قصة

جـثـتــي


كنت أرقب جثتي الملقاة على الرصيف، والغارقة في الحبر والدم. تجمع حولها المارة وتهامسوا “ميت، مقتول .. ميـ .. مقتـ ..”.

ثبت أحدهم نظارتة الطبية جيداً، وتفحص وجهي، ووقف قائلاً: “أنا طبيب، ومن ناحية طبية موته ليس ظاهرة علمية”.

تعلقت به الوجوه. أردف: “إن عينيه تتحركان، والموت يعني توقف كل الاعضاء عن ممارسة وظائفها الطبيعية، ولا أستطيع أن أثبت العكس، فهو ليس بالميت، ولا بالحي”.

إقترح أحدهم شق الصدر للبحث عن حياة في الداخل. وافق الجميع، وتم فتح الصدر، وتزاحمت الأيدي تبحث داخل صدري.

جثا رجل على عينيه نظارة سوداء عند رأس جثتي، وقرب وجهه من وجهي، وهمس: “أنت تعرف إنهم لن يجدوا شيئاً داخل صدرك”. وقال بصوت مرتفع: “كفوا عن هذا العبث، هنا لن تجدوا شيئاً”. وطرق بسبابته ما بين عيني، وقال: “إذا كان يوجد شيء، فهو هنا”.

تساءل الطبيب: “وهل سنشق رأسه”.

“لا .. لا .. يكفي أن نحدث به ثقباً، لرؤية ما يدور بداخله”.

فتح الطبيب حقيبته، وأخرج عدسة صغيرة، وأدوات جراحية، وأحدث ثقباً على حجم العدسة، وثبتها عليه.

تملكني الرعب، وأنا أرى عين الطبيب كبيرة، تتلصص من الكوة داخل رأسي.

همس الرجل صاحب النظارة السوداء للطبيب: “لا تبح بكل ما ترى”.

وتساءل الجمع حوله بلهفة: “ماذا ترى؟ ماذا ترى؟”.

تأوه الطبيب أكثر من مرة، وفي كل مرة يتساءل الجمع.

قال: “ثلج، نار، هياكل، عيون متسعة، قصاصات، قبور، حبر”.

فكرت لو أنني أستطيع أن أفقأ عين الطبيب المتلصصة.

صفعني الطبيب بقوة ! وهو يصرخ: “عيني أنا يا ميت؟!”.

اندهش الجمع من حوله، وتراجعوا للخلف، وبعد نقاش طويل دار بين الطبيب والرجل ذي النظارة السوداء، تم على إثره فصل رأسي عن جسدي، وسد جميع ثقوبه بالقطن المعقم، حتى عمني الظلام من الداخل، وحملوه وذهبوا، وظلت جثتي ملقاة على الرصيف .. غارقة في الحبر والدم.

مقالات ذات علاقة

دقيقة ونصف في بنغازي

المشرف العام

الكمامة

عزة المقهور

حديث الغرباء

صفاء يونس

اترك تعليق