من أعمال التشكيلية الليبية مريم العباني.
قصة

“برنيه” تدخل “المبروكة” …

من أعمال التشكيلية الليبية مريم العباني.
من أعمال التشكيلية الليبية مريم العباني.

ضحى أمس كانت العجائز مجتمعات في بيت الجارة “سدينه” يتحدثن عن شؤون حياتهن المعتادة.  كعادتهن كل مرة يجتمعن في بيت إحدى الجارات حتى يزرن جميع بيوت القرية. ذلك الضحى كان دور “سدينه” في الزيارة.

يعتبر هذا التجمع بمثابة احتفال أو عرس نسوي يعرضن خلاله فنونهن في كل شيء من تحضير المأكولات و المشروبات الشعبية و بعض الزينة و غيرها من الأشياء المختلفة.

كن جالسات في فناء البيت يتكلمن عن اختيار عرافة جديدة، فهن كبرن في العمر و لابد أن يتخيرن واحدة صغيرة السن يعلمنها أصول العمل و تكون جديرة بمنصب عرافة القرية. حينما خرجت عليهن “برنيه” ابنة “سدينه” تحمل بين يديها “القفة”. تغامزن و هن ينظرن إلى أمها و الابتسامات توزع. انطلقت زغرودة من فم الأم مما جعل الصبية العذراء تسأل عن سببها.

*

“برنيه” هي الابنة الوحيدة لأمها. صبية في الثانية عشر من عمرها.الناظر إليها تسكن قلبه كأنها أخت القمر في ضياء وجهها و عود الورد في رشاقتها و رونق ابتسامتها.  كانت حاذقة مرحبة بالضيف محبوبة من قبله. لم يسبق لها الزواج رغم أن الكثيرين ممن رآوها طمحوا بها لكن أمها كانت تطمع في مرتبة أعلى من الزواج حتى تم لها ماتمنت ضحى أمس عندما أخبرهن بأن من وقع عليها الاختيار لتكون عرافة المستقبل هي ابنتها. إنه لشرف عظيم ستحظى به “سدينه” تلك المرأة الغريبة بعد وفاة زوجها و افتقارها لولد يساندها عدا حالة الفقر التي تعيشها. شرف تتفاخر به باقي عمرها.

*

توجهت النسوة الكبيرات من الصباح الباكر إلى البراري يجمعن الأعشاب البرية و “القنقيط”. فاليوم هو بدء مراسم تجهيز “العرافة العروس”… احضرن اللازم من العشبة المخدرة “القنقيط” و اعددن وجبة “الكسكسي” و رشوا فوقه الأعشاب.

اغتسلت “برنيه” بالماء البارد مطهرة بدنها من الأدران ثم ألبسوها ثوبا جديدا و زينوها بزينة عروس ليلة عرسها. روائح البخور تعطر البيت. كانت العذراء جاهزة لتحجب في عزلتها. ادخلوها إلى غرفتها الخاصة.

“برنيه دخلت المبروكة” …زغردن و باركن دخولها….

كانت الغرفة قد جهزت مسبقا لتليق بالعروس.  البخور يفوح في أركانها. “السدة” مؤثتة بشكل بديع.الظلمة هي المستبدة فيها .

في “المبروكة” بدأت خلوة الصغيرة …لا أحد معها و لا يقتحم أحد خلوتها. الباب موصد و “القنقيط” رفيقها.  هو الغذاء الوحيد الذي يعلمها معرفة المجهول و سبر خفايا المستقبل.

بدأت العرافة الشابة في تشرب أسرار العزلة و تجسيدها واقعا متمثلة في غناء طارب و ضحك صاخب و عبارات ملغمة بالغموض تصل لأسماع المترقبات في شوق ثمرة نجاح اختيارهن و صبرهن الطويل .

*

بعد أيام خرجت “برنيه” من حجبها لتمارس مهمتها كــعرافة تمنح سائليها أجوبة مقتضبة عن حياتهم الخفية المؤرقة و المقلقة و المقضة لمضجعهم مقابل هبة تخصهم يعطونها لها و ضغطة قوية على اليد لتبوح بالسر …”

25 أكتوبر 2018

مقالات ذات علاقة

ريحانة الجبيلة

محمد دربي

الجهة القديمة للريح

المشرف العام

شعيب الكالشو 

إبراهيم بيوض

اترك تعليق