اللغة العربية.
المقالة

هرطقات ليبي معزول (7): قراءة في حاضر اللغة العربية في ليبيا

اللغة العربية.
اللغة العربية.
الصورة: الشبكة.

 

اللغة هي وسيلة التعبير التي تميز الأقوام والأمم، وتحوي بأمانة منظومة القيم الدينية والثقافية لها، وهي هوية أي أمة، وأداة أي شعب للتعبير عن كيانه ووجوده العضوي والوجداني، واللغة هي وسيلة التخاطب بين الناس، وأداة التعريف الأساسية بينهم، فأنت عربي أولاً بلغتك، ثم تتقدم أدوات التمييز الأخرى التي قد تبعدك أو تقربك من ذاتك العربية وبقدر استخدامك لمحتوى القيم المتضمنة لهذه اللغة يكون التصاقك أو بعدك عن منظومة تلك القيم العامة المؤسسة للمجتمع.

والشعب العربي الليبي كان قد أدرك هذه الحقيقة، فبادر أولاً بالدفاع عن اللغة العربية (لغة القرآن الكريم ولغة الأمة) في جميع المحافل والملتقيات العالمية وعمل على اعتمادها لغة أساسية في التعامل الدولي في مجالات الثقافة والعلوم والاقتصاد، وتمكن من تأكيدها في الكثير من هذه التجمعات التي تعزز فيها موقف اللغة العربية كما تعزز موقف أهلها، فكان أن صدر القانون رقم (12) لسنة 1984، الذي جاء خاتمة لفتح مجالات أرحب لانتعاش اللغة العربية في جميع أدوات ووسائل التعامل الإداري والفني والإعلامي والتعليمي والتربوي والاقتصادي، أي جميع مناحي الحياة في المجتمع، فبدأت حملات التعريب والتأصيل للكثير من الكلمات الدخيلة من اللغات الأخرى سواء أكانت تركية أو إيطالية أو إنجليزية، لتتعزز اللغة ويقوى استخدامها.

واحتوى هذا القانون على خمس مواد جاءت معبرة باختصار عن الحالة التي ينبغي أن تتعامل بها اللغة العربية في ليبيا، وإنه وبعد القراءة المتأنية لنصوص مواد هذا القانون، يمكننا الجزم بأنه قد تمت صياغته في مواد شملت الاستثناءات المسموح بها عند تطبيق مواد القانون واغلبها تستند على قوانين وتشريعات واتفاقيات لها علاقة بالدول الأجنبية وقاعدة التعامل بالمثل، كما عالج موضوع الترجمة من والى اللغة العربية في حالات المؤسسات الأجنبية العاملة بليبيا مع وجود إمكانية الاستثناء، واهتم كذلك بموضوع العقوبات التي توقع على المخترقين لنصوص مواده.

ويمكن إبداء مجموعة من الملاحظات منها:

إن القانون لم يعزز بلوائح تنظيمية تحدد الطريقة التي يتم بها تنفيذ مواده التي كانت جلها تعتمد على العموميات والتي ينبغي أن تشمل كل الجزئيات المتعلقة بتنفيذه بالشكل الذي يعطي للغة العربية قيمتها في المجتمع.

إن القانون يحتاج إلى جهة تتولى تنفيذه والعمل على متابعته باعتبار أن الأمر أصبح في غاية التعقيد وصار أمر اللغة العربية يحتاج إلى وقفة جادة لإزالة هذا الخلط الحاصل في وسائل الإعلام والدعاية والإعلان بجميع صوره، ولعل هيئة الثقافة معنية بالدرجة الأولى بذلك مع بقية القطاعات الأخرى.

ضرورة التنبيه على جميع وسائل الإعلام بليبيا احترام استخدام اللغة العربية والابتعاد عن استخدام كلمات اللهجة العامية في وسائل الإعلام، وايقاف هذا الخرق في بعض صحفنا اليومية بشكل شبه عمدي.

التحريض المستمر في جميع وسائل الإعلام العامة بضرورة استخدام اللغة العربية في جميع المعاملات والمكاتبات والوثائق والمستندات واللافتات والإعلانات والمحررات، والعمل على مواجهة هذه الحملة المشينة المضرة باللغة العربية عبر كشف الكثير منها في وسائل الإعلام المسموعة والمكتوبة والمرئية وتعريتها وتوجيه الجهات المكلفة والمسؤولة بضبطها والتحريض على مداومة هذه الحملة بشكل استطلاعات ومتابعات صحفية متواصلة.

المتابعة المستمرة من مؤسسات الضبط الحكومية على ضرورة الالتزام بتطبيق مواد القانون والتحريض المستمر على محاربة اختراقاته والعمل على التبليغ عنها بشكل مستمر ومكثف لدى الجهات الرقابية لاتخاذ إجراءات إدارية رادعة حيالها.

التصدي لظاهرة جديدة بدأت تستشري في الشارع الاقتصادي الليبي من استخدام بعض من أسماء المناسبات ومعارك الجهاد والكلمات والألفاظ وكذلك أسماء الأعلام والعلماء والمجاهدين والأبطال من مشاهير الأمة في تسمية مهن لا علاقة لها بهم أو بمجالاتهم كالورش والمحال التجارية والاسواق والمصانع والمهن التي لا تمت لنوع العمل أو المهنة أو الحرفة المسماة بها بأي شبه أو وجه علاقة، كأن تجد مثلاً : (بقالة الحضارة / حلواني الجاحظ / كاليفورنيا للمأكولات الخفيفة / جزار الشعب / مغسلة العفة / مجدولين للاتصالات / ورشة الفارابي للحدادة / وشركة ابن سينا لتجهيزات المحال التجارية / وبوفي ويندفول.. و.. و… وغيرها، وعن أسماء شركات التاكسي فحدث عنها ولا حرج، منها: العقد الفريد لنقل الركاب، و.. و… وغيرها).

إن معالجة هذه القضية في تصوري تحتاج إلى التالي:

أولاً : العمل على تنبيه المواطنين إلى أهمية اختيار أسماء تتناسب مع طبيعة العمل الذي يمارسونه ويمكن الإيعاز إلى مكاتب التراخيص بأن تشترط اختيار اسم مناسب قبل إعطاء إذن مزاولة المهنة أو الحرفة (الرخصة).

ثانياً : تنظيم عدد من الندوات والحوارات واللقاءات في الإذاعة المرئية والإذاعات المسموعة الليبية  والإذاعات المحلية وعبر الإعلام المكتوب بأهمية الالتزام بتطبيق بنود القانون لأهميته الثقافية الكبيرة.

ثالثاً : التعجيل بإصدار لائحة تنظيمية للقانون تسمح ببراح أكبر ومجال أوسع في تطبيقه وبأدوات ضبطية أدق لتنفيذه من خلال الشرح الشامل والوافي لمواد القانون وتحديد الجهات المعنية بتحقيق ذلك.

رابعاً : لقد صار الأمر أكبر أهمية عندما نكتشف أن أسماء الأعلام في المجتمع الليبي قد دخلتها الموجة التغريبية التي بدأت تطال أسماء أبنائنا من ذكور وإناث، والابتعاد عن الأسماء ذات الأصل والمضمون والبعد الثقافي العربي والإسلامي، وليس من الغريب – بل صار من المستحسن – أن تسمع بأسماء مثل : ليندا ومريام ومجدولين ونوريهان وونيرمين وربما مستقبلاً ريجينا وكسندرا وماريو وحتى لينين وماركس وبوش وباول…الخ). والضرورة أصبحت تفرض من الجهات الرقابية الإسراع في التنسيق بين بعضها البعض ومخاطبة الجهات المعنية من مكاتب السجل المدني بالبلديات وإلزامها عند تسجيل المواليد الالتزام فقط بالأسماء ذات الأصل اللغوي والثقافي والحضاري العربي والإسلامي.

خامساً : ضرورة الإسراع في التنسيق بين البلديات بأهمية تطبيق القانون والعمل على تفعيل مواده بحزم والعمل على متابعة هذه التنبيهات بشكل مستمر والعمل على كتابة تقرير دوري ومستمر حول كل الاختراقات التي تسجل في حقه.

إن إصدار القوانين وحده ليس بهدف في حد ذاته، إنما الغاية هو أن يتحقق الهدف منها وذلك بتطبيقها والعمل على التشديد عليها لأنها تتعلق بالهوية التي هي أصل كياننا وديننا وأصالتنا، فهي ماضينا وحاضرنا وهي مستقبلنا.

في هرطقة قادمة سنتناول مواد هذا القانون..

والى ذلك الحين.. لكم التحية..

مقالات ذات علاقة

أين ليبيا التي عرفت؟ (39)

المشرف العام

أنقذوا.. حمادي علي المدربي

المشرف العام

أهمية السياحة الدينية

عبدالحكيم الطويل

اترك تعليق