حوارات

عبد الباسط ابو بكر محمد: الربيع العربي أربك الادب

حاوره: محمد الاصفر – المغارب

عن المصدر
عن المصدر

لمناسبة صدور كتابه النقدي “اليد الواحدة” عن “دار المستقل” في القاهرة، التقت “المغارب” الشاعر عبد الباسط أبو بكر محمد، لالقاء الضوء على جديده وطرح مسائل اخرى تتعلق بالشعر الليبي ورؤيته للقصيدة الشعرية الحديثة.

ويحتوي الكتاب الجديد على مجموعة من المقالات تناولت تجارب شعرية  لمجموعة من الشعراء الليبيين الشباب،  ظهروا في التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، مشكلين نفسا شعريا منفتحا، ساعدهم في التواصل ظهور شبكة الانترنت ومواقعها الثقافية المختلفة، كموقع جهة الشعر لقاسم حداد… ومنهم: صالح قادربوه، سميرة البوزيدي، أم العز الباروني، خالد درويش، والمرحوم صلاح عجينة، وغيرهم…

أين تضع قصيدة النثر الليبية الشبابية من حيث المستوى الفني أمام ما نقرأه لشعراء عرب من دول شقيقة كمصر والمغرب ولبنان وسوريا؟

– قصيدة النثر الليبية الآن تركنُ لبساطة فكرتها ومواكبتها لليومي، فتجد أنها في انفتاح دائم على غيرها من التجارب العربية، مع حفاظها على خصوصية أفكارها ولغتها. وعلى الرغم من توقف أغلب من يكتب قصيدة النثر على النشر بشكلٍ مستمر إلا أن ما حققته القصيدة من تراكم يجعلها تحتل موقعاً مناسباً في تجربة الشعر العربي عامة.

ويعود الفضل بالدرجة الأولى الى وجود أصوات حقيقية أخلصت لهذه التجربة ومنها العماري، الطويبي… مع ما أتاحته التقنية من انفتاح على الكثير من التجارب، وبعض تجارب الشعراء الشباب بلغت من النضج الحد الذي مكنها من الوصول إلى التجارب الأخرى بثقةٍ قل أن تجدها في مسيرة الشعر الليبي (الذي كان يغلب عليه أنه صدى لتجارب شعرية أخرى).

قصيدة النثر الليبية تسترد أنفاسها بعد الثورة، فتجربة مثل تجربة الشاعر صالح قادربوه مثلاً، على ما تحقق لها من نضج كبير قبل الثورة، تراها بعد الثورة تعاود الكثير من حساباتها وتتوقف عن النشر، الأمر الذي يؤثر في تجربته كشاعرٍ بالدرجة الأولى، وفي تجربة الشعر الليبي بشكلٍ عام.

 – كثير من الشعراء هجروا كتابة قصيدة النثر وركزوا على كتابة قصائد الهايكو والومضة. هل ترى أن قصيدة النثر قد استنفدت اغراضها فانطلق الشباب إلى آفاق أخرى؟

– قصيدة الومضة (أو الهايكو) هي إحدى منتجات قصيدة النثر إن جاز لي التعبير، وفرت الترجمات المختلفة هذا النوع بكثرة في الشعر العربي، ومكنت هذه الترجمات من التعرف الى شعراء كبار في ثقافات أخرى، وجدوا عبر الهايكو ما يفتقدونه. اكتشفت الهايكو كقصيدة ومصطلح عن طريق الشاعر المالطي انطون بونجيج والذي كتب قصائد هايكو بحرفية عالية جداً.

وأرى أن الفايسبوك منحها درجة من المرونة من خلال الالتقاطات اليومية، والتماهي مع ما تمنحه الشبكة من نشر فوري.

 – ما هي أهم الأصوات الشعرية الجديدة في ليبيا؟

– الفايسبوك كموقع تواصل اجتماعي، جعل التواصل بين النصوص والمتلقي أمراً متاحا دائماً، والانفتاح الذي تحقق بعد الثورة جعل من الفايسبوك ساحة كبيرة للتجريب من كل النواحي، فكما أن هناك عدد كبير من المحللين السياسيين، والمخبرين، والأشباه، هناك الكثير من الشعراء الجدد، زادهم تجريبهم وأفكارهم الجديدة. وأعطاهم الفايسبوك جرعةٌ زائدة من الجرأة والعناد، وهناك أصوات كثيرة وتواصلي اليومي معها، يكسبني بالدرجة الأولى الكثير مما يفتقده الشعراء الكبار (بالمفهوم العمري)، أحاول أن أكتسب منهم المرونة التي تفقدها نصوصنا. من هؤلاء مثلاً: أنيس فوزي، يوسف سنيدل، حمزة الفلاح، حفيظ الشراني، كمال المهدي، مهند شريفة وغيرهم.

هل ترى إذا أن الكتابة اليومية شكل من أشكال المغامرة؟

– الشاعر المعاصر هو من يواكب هذا الفيض الإلكتروني، ولا يسبح ضده، مع الإخلاص لخطوته الأولى، وارتباكه الأول، أعتقد أن  الشاعر سيموت عندما يحسن الظن بأفكاره، وعندما يعتقد أن خطواته أصبحت أكثر ثقة.

على الشاعر أن ينثر ارتباكه في كل قصيدة، أن يظل مسكوناً بالبحث الدائم على أفق جديد في كل محاولة للكتابة.

أنت تكتب الشعر وتمارس النقد. هل أفادك حسك النقدي لما يكتبه الآخرون في تطوير قصيدتك؟

– الكتابة النقدية لدي كانت تواكب التجربة الشعرية للشعراء الشباب وتتفاعل معها، رغبةً مني في تغطية قصور معين وجدت الساحة الثقافية الليبية في ذلك الوقت تعاني منه.

وازداد الاهتمام النقدي مع استمرار هذا الجيل في الكتابة، وكذلك مع صدور دواوين لأغلب هؤلاء الشعراء… كان السياق العام للنقد في ليبيا مسكوناً برصد تجارب سابقة، ولم يتطرق للتجارب الشابة بالكتابة، على الرغم من الحضور و الاحتفاء الكبير على المستوى العربي.

كان هناك اهتمام نقدي احتفائي عند بعض شعراء هذه التجربة (رامز النويصري، صلاح عجينة) يواكب السياق العام لهذه التجارب.

من هنا بدأ الاهتمام النقدي برصد أفق هذه التجارب نظراً لقربي منها، ولإحاطتي الكاملة بأغلب النصوص المنشورة عبر فضاءات الشبكة العنكبوتية، قبل أن تتشكل في دواوين شعرية.

الإقبال على الكتابة النقدية أعطاني الانفتاح على تجارب الشعراء كافةً، وما زلتُ حتى هذه اللحظة منهمكاً في ترصد خطوات الشعراء الشباب في الشعر العربي بشكلٍ خاص، نظراً لقربها مني ولانفتاحها المدهش على التجريب والمغامرة.

ثورات الربيع العربي الأخيرة وتداعياتها… كيف تعاطى معها الشعراء النثريون؟

– الثورات العربية غيرت كثيراً من المفاهيم على مستوى الحياة، الكثير من القناعات القديمة ماتت، لتولد أخرى في لحظات.

الشعر تأثر بدرجة كبيرة، استفاد كثيراً من سقف الحرية المرتفع جداً، لكنه فقد نكهته السابقة، شعراء كثيرون فقدوا مع غياب الرقيب معنى القصيدة، قصائدهم كان تقوم على الرمز لتنهض وتناور الرقيب، وفي حالة غيابه كانت تبتكر الرقيب لتصنع القصيدة.

الكثير من الشعراء أربكتهم جرعة الحرية الزائدة، فذوت قصائدهم، وفقدوا الموضوع الذي تتحرك فيه أفكارهم.

اعتبر الربيع العربي أتونٌ كبير، فمثلما التهم مقدرات وموارد الشعوب، أربك الثقافة والأدب، واضمحلت على أثره تجارب وظهرت تجارب جديدة.

بعض التجارب تحتاج زمناً لتستوعب التغيير، وتنسجم معه، بينما البعض الآخر صنع التغيير لديه حالة من التفرد والبحث والتميز.

___________________

نشر بموقع المغارب

مقالات ذات علاقة

الكاتب نورالدين خليفة النمر: الصراع الليبي يرجع إلى النقص التاريخي والمجتمعي للكفاءة المحلية

مهند سليمان

عنفوان فؤاد…نحن المكان الخطأ في جسد اللغة

مهند سليمان

دينا القلال: كثيرة هي الأقنعة ولكن الحب ليس قناعًا نرتديه

حواء القمودي

اترك تعليق