قصة

ساعدني يا قانون على فعل الخطأ

سائق التاكسي شاحب الوجه والعصبية تملأ عينيه، ما إن ركبت حتى انتقد خبطة الباب، بالرغم من أنني كنت حذرا في إغلاقه.

 سائق التاكسي الرجل البسيط الذي استقال من خدمته العسكرية وفضل البقاء خلف مقود السيارة بدلا من أن يكون آلة يحركها الإيعاز ذهابا وإيابا،

(الحمد لله على كل حال).. قالها بزفرة أسى وعقب: وكأني وجه نحس على كل القوة العمومية العسكرية العاملة في الدولة، ما أن استقلت حتى أمطرت الرئاسة قرارات كلها لصالح الأفراد.. زيادة رواتب.. قطع أراضي.. سيارات بالتقسيط المريح….

وأنا السيارة التي أقودها ليست ملكا لي بل اشتغل عليها باليومية.. ويأخذها صاحبها في المساء.. وأعود إلى كوخي راكبا تاكسي مثلك..

–         صحيح.. عسكري أنت أم مدني؟

–         كنت ولكن..

–         من المولد بلا حمص؟..

–         كيف عرفت؟..

–         من ركوبك التاكسي؟

لا ليس ركوب التاكسي علامة على الحاجة.. بل حرق الأعصاب في ظل غياب القانون أو عدم تفعيله يجعلني أسير جنب الحيط..

–         كيف؟!

–         أنت صاحب تاكسي.. أقصد سائق تاكسي وتقضي أغلب نهارك على الطريق العام وتخالط شرائح المجتمع المختلفة، هل ترى الأمور على ما يرام؟

–         كيف؟ وأي أمور؟

(في الغالب سائق التاكسي هو الذي يتحدث والزبون ملزم بالإنصات ولكن هذه المرة كان الزبون مخالفاً للقاعدة)

–         يا صاحبي أنا لست عسكريا ولا مدنيا.. أنا أعمال حرة يعني أعمل لحسابي.ويسمونها هناك رجل أعمال وتحرروا من عقدة الرجل الشرقي.. صارت حق حتى للنساء بالإمكان القول سيدة أعمال.. ولكن هنا يا صاحبي تصنف خالي عمل أو معدوم الدخل.. لا تسألني كيف؟ ولماذا؟ لعل القانون يحضر بعد غياب.. وأصبح من المخالفين الذين يجدفون خلف التيار.. ولا يؤمنون بتوزيع الثروة ولا الملاكات الوظيفية و مسلسلات الدراما التركية والخصخصة وتعديل الرواتب  ويرفعون شعار رفعت الأقلام وجفت الصحف..

 (السائق يزداد افتزازاً وشحابة وجه.)

–         …………………. !!

أطمئن يا صاحبي.. أنا معدوم الدخل لكني أمتلك الدينار ثمن التوصيلة.. أطمئن.. أطمئن سأعطيك حقك.. ولا أكلفك ثمن الحديث.. أنا بالتأكيد لست الزبون الأول.. لعلك تحدثت اليوم ما فيه الكفاية.. دعني أحدثك عن القانون

–         القانون؟

–         نعم.. القانون الغائب.. وبصيص الأمل يا صاحبي يظل موجودا في ثنايا كلمة ( الغائب ).

–         كيف؟!

–         كونه غائبا إذن هناك قانون.. سيحضر يوماً.. ويقتص من كل المخالفين.. سيحضر ويقول لرجل المرور كيف تجعل من جزيرة الدوران نقطة تفتيش؟ ويقول لرجل الحرس البلدي كيف تترك الحابل على الغارب وتخرج من السوق بفاتورتك غير المدفوعة محملا بما طاب  من فواكه وخضراوات.. سيحضر ويقول للموظف صلاة الظهر أربع ركعات  فكيف ينتهي الدوام ومكتبك مغلق بحجة الصلاة؟ سيحضر القانون ويقول للمسئولين عن توزيع مياه الشرب لماذا الناس تموت عطشاً على مواسير المياه؟ سيحضر القانون ويقول لرجال الكهرباء سأقاضيكم على ضوء الشمعة.. سيحضر ويقول للقائمين على بيت المال أقنعونا بغير تحايل أين ذهبتم بأرباع الميزانية؟ سيحضر  القانون الغائب ويقول للطبيب ما ذنب المريض الذي حررت له شهادة وفاة بدلا من شهادة الخروج نتيجة خطأك؟

–         و لكن يا صاحبي.. الحديث عن ما يريد القانون قوله يطول ويطول وأنا هاهنا نازل

السائق يقف بسيارته على اليمين وهو يخاطب الرجل الحديث معك لا يمل ولم أشعر بالمشوار.. من أين لك بكل هذا هل أنت محامي أو وكيل نيابة؟.. لعلك قاضي؟..

–         لا يا صاحبي أنا خالي عمل وسيحاسب القانون أمين القوى العاملة، وقبل أن أنسى: عندما يحضر القانون سيقول لسائق التاكسي.. كيف تسير على الطرقات بدون إجراءات ولا لوحات معدنية..

وغلق باب التاكسي بهدوء وحذر ناسياً أن يعطي سائقه الدينار..

مقالات ذات علاقة

أزمـــــــــة

زكري العزابي

الرقص في دروب وعرة

إبراهيم بيوض

قرنا كبش أبيض

المشرف العام

اترك تعليق