الكاتب الصادق النيهوم (تصوير: فتحي العريبي).
شخصيات

في الذكرى العشرين لرحيل الصادق النيهوم.. بنغازي تحترق وفراغ يملؤه الدم

اليوم تحديداً (15-11-2014)، تكون قد مرت عشرون سنة على رحيل الكاتب التنويري الصادق النيهوم (1937-1994)، الكاتب الأبرز في تاريخ ليبيا، والذي لا يخلو أي نقاش أو سجال أدبي أو فكري دون التطرق إليه بشكل أو بآخر.

الكاتب الصادق النيهوم تصوير: فتحي العريبي
الكاتب الصادق النيهوم
تصوير: فتحي العريبي

تمر هذه الذكرى وبنغازي تحترق، المدينة التي ولد وعاش وتشكل فيها النيهوم، بل إن ميدان سوق الحشيش  الذي به بيت النيهوم صار مسرح حرب، لا ترى فيه إلا البيوت المهدمة، والجثث التي عجز الهلال الأحمر على انتشالها، وفوارغ القذائف والرصاص التي ملأت أرجاء الشوارع والأزقة.

الصادق النيهوم  كاتب مؤثر  جدا في الوجدان الليبي، ولو كان حياً، كان يمكنه أن يفعل أي شيء، يمكنه أن يقود الشعب، خاصة جيل الشباب إلى واحة السلام. يملك حضورا ( كاريزما ) ربما تكون قد ساعدته بشكل أو بآخر في نجاحه ككاتب تنويري سجالي يشعل الحرائق ويفجر القضايا والمسائل المخللة للثوابت، يمكنه أن يلقي خطابا حتى وهو ليس رئيسا. لا شك أنه سيوقف مثل هذا الدمار، سينصت إليه المتحاربون، وسيتوقفون عن قتل ليبيا فيهم بكل هذه الضراوة، سيحدثهم عن تاريخ ليبيا القديم، وسيتحدث إلى الجامع في يوم الجمعة، سيلتف الجميع حوله، خاصة جيل الشباب وقود المعارك الحالية.

 لو كان النيهوم حاليا حيا لتمكن من حل المشكلة، ولقفز إلى السلطة التي يسعى إليها كما ذكر الروائي إبراهيم الكوني في سيرته الذاتية “عدوس السُرى”، بطريقة ديمقراطية سهلة أريحية ، يقول  الكوني في سيرته: “قال لي يومها إن غايته دوما  كانت  السلطة، كل ما هنالك أن العسكر ذهبوا إليها من أقصر طريق، وخسرها هو لأنه سعى إليها من أبعد طريق!”.

قبل ثلاثة شهور حاولت أن أعد ملفا كاملا عن النيهوم، ينشر في ذكرى رحيله، ويطبع في كتاب، يوزع في معرض القاهرة للكتاب مستهل عام 2015. تكلمت مع عدة كتاب ليبيين ومفكرين وفلاسفة كبار. للأسف لم تصلني سوى مقالة واحدة للكاتب سالم الهنداوي. الباقون كلهم لا يريدون تملصوا وتهربوا لأسباب بالطبع أعلمها!

 قال لي الشاعر سالم العوكلي: “لا تقلق يا الأصفر، هذا أمر طبيعي، مجاملو النيهوم يعتقدون أنه الكاتب والمفكر الذي ألهم القذافي كل أفكاره التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه. ليس ذنب نيتشه أن يؤله هتلر بهذه الطريقة، ولا ذنب جوستاف لوبون في تأويله عن طريق موسليني، ولا ذنب النيهوم أن يقرأه القذافي بهذا الشكل. العلاقة بين الطغاة والمفكرين قديمة ومربكة، تجمعهم اليوتوبيا والحلم الثوري ويفرقهم معاندة الواقع البشري للأفكار حين تتحول إلى شعارات أيديولوجية. النيهوم كاتب سجالي وليس منظرا”.

قلت للعوكلي أنت أيضا تملصت فأجاب: “النيهوم مشروع فكري عميق بكل الملاحظات التي حوله، ويحتاج إلى تعب للكتابة عنه، وكتابنا بما فيهم أنا يتجنبون التعب بسبب كسل تاريخي اتسم به هذا المجتمع وفي كل المجالات. الكتابة عن النيهوم تتطلب الجلوس والمكوث عنده وقراءته بتمعن، وهذا ليس ديدن كبابنا إلا ما رحم ربي”.

القاص  الشاب حسام الثني علل تعلق الشباب بالنيهوم بالقول: “جيل الكتاب الشباب لم يخلط بين إبداع النيهوم وبين النيهوم نفسه لأنه لم يعرف النيهوم بوصفه كائنا اجتماعيا منافسا. لقد قرأ تجربته بموضوعية أكثر بعيدا عن المآخذ الشخصية والاتهام. قرأه بوصفه منهجا يعيد النظر إلى أنماط التفكير وثوابته. ومن الطبيعي أن تتغير زاوية الرؤية لاحقا لكن يبقى الثابت أن قيم النيهوم الفكرية والجمالية. كانت قيمًا ثورية سبقت جيله. ومن الطبيعي أن تتعاطف معها الأجيال اللاحقة التي كتب لها”.

أما عن تطلع النيهوم للسلطة  وهو أمر مستهجن لدى كثير من المثاليين فقال لي العوكلي: “ليس عيبا أن يسعى مثقف أو كاتب إلى السلطة. فعل المتنبي، وترأس التشيك الكاتب المسرحي هافيل ودخل يوسا انتخابات الرئاسة وخسرها”.

قلت للعوكلي: “نعم  صدقت، لو حكمنا النيهوم ما كنا ندردش الآن عبر الفيس بوك، ولكنا نتسكع من حانة إلى حانة قرب منزلك في الجبل الأخضر”.

في إحدى رسائل النيهوم لصديقه الكاتب خليفة  الفاخري، علق على خبر افتتاح مصنع للبيرا في اليمن بقوله:  “وأصبح اليمن السعيد سعيدا فعلا”.

مقالات ذات علاقة

الأديب والفنان المبدع رضوان أبوشويشة في حفل تكريمه

يونس شعبان الفنادي

السيرة الذاتية لمحمد عبدالهادي تعيد كتابة تاريخ المسرح الليبي

أسماء بن سعيد

رجل من وسعاية الفقي حسن

المهدي يوسف كاجيجي

اترك تعليق