من أعمال التشكيلي محمد حجي.
مختارات

مواقف عشاق الكتب

من أعمال التشكيلي محمد حجي.
مثقف
من أعمال التشكيلي محمد حجي.

يزخر تراث أدبنا العربي بذكر نوادر قصص و طرائف حكايات أهل الكتب، و يدهشنا ما ورد فيها من مواقف حتى أن بعضها يدفعنا بجدية إلى الضحك، حيث تعامل معه القدماء و كأنه حبيب أو عشيق، و قلما تجد عالما و ليس له مكتبة خاصة به تضم بين أرففها آلاف المؤلفات من ضروب العلم و المعرفة، و قد قيل أن “كل شيء تنقص قيمته عدا الأدب إنه إذا كثر غلا”، و قد قال أحمد بن إسماعيل:” الكتاب هو المسامر لا يبتدئك في حال شغلك، و لا يدعوك في وقت نشاطك، و لا يحوجك إلى التجمل له، و الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، و الصديق الذي لا يغريك، و الرفيق الذي لا يملك، و الناصح الذي لا يستذلك”، و فضل البعض مجالسة الكتب عن مجالسة الناس و فيه قيل: خير جليس في الزمان كتاب، و قد آثر أحمد شوقي مصاحبة الكتب على مصاحبة الناس، لأنه يراها أكثر وفاء و إخلاصا و في ذلك قال: أنا من بدل بالكتب الصحابا…لم أجد لي وفيا إلا الكتابا

و تحكي لنا الروايات أن الجاحظ توفي إثر وقوع مكتبته فوقه بينما كان هو مستغرق في القراءة، كما يحكى أن ابن القيم الجوزية (رحمه الله) نال من الكتب ما لم يناله غيره حيث تذكر بعض المصادر أن أحفاده كانوا يبيعون منها دهرا طويلا بعد وفاته، كما يروى عن التعلق بالكتب أن أحد الخلفاء طلب أحد العلماء ليسامره، فأرسل إليه خادمه، فلما جاءه الخادم وجد الكتب تلفه و هو منكب يقرأ فيها، فقال له أمير المؤمنين يستدعيك، فأجابه: قل له عندي قوم من الحكماء أحادثهم، فإذا فرغت منهم حضرت، فلما عاد الخادم إلى الخليفة و أخبره بذلك قال له ويحك من هؤلاء الحكماء الذين كانوا عنده؟ فقال أحضره الساعة كيف كان، فلما أحضره قال الخليفة من هؤلاء الحكماء الذين كانوا عندك؟ قال يا أمير المؤمنين:

هم جلساء لا تمل حديثهم..أمينون مأمونون غيبا و مشهدا..إذا ما خلونا كان خير حديثهم..معينا على نفي الهموم مؤيدا..

يفيدوننا من علمهم على ما مضى.. وعقلا و تأديبا و سؤددا..

فلا ريبة تخشى و لا سوء عشرة..و لا نتقي منهم لسانا و لا يدا..

فإن قلت أموات فلست بكاذب.. و إن قلت أحياء فلست مفندا..

فعلم الخليفة أنه إنما يعني بالحكماء الذين يجتمع عندهم الكتب، فلم ينكر عليه تأخره.

في حين رفض بعض الشعراء إعارة كتابه ﻷنه رأى أن إعارة الكتاب عارا حيث قال:

كتابي لا يباع و لا يعار..ﻷن عارة المحبوب عار..

و تعشق الكثير من أهل الأدب بالكتاب و شغفوا به، حتى أن بعضهم سلك طريق غير محمود في الحصول عليه، كما يروى عن ابن الخشاب (رحمه الله) الذي كان أعلم الناس بالنحو، فكان إذا جاء سوق الكتب و أراد شراء كتاب و وجد أنه أوحد، غافل الناس و مزق منه ورقة و قال: إنه مقطوع، ليأخذه بثمن بخس، أما إذا استعار من أحد كتابا و طالبه بإرجاعه قال: دخل بين الكتب فلا أقدر عليه.

و من وجه آخر فإن التعلق الشديد بالكتب من قبل البعض ولد ردود فعل الكراهية الشديدة لها من قبل البعض الآخر، كما كان حال الأمير فاتك و زوجته، و هو أحد أمراء مصر في القرن الخامس الهجري، فقد كان له مكتبة ضخمة و كان يقضي فيها أكثر أوقاته بل إنه لا يفارقها، فداخلت الغيرة قلب زوجته من الكتب، ﻷنها كانت تلهيه عنها، فلما وافته المنية و في قلبها لوعة منها نهضت هي و جواريها إلى خزائن زوجها فصارت تبكيه و تندبه، و في ذات الوقت ترمي بالكتب هي و جواريها وسط بركة ماء داخل الدار.

مقالات ذات علاقة

ميدان الشهداء

المشرف العام

مناظرة شعرية حول الفيدرالية بين البغدادي والزبير

المشرف العام

الأسطول الدنماركي النرويجي يهاجم طرابلس عام 1797

المشرف العام

اترك تعليق