الروائية الجزائرية أمل بوشارب (الصورة: صحيفة العرب).
طيوب عربية

الكتاب الجدد محظوظون في التواصل مع القارئ

صحيفة العرب

الروائية الجزائرية أمل بوشارب تعتبر أن مشروعها الأدبي يقوم على زعزعة الصور النمطية وكسر الأشكال التقليدية.

الروائية الجزائرية أمل بوشارب (الصورة: صحيفة العرب).
الروائية الجزائرية أمل بوشارب (الصورة: صحيفة العرب).

إن عوالم الصحراء ليست مجدبة كما تبدو. الصحراء أرض حكايات ثرية، حكايات متناسلة وغريبة تقحم سامعيها وقراءها في عوالم لا فكاك منها. ويمكننا هنا أن نعود إلى عوالم الروائي الليبي إبراهيم الكوني لتبين ذلك، ولكن نادرا ما نسمع بامرأة اقتحمت كتاباتها عالم الصحراء السحري. الروائية الجزائرية أمل بوشارب اقتحمت عوالم الصحراء بسردها وكانت مغامرتها فريدة من نوعها. وكان لـ”العرب” هذا الحوار مع الروائية حول عالم الصحراء وبعض القضايا الأدبية الاخرى.

أمل بوشارب روائية من الجزائر (1984)، بدأت مشوارها بكتابة القصة فصدر لها “عليها ثلاثة عشر”، ثم اتجهت إلى عالم الرواية الذي وجدت فيه بحسب قولها عالما صغيرا يختزن عالمنا الأكبر ويحاول مصالحتنا عليه بكل مفارقاته وتناقضاته.

ككاتبة شابة نسأل بوشارب بماذا تحلم؟ لتجيبنا “أعتقد أنني أشبه فكرة السعي أكثر من فكرة الحلم وأجد نفسي فيها. وإن كنت أعمل باستمرار على شيء فهو تحقيق التوازن بين عوالمي الداخلية والعالم الخارجي، ولا أعتقد أن هذا مسعى مرتبط بأي سن”.

تنطلق الروائية أمل بوشارب في مشروعها الروائي، من الروايات ذات الخيال العلمي والبوليسي، وتلفت الكاتبة إلى أنها أنماط سردية غير مستهلكة في الأدب العربي، ومن شأنها أن تخدم مشروعها الرامي لزعزعة الصور الراكدة، وكسر الأشكال النمطية لما يفترض أنه تصور واحد لما ينبغي أن يكون عليه الأدب.

 وتضيف “التحدي ليس سهلا لأن هذه الأنواع الروائية بالتحديد قد تزج الكاتب في خانة نمطية أخرى، إلا أن الانفتاح النقدي الذي قوبلت به أعمالي والاهتمام الأكاديمي الذي حظيت به وضعا التجربة في إطارها الصحيح”.

خلق توازن

اعتمدت بوشارب في رواية “سَكرات نجمة” على رموز ودلالات تاريخية وعلى صبغ أحداثها بشيء من الغموض، خاصة وهي تفكك جريمة قتل وتتطرق إلى قضايا الفن. وهذا ما قد يضع الرواية في خانة “النخبوية” إذ تحتاج إلى قارئ من نوع خاص.

 تقول الكاتبة “صحيح أن الشخصية المركزية للرواية هي لفنان نخبوي تماما يعيش في عوالمه الخاصة وترتبط كل اهتماماته بموضوعات تنطوي على الكثير من التجريد كالفن والأدب والإلهام الصوفي، لكن قولبة العمل داخل قصة بوليسية كانت محاولة مني لخلق توازن بين عوالم الاغتراب المتعالية لإلياس البطل، التي من شأنها أن تبعد القارئ، وقدرة الأحداث المتسارعة على جذبه من جديد. وهكذا حاولت المصالحة بين العمق النخبوي والروح الشعبية للأدب”.

في رواية “ثابت الظلمة” كانت الصحراء الجزائرية أي المكان هي البطل الحقيقي للرواية. وهنا توضح بوشارب “وبالتحديد جوفها الخفي، وما ينطوي عليه من بعد مراوغ لفكرة الغياب والامتلاء. الصحراء تشبهنا في لحظات الارتباك التي قد تضعنا أمام عري وجودي أو تفجر في أذهاننا عوالم فكرية خصبة. الأمر يتوقف على مقاربتنا لمنظور الظلمة: فهل السواد هو غياب كامل للضوء أم أنه اختصار للألوان كلها؟”.

وهنا نسألها، هل ما يحدث في تلك الصحراء الجزائرية يمكننا أن نضعه بمثابة رمز لما يحدث في عالمنا العربي؟ فكان ردها “بل وما يحصل في العالم أجمع، وما يحدث في ذواتنا جميعا كل على حدة. الرواية هي محاولة للغوص في عتمتنا الجوانية والقبض على أشباحنا الداخلية على غرار ‘قل السوف‘ في المخيلة الطارقية. أن نواجه سوادنا في هذا الكون السابح في شيء اسمه المادة المظلمة قد لا يحتاج منا الكثير من الرمزيات لتمثُّله، بقدر ما يحتاج منا شيئا من الجرأة لتصديقه ليس إلا”.

وتتابع بوشارب “الرواية اليوم تأثرت بمفهوم الحداثة وما بعد الحداثة. من الطبيعي جدا أن تساير الأعمال الفنية بصفة عامة التيارات الفلسفية والفكرية السائدة في زمنها لأن ذلك هو ما يشكل وعي الروائي في النهاية ويصقل أدواته، وإلا كيف يمكن له أن يعكس انشغالات عصره ويتمثل أزماته”.

منصة إلكترونية

ترفض بوشارب القول إن كتابها “الرائحة” والذي كتبته بالإيطالية هو البداية للتخلي عن الكتابة باللغة العربية، وتضيف “من غير المناسب وضع الأمور على هذا النحو الضدي. ‘الرائحة‘ هي بالأساس قصة كتبتها بالعربية منذ عشر سنوات وقد طلبت مني دار بوينديا بوكس إعادة تكييفها للقارئ الإيطالي من حيث أنني بالأساس مترجمة. المسألة لم تتطلب مني قرار التخلي عن أي لغة، فأنا أتحرك بالأساس بين أنساق لغوية مختلفة ضمن النص المكتوب بلغة واحدة. كما أنه وفي الوقت الذي كنت أعمل فيه على ‘الرائحة‘ بالإيطالية كنت أحرر ‘ثابت الظلمة‘ مع دار نشر أخرى في الجزائر. أن نعيش بين لغتين بل وبين لغات عدة ليس بالأمر المستحيل، فالعلاقة بين الثقافات ليست بالضرورة علاقة استعمارية تستدعي إلغاء كل منها الآخر”.

وعن مدى تفكيرها في القارئ على المنصات الإلكترونية تقول الروائية الجزائرية “القارئ لطالما كان ذا مواقف واضحة وصريحة مما يقرأ، والمنصات الإلكترونية اليوم لم تقم سوى بوضع آرائه في دائرة الضوء، بعدما كان الكاتب لوقت غير بعيد فقط هو سيد المعادلة. أتابع بالتأكيد، وأهتم بجميع الرسائل التي تصلني من القراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأعتبر أننا محظوظون كجيل كتّاب يعيش هذه الطفرة التواصلية مع القارئ”.

ترى أمل بوشارب أنه لا يمكن البت بشكل قاطع في مسألة زمن الرواية إذ يختلف تذوق أصناف أدبية بعينها من ثقافة لأخرى، كما لا يمكن وضع الشعر والرواية في حالة مقارنة بسبب اختلاف مقاييس تقييم أدائهما “الجماهيري”. فإذا أخذنا مقياس المقروئية نجد أن خرائط دور النشر في العالم العربي تميل حاليا دون شك نحو الرواية، لكن في المقابل الشعر يسجل دوما حضورا أقوى في المهرجانات الثقافية (في الجزائر على الأقل) وهو أمر طبيعي لأن مذاق الشعر يكتمل بالإلقاء، بينما الرواية يفترض أنها عمل يُقرأ بحميمية على انفراد. وعموما أرى أنه من غير المجدي محاولة وضع الروائيين والشعراء دوما في حالة استقطاب لأن لكل منهما في الحقيقة ملعبه الخاص.

مقالات ذات علاقة

مركزية الوعي الوجودي في البناء الاجتماعي

إبراهيم أبوعواد (الأردن)

أقانيم الزمن المبعد..

حسين عبروس (الجزائر)

أمة الطبخ

عبدالناصر عليوي العبيدي (سوريا)

اترك تعليق