المقالة

زر يمسح كل مشاعري

كلما أمسكت القلم لأكتب شيئاً سألني المحيطون بيَّ.. لماذا لا تستخدمين الحاسوب في الكتابة؟

لماذا لا تختصرين الوقت والجهد؟

كما أنه الأفضل والأقدر على ترجمة أحاسيسك ونقلها بسرعة وعلى الطريقة الدعايات الفضائية الملحة، اخذوا يكررون أمامي، إنه يسهّل لك الكتابة، ويساعدك في تغيير عبارات النص وكلماته دون الحاجة إلى تكرار النسخ، ثم أنه قادر على تنسيق ما تقومين به من كتابات (أكروباتية) تنقل بقدرة قادر – أجزاء النص المبعثرة على مساحات الصفحة إلى نص متكامل متناسق، وبالرغم من ردي تكراراً ومراراً بأن للمسة القلم سحراً خاصاً حينما تكتب به، وموسيقى تتدفق بأحرفه وكلماته التي ترسم عالماً مسحوراً إلا أنهم لا يقتنعون.

وأنا هكذا أعيش الكتابة كجزء من ذاتي ولن أتنازل عن السحر الكامن في لمسة القلم للورقة وأمام دهشة الجميع واستنكارهم لتمسكي وعنادي لنت قليلاً وخاطبت نفسي: لم لا أجرب هذا الفعل؟.

قررت أن أبدأ في الكتابة مباشرة جهزت المكان وأشعلت الجهاز، وبدأت في أول خطوات مشروعي الجديد، واخترت حكاية أحبها كثيراً في البداية شعرت بالغربة والحنين فهناك فرق كبير بين لمسة القلم المبهجة، وهذه اللمسة الباردة لأحرف اللوحة أنها لا تنقل انفعالاتي كما ينقلها القلم للورقة وحتى عندما تناسيت وضعي وتماديت، فإن ضغطة يدي على المفتاح جعلته يكرر الحرف مئات المرات ونظرة واحدة إلى الشاشة ظهرت كل الانفعالات في (تهتهة) النص وتكرار حروفه اللامعقولة، ولكن لا بأس أنها البداية فقط وسأتحكم في كل ذلك بعد لحظات، ظهرت قهقهاتي واضحة وجلية في التكرار اللعين الذي تتمسك به الآلة الصماء وتظهر لي أوامر ومربعات حوارية لم أطلبها أصلاً، ولكن الآلة أساءت تفسير انفعالاتي ورغم كل ذلك، لا يهم سأستمر في استخدام الحاسوب فأنا كاتبة عصرية أتعامل يومياً مع تقنية العصر، وأومن تماماً بأهميتها وإمكانياتها، وبعنادي المعتاد استمريت في طباعة ما أفكر به واكتشفت أن سرعة تفكيري تفوق سرعة الآلة مئات المرات وأن نصف أحرف الكلمات مفقودة بل أن بعضها متلاصقة مع الأحرف الأخرى قلت لنفسي مواسية بأنها البداية فقط فأنا لم أتعود التفكير بمصاحبة آلة، وأقنعتها بأن البدايات رغم أنها صعبة وغير مرضية، إلاَّ أنها تعطي أفضل النتائج واستمريت في الطباعة وكلما حذفت كلمة أو استبدلت عبارة شعرت بالأسى والإشفاق، فأنا أحكم عليها بالفناء وتسللت الشفقة إلى قلبي وعز عليّ حذف هذه العبارات والكلمات، فهي وليدة لحظاتي ولها مكانة خاصة في قلبي لذلك وضعتها بين قوسين داخل النص وبذلك ازداد شكل النص غرابةً أكثر واستعجبت من نفسي فلأول مرة اكتشفت بأنني ارسم الكتابة ولا أخط أفكاراً هي معادلة صعبة لكنني أعايشها لحظة الكتابة العذبة وأمارسها حينما أكتب النص يميناً وشمالاً وأحركه على مساحات الورقة وأحاصر البياض من كل الجهات وقبل أن أتراجع عن قرار مواصلة الكتابة على جهاز الحاسوب اكتشفت أنني انتهيت من كتابة النص ولكن كيف ومتى ؟لا أعرف، كل ما رأيته سؤال الجهاز لي إن كنت أرغب التدقيق الإملائي والمراجعة حقاً لم تكن الورقة أو القلم يسألاني هذا السؤال وهذه نقطة إيجابية في حق الجهاز ولن أنساها له أبداً.

دعوت له نفي حفظ التعديلات التي أجريتها على النص وإن كنت حقاً أرغب في التخلص من التهتهات والقهقهات والتعليقات والهوامش، وكل ما جمعته من متناقضات في النص مثل كل برامج المسابقات في الفضائيات أعطاني الجهاز اختيارين (نعم أم لا) ولأنني أعيش لحظة الانصهار الفكري والرفض التام لبرامج المسابقات وتحت ضغط التغيير القهري في أسلوب تسجيل أفكاري وبكل اندماج اللحظة الرافضة، ضغطت الاختيار الثاني وأنا أردد بإصرار: لا. لا. لا.

ولكم أن تتخيلوا ما حدث فقد نسيت تخزين الملف، وبلمسة زر واحدة مسحت كل مشاعري وأفكاري ولحظات وجدي وانفعالي، ووقف الجهاز أمامي صامتاً مستفزاً ساخراً ورغم توسلاتي وقهري وشتائمي ومحاولاتي استرجاع ما مسحته، لم يترك لي الجهاز سوى اسم الملف الذي حملته كل ما لدي.. وارتسمت الكلمة أمامي واضحة مستفزة (من الأحمق؟) نعم.. من الأحمق أنا أم الجهاز؟!!

مقالات ذات علاقة

ما يُسمى بعصر (الإلحاد العلمي)

قيس خالد

انطوائي

المشرف العام

أمّـة المراثي

ميلاد عمر المزوغي

اترك تعليق