من أعمال المصور أسامة محمد
قصة

كبوس جحا

من أعمال المصور أسامة محمد

يحكى أن…

في يوم السوق، كان جحا يتجول مزهواً (بمعرقته) كبوسه الليبية المدورة الجميلة، التي لم يكف عن تحسسها وتعديلها.

مرة يعنقرها حتى تكاد تغطى ربع وجهه، ومرة يجذبها للخلف حتى تظهر مقدمة صلعته كاملة، أو ينزعها عن راسه الصغير وينفضها بحنو، ثم يعيدها إليه ويجذبها من أطرافها بقوة للأسفل حتى تؤلمه أذناه الكبيرتان المعقوفتان من أعلاهما بشكل هندسي جميل لم ينتبه له، وقد ينزع جحا كبوسه من رأسه بسرعة وخفة، ليغطي بها فمه كله، فتتحول الكبوس الى ساتر مضمون يخفي بها ابتسامته أوضحكته أو أستغرابه، أو خوفه، أو أي حالة من الحالات التي خص بها نفسه وكبوسه.

وفي الغالب عندما يمشي جحا في الطريق، ينظر أمامه، ويلف بجسمه كله للخلف، يلتفت يمينه، ثم شماله فيشعر بالضيق لو أحس أنه وحده، ويزداد ضيقه عندما يشعر أن لا أحداً يرى كبوسه فوق راسه، لذلك يطويها بعناية ويضعها في جيبه، تاركا صلعته تضربها الشمس، أو يلفها الصقيع، متصوراً أن وظيفة الكبوس تكمن في أن يراها الناس على راسه فقط.

حاضر جحا لا يختلف كثيراً عن حال أغلب من في السوق، هو مستور، وعلى قد حاله مثلهم، لكنه مصراً دائما أنه هو وكبوسه مختلفين ومتميزين عن الجميع، هو رجل قديم حتى أمه لا تعرف تاريخاً محدداً لولادته، ورغم أن هذا لا يفيده ولا يضره كثيراً ولا قليلاً، لكن جحا يعده سبباً وجيهاً وكافياً ليفخر به كلما واتته فرصة، مضيعاً بذلك فرصاً لا تعد ولاتحصى ليفيق ويحسن من أوضاعه وحاضره بدلاً من التغني بماض قديم جداً مكانه متحف أو صورة معلقة على حائط، يستشف منها معاني الجمال والصفاء والنقاء والزمن الجميل.

مضى زمن طويل، قبل أن ينتبه جحا لحاله ويعرف حقيقة حاضره، لكنه أفاق على كل حال، وقرر قرار نهائي بأنه بحاجة ماسة ليغير من حاله لحال أحسن، وفيما هو يقرر ذلك ويفعله، ووسط زحمة السوق دفعه واحد أو أكثر من واحد دفعات قوية، صمد ولم يسقط، لكن وبشكل مفاجئ تلقى صفعة قوية جداً، أدارت براسه وأطاحت بكبوسه في مشهد مخزي أمام كل الناس.

بعد غيبوبة قصيرة، استفاق جحا والتقط كبوسه قبل أن تدوسها الاقدام لكنه وجدها تشوهت وتلوتث وتوسخت بكثير من الدم وقليل من التراب والوحل وأصابها الوهن في حوافها…!!، وسط زحمة السوق وأصوات الباعة والمشترين ما عرف جحا كيف يرد الصفعة، ولا كيف يأخذ حقه من خصمه الذي واجهه بوقاحة وقلة حياء، معتذراً له بعجرفة وتعال أنه لم يقصد أن يطيح بكبوسه لكنها كبوسه هي من أعاق تطويحة يده في الهواء.

تشبت جحا بحقه وبخناق خصمه ولم يفلته من يده القوية، وجره إلى المحكمة جراً، وأمام القاضي الذي لم تهمه الكبوس كثيراً، لام جحا أكثر على شده لخناق خصمه، ووضع اللوم على كبوسه لتقييدها حركة خصمه ومنعها من التطويح في الهواء في الوقت الذي تريده وبالكيفية التي تشاء ..!!!

جحا أصابه الذهول، وتكاد تقتله الحيرة، وهو يرقب بوضوح، تلطف القاضي مع خصمه وغمزاته له، وسرعة إقرار الخصم بالخطأ واعترافه به ورضاه التام بما أصدره القاضي من حكم، الذي قضى فيه بأن يعطي الخصم لجحا بعض الدنانير، تعويضا للكبوس التالفة، ودنانير أخرى أقل تعويضاً لما لحق جحا من أهانه، لكن الخصم طلب تأجيل تنفيذ الحكم لحين رجوعه لمنزله واحضار المطلوب، وافق القاضي بسرعة، وعلى الفور وبلا ضمانات أطلق سراح الخصم، الذي غادر المحكمة وترك جحا ينتظر عودته منذ سنوات!!!!

خطر على بال جحا أن يصفع القاضي بقوة حتى تسقط كبوسه على الأرض، وأذا أحتج يطلب منه أن يأخذ دنانيره من خصمه حين يعود، فكر جحا في أن يفعلها لكنه مازال لم …..

مقالات ذات علاقة

مُـصــادرة

غالية الذرعاني

لا أحب البطيخ

رحاب شنيب

زلة لسان…..!!!

عطية الأوجلي

اترك تعليق