قصة

الـقـــطــار

من أعمال التشكيلية فتحية الجروشي
من أعمال التشكيلية فتحية الجروشي


تذكر متعة السفر بالقطارات فأراد أن يكتب قصة يحكي فيها عن رجل كان شغوفا بهذه الهواية حد الهوس ، ولأنه  من بلد لا يعرف سكانه عن القطارات إلا ما كان يأتيهم من بلدان شرق آسيا من ألعاب تمثل قطارات عديدة تسير على سكك حديدية حلزونية  مختلفة الأنواع والأشكال كل يسير بالسرعة والقدر الذي يتوفر في البطاريات المختلفة الأحجام التي تأتي  في غالب الأوقات إما مملؤة أو نصف عمر أو فارغة تماماً في كثير من الأحيان ومن نفس البلدان التي تتنافس على صناعة مثل هذه الألعاب التي لا تعمر طويلا بغض النظر عن حرص أو شقاوة الأطفال المقتنين لمثل هذه الألعاب كبارا كانوا أو  صغاراً..

فكتب في بادئ الأمر أن رجلا كان يقف في محطة القطار وهو في حالة قلق ظاهر ينتظر شخصا ما ،  لعلها تكون حبيبته التي تأخرت عن الموعد الذي يجب أن تأتي فيه ، في حين كان القطار الذي سيستقلانه على وشك الإقلاع…

لكنه توقف قليلا عن الكتابة وهو يسأل نفسه:

كيف سيستوعب الناس ما سيكتبه؟ لاسيما وأنه في بلد ليس فيه محطات ولا قطارات ولا حبيبات ولا مواعيد إقلاع ولا وصول ؟؟…

عندها رأى أن يكتب عن قطارات أخرى وعشاق وحبيبات في بلدان بعيدة.. لعل ذلك يلبي رغبته في الكتابة عن هذه الكائنات الجميلة ، إلا أنه توقف عن الكتابة ثانية بعد أن خطرت عن باله فكرة أخرى، لعلها ترضي جميع الأطراف ، وهي أن يكتب عن مشروع محطة قطارات متخيلة، تقام في وسط البلد وفي أهم الميادين من مدينته الكبرى ، بل وعلى أحدث نظام لتسير فيها قطارات ذات مواصفات عالية من الجودة والمتانة والجمال من وإلى جميع عواصم وبلدان العالم ، تعج بالمسافرين من كل جنس ولون،وتشهد في كل لحظة دموع وداع حارة أو استقبال مشوبة بالفرح مع قيام أو وصول كل رحلة ، ومضى يرصف ما طاب له من جمل ومفردات رآها لائقة وهذه الفكرة أو ما يتناسب ووضع هذا المسافر أو تلك المسافرة التي أذابتها دموع الفراق أو تلويحات الوداع من خلال النوافذ أو على الأرصفة ، وهي تتقاطع بشكل مثير مع صفارات الإقلاع ، في حين كان يستبعد ويشطب كل كلمة أو جملة لا تتناسب مع قصته حول هذه الكائنات الجميلة وما يحدث في مقصورتها من أحداث وأحاديث و مفارقات وطرائف وربما حوادث غريبة أو جرائم غامضة ، ستظل ذكرى جميلة أو حزينة ، لكنه وقبل أن تصل قصته إلى نهايتها ، اكتشف بأن كماً كبيرا من الأحرف والكلمات والجمل التي ظل حريصا على رصفها بكل دقة وعناية كانت قد تناثرت فجأة  وانفرط عقدها ، بعد أن  داستها عجلات قطاراته التي بدأت في الانطلاق من وإلى محطاتها البعيدة.

مقالات ذات علاقة

أخطر أسراري

عائشة إبراهيم

أنا وحذائي والموناليزا…

هدى القرقني

السَّحابة السَّابعة

المشرف العام

اترك تعليق