحرص جيدًا على اخراج عمل أدبي متكامل، فالأخطاء تؤثر على جودة النص، وكذلك يجب على الناشر أن يولي النص اهتماما كبيرا لأن العيب فيه يسيء له كما الكاتب، واكتشاف الخطأ في حالة نشر النص ورقيا صعب التدارك فقد سبق السيف العدل، فالمدقق إنسان يخطئ ويصيب، لكن الخطأ يختلف ويتدرج كما أنه صعب على المدقق إعادة القراءة أكثر من مرة خاصة إن كان عملا طويلا لكن الأخطاء نادرا ما تقع”.

الخطأ في المنجز الأدبي كعاهة تلحق بمولود غض

القاص والروائي الدكتور الصديق بودوارة
القاص والروائي الدكتور الصديق بودوارة

فيما يرى الكاتب الليبي الصديق بودوارة أن: “من يتحمل مسؤولية الأخطاء في المنجز الأدبي الكاتب أم الناشر، في الواقع هذا سؤال مربك، فالخطأ في المنجز الأدبي هو بمثابة عاهة بشعة تلحق بمولود غض فتحرم أهله الفرحة بقدومه، وتحرمه شخصياً فرصة التمتع بحياة سوية متكاملة، من هنا يأتي السؤال، وهو سؤال محمل بعتاب ولوم وريبة وشك، من يتحمل مسؤولية هذه العاهة .؟المسؤولية مشتركة، كما هو الإنجاز مشترك فالكاتب عليه مسؤولية التدقيق في كتابه قبل أن يبعث به إلى الناشر، وعليه أيضاً أن يشارك في الراي حول الغلاف وكافة التفاصيل الدقيقة الأخرى، فهو الأب الشرعي ـ وله النسب دون غيره أما الناشر فعليه أن ينسى أنه تاجر ساعة النشر، يجوز له أن يتذكر تجارته قبلها، أو ربما بعدها، ولكن أثناها لا يجب أن ينسى إلا كونه مشاركاً في عملية خلق وكينونة إبداع، طبعاً هذا من الجانب النظري، ولكن عملياً ، هناك الكثير من المعوقات التي تمنع الكاتب من الاضطلاع بمسؤليته، وتجبر الناشر على أن ينكر أنه تاجراً قبل كل شيء، نحن لسنا في عالم مثالي، هناك المال، هناك الضائقة الاقتصادية، هناك النفوس الضعيفة، هناك التسرع، هناك ألف سبب وسبب يمنع الصورة من الاكتمال”.

ليس كل كاتب أو أديب مختص في اللغة العربية

الكاتبة الأردنية هيفاء المجدلاوي
الكاتبة الأردنية هيفاء المجدلاوي

كما شاركتنا الحديث الكاتبة الأردنية هيفاء مجدلاوي وأوضحت:” المسؤولية مشتركة ما بين الكاتب ودار النشر، وباختصار يقول الرسول الكريم ( كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته) وإن الله يحب إذا قدم عبد عمل أن يتقنه بدء من الكاتب الذي تقع المسؤولية الكبرى عليه، فيجب ألا يتسرع بالنشر وينبغي له أن يدقق ويفحص ويمحص ويسأل أهل العلم واللغة عن الأصح ولا يعيبنه ذلك أبدا حتى لو تأخر في طباعة كتابه، كما عليه أن يحرص على اختيار دار نشر حقيقية لا تجارية بمعنى من تهتم بالمادة المعطاة لها لنشرها على الوجه الأمثل بامتلاكها فريق مراجعة لغوية، إضافة إلى أن الكاتب ينبغي له أن يدرك أهمية كتابه فيعتني به وبما يقدمه فلا يمكن أن تطلب من الآخرين العناية بما تقدمه  وأنت أول من أهمل ما كتبت ولم تعطه حقه من الاهتمام وتصحيح الأخطاء، دار النشر لها نصيب من المسؤولية أن لا تضع نصب عينيها فقط على الربح المادي وتغرر بالكاتب فلتتأخر بالطباعة ولكن وجب أن تقدم مادة سليمة، فلنسلم أن ليس كل كاتب أو أديب يمتلك الإبداع هو بالضرورة مختص في جانب اللغة العربية ومتبحر في علومها فأحيانا يكون ثرائه اللغوي مستمد من مخزون قراءاته المتعددة وموهبته بالفطرة وبالتالي فإن عليه أن يطور نفسه”.

الكاتب الذي لا يعترف بأخطائه كارثة يجب مقاومتها

أما الناقدة التونسية منجية بن صالح كمال فتقسم أنواع الكتاب إلى:” هناك نوعان من الكتاب من يبحث عن الشهرة لا يهتم باللغة بل يركز على المحتوى وما يعجب القارئ حتى يروج عمل ويتربح منه ويكون له إسم وهناك نوع آخر يحمل هم الكتابة وهم الأمة هذا يهتم باللغة وأيضا بالمحتوى وهناك مواضيع راقية يطرحها الكاتب ولا يهتم بها القارئ لأنه يبحث عن الرائج مثل الموضة في اللباس، أما النوع الذي لا يعترف بأخطائه ولا يقبل أن تصوب له فهذا النوع يعد كارثة يجب مقاومتها”.

الكاتب يتحمل مسؤولية الأخطاء الإملائية أما الناشر فالمطبعية

الشاعر فوزي الشلوي شاركنا بوجهة نظره حول هذا الموضوع وفيها قال قال:” إذا اتفقنا أنَّ المنجز الأدبي يستحق النشر فلابد أن نحمل الكاتب أولاً مسؤولية الأخطاء اﻹملائية أولاً ،فاستحقاق النشر للكاتب يتطلب منه أن يكون على قدر المسؤولية في تحسين لغته أما الناشر فأنني أحمله وزر الأخطاء المطبعية فقط، فعليه مراجعة الطباعة قبل النشر،ويبقى القول أن مأساة دور النشر الآن أنها باتت تبحث عن الربح فقط ولذلك فهي تطبع وتنشر لكل من هب ودب وجعلت من أجل ذلك مراجعيين لغويين يتدخلون أحيانا حتى في فكرة النص، لكني هنا لا أستطيع أن أعفي الكاتب من أي خطأ نحوي أو إملائي فهو يملك الوقت لمراجعة كل شيء” .

اختلاف مستويات أعضاء لجنة التصويب اللغوي تجعل النص مليء بالأخطاء

الكاتبة الكردية آشتي كمال.
الكاتبة الكردية آشتي كمال.

ترى  الكاتبة الكوردستانية آشتي كمال أن:” أحيانا فريق المراجعة اللغوية الذي تعتمد عليه دار النشر يكون هو المشكلة في حد ذاتها ذلك أن بعضها تتخذ من غير المختصين في جانب اللغة العربية مراجعين لإصداراتها ومنهم الصيادلة المتذوقون للأدب مثلا، كما أن اختلاف مستويات أعضاء لجنة التصويب اللغوي والإملائي في الفريق الواحد قد تجعل النص مليء بالأخطاء وهذا في حد ذاته يعتبر كارثة تلك الدور وللأسف أغلبها تهمل هذا الأمر”.

بعض دور النشر تأسست على عدم المراجعة أو التنسيق

ونختم مع الكاتبة الليبية سهام احميد التي لم تختلف نظرتها عمن سبقها حيث قالت:” قد لا يكون الكاتب من المتخصصين في اللغة العربية، فتوفر موهبة الكتابة لا يعني بالضرورة سلامة اللغة أو إلمام الكاتب بأسس وقواعد الكتابة، لذا قد نجد بعض الأخطاء، والمسؤولية قد تقع على الكاتب، كما أسلفت، فبعض دور النشر لديها عقد ينص على النشر والتوزيع دون المراجعة والتنسيق وأيضا نجد أن هناك عقدا آخر ينص على المراجعة والتدقيق اللغوي قبل النشر، وهنا حتى وإن كانت هناك أخطاء سيتم تصحيحها قبل النشر، وفي بعض المخطوطات نجد ملاحظة للفت الانتباه إلى أنه قد تم تصويب بعض الأخطاء التي وردت في الطبعة الأولى، وغالبا من يسعى إلى التصويب هو الطرف الذي يهتم بسمعته ومسيرته المهنية، قد يكون الكاتب وقد تكون دار النشر أو كلاهما معا”.

مقالات ذات علاقة

طيوب يستطلع: القصيدة العربية في زمن الحداثة والذكاء الاصطناعي!! 2/2

رامز رمضان النويصري

ناشرون ليبيون: تزوير الكتب تحول من مشكلة إلى ظاهرة مرعبة

المشرف العام

كاتبات عربيات: نرفض التجني على نصوصنا الأنثوية

خلود الفلاح

اترك تعليق