لوحة السرايا الحمراء.
تشكيل

فنان في الظل 

إضافة إلى الفنانين المكرسين في الساحة التشكيلية الليبية والمعروفة أسمائهم يوجد فنانون مغمورين وغير مشهورين مع أنهم كهؤلاء المكرسين يمتلكون أدواتهم الفنية كاملة ولهم انجازاتهم التي تشهد بمهاراتهم وخبرتهم الواسعة في هذا المجال رغم زهدهم في المشاركة في الملتقيات الفنية وعزوفهم عن إقامة المعارض التشكيلية أو الأنخراط في المشهد التشكيلي الرسمي , وكانت ثورة 17 فبراير فرصة لبروز العديد من هؤلاء الفنانين الذين وجدوا في جدران المدن الليبية المنتفضة خير براح لاستعراض مهاراتهم في الرسم وللتعبير عن مكنونات انفسهم وتوقهم للحرية والأنعتاق من أغلال القهر , وتفاوتت مستويات الفنانين المذكورين وتنوع أدائهم , فرأينا أعمالاً لا يقدر على وضعها سوى فنانون محترفين إلى جانب أعمال متواضعة مرورا بعدة مستويات فنية بين هذين المستويين الأعلى والأدنى.

لوحة السرايا الحمراء.
لوحة السرايا الحمراء.

وعلى مستوى المضمون شاهدنا أعمالا ترتقي إلى العالمية في مضامينها وفكرتها , خاصة تلك التي تندرج تحت مسمى الكاركاتير , ولا زالت شوارع طرابلس وجدرانها رغم عوامل الجو والتعرية وتأثيراتهما تحتفظ ببعض الجداريات التي تشهد بطفرة فنية سرعان ما انطفأت بعد توهجها بموازاة الثورة ومثلما ظهر بعض الفنانين فجأة أختفوا فجأة كما ظهروا ولا أحد يعرف من هم .

ومن بين هؤلاء الفنانين غير المعروفين على المستوى الرسمي الفنان ” محمد السائح ” الذي لا توجد عليه الكثير من المعلومات باستثناء أنهُ يمارس الرسم ويعمل كمصمم ديكور للمنازل بمادة الجص وغيرها علاوة على أنهُ يجيد كتابة الخط العربي , ومن أوائل رسوماته التي عرفتها كانت تلك الجدارية التي لا تتجاوز مساحتها الثلاث أمتار في مترين تقريبا والتي رسمها على حائط المبنى العتيق جهة المدينة القديمة والمُقابل لميناء طرابلس وتحديدا على اليمين قبل الولوج إلى الساحة الصغيرة التي يقع بها قوس ماركوس أوروليوس الأثري , وفيها بحسب ما اتذكر رسم السفينة فيلادلفيا وسط البحر , والأشتغال كان احترافيا إلى حد بعيد إذ رسم اللوحة نهاية تسعينيات القرن الماضي إن لم تخونني الذاكرة في وقت خلت فيه طرابلس من أية مظاهر فنية عدا تلك التي تمجد ثورة الفاتح وقائدها الهُمام , ولهذا السبب تقريبا ولأنها تخالف السائد حينها لفتت انتباه الكثيرين ومن بينهم انا سيما وأنها رُسِمت بالتزامن مع أحد المناسبات .

أيضا قام الفنان برسم لوحة أخرى على الباب القابل للطي إلى الأعلى ” السرانتي ” لأحد المطاعم بشارع الوادي بالقرب من مدرسة حيدر الساعاتي , غير أن هذا الرسم لم يُعمِّر طويلاً وتم طمسه وطلاءه بسبب تغير نشاط المحل وتجديد ديكوراته بما يتلاءم والنشاط المُستحدث , والمضمون كانَ أيضا عبارة عن سفينة وسط الأمواج المتلاطمة , وأتذكر أن المطعم كان يقدم الأكلات البحرية , وفي كل ما رسم الفنان استعمل الألوان الطبيعية .
وللفنان جدارية واسعة بسوق المهاري بمنطقة زاوية الدهماني بطرابلس إذ ما ان تتخطى عتبة باب السوق وترفع رأسك عاليا حتى تقابلك لوحة بالألوان الطبيعية تصور في لقطة بانورامية السرايا الحمراء من جهة البحر , ولم يكتفي الفنان برسم اللوحة بشكل مُسطح بل قام بنحت وإبراز بعض عناصرها الأساسية بحيثُ بدت وكأنها عناصر وتفاصيل مُجسمة , وواضح أنَّ الفنان استعمل في إنجازها اكثر من أسلوب فني , إلا أن ما يلفت انتباه الناظر إلى أعمال الفنان هو قدرته ومهارته العالية في تصوير ورسم الماء الذي يعد من الأشياء الصعب رسمها , خاصة عندما يكون في حالة اللا سكون والحركة , إذ يتعذر أحيانا على الفنان التقاط تلك الألتماعات والتموجات والظلال الزرقاء واللا زوردية والخضراء , ويصعب عليه تجسيد الأنسيابية والخفة التي يتسم بهما الماء ما لم يكُن متمكناً من أدائه مسيطرا تماما على أدواته , وقد وُفِقَ الفنان إلى مدى بعيد في القبض على التأثيرات التي يتصف بها الماء , حتى أنَّ الرائي حين ينظر إلى الماء المرسوم يدرك أنهُ ماء وليس شيئاً آخراً .

اللوحة مقاس 5 متر طولا في ال 9 متر عرضاً تقريبا ولا يقل عمرها اليوم عن الخمسة عشر عاما أو منذ افتتاح السوق .

ومن خلال الحديث منذ سنوات طويلة مع أحد الأصدقاء الذين هم على معرفة بالفنان عرفت أن الفنان يمتلك علاوة على موهبة الرسم هواية تصميم ديكورات المنازل ووضع لمسات فنية في زواياها وفراغاتها , وكنت في وقت سابق قد شاهدت لوحات خط عربي بريشة الفنان المذكور , وعلمت من أحد الذين رافقوه كذلك بأن الفنان عازف على القيثار .

وأنا إذ أنشُر هده المقالة عن الفنان محمد السائح أتمنى أن تجد صدى ويمدنا من يعرف الفنان بمعلومات وافية عنه وعن فنه من باب التوثيق للتشكيل الليبي , وإعطاء كل ذي حق حقه والإشادة بإبداعاته الفنية وتشجيعا له على المزيد من العطاء .

وتأتي هذه الحوصلة في إطار التوثيق للمشهد التشكيلي الليبي بكافة أطيافه .

مقالات ذات علاقة

أعمال الفنان الليبي جمال الشريف دُمى تبوح بقصصها

عدنان بشير معيتيق

جماليات طرابلسية

ناصر سالم المقرحي

نص تَعْتَريهِ كدمات

عدنان بشير معيتيق

اترك تعليق