الشاعر أنيس فوزي
حوارات

أنيس فوزي: أسعى أن يكون نصي حاضرًا ومؤثرًا

بوابة الوسط

حاوره: محمد الأصفر

ما زالت مدينة البيضاء تؤثث المشهد الليبي بمزيد من الشعراء المميزين الذين سيضعون بصمتهم الخالدة في مدونة الشعر الليبي، فبعد الشعراء المبدعين مفتاح العماري وفرج العشة وفرج العربي وعبدالباسط بوبكر محمد وغيرهم، ها هي تفاجئنا عروس الجبل بطيف جديد منعش بدأت معالمه تتضح كلما بث نسائم نصه هنا وهناك.
عندما تقرأ بعض نصوص الشاعر الشاب أنيس فوزي، ستتيقن بأنك أمام موهبة حقيقية، جديرة بالمتابعة والاحتفاء، خاصة في هذا الزمن الذي نعيشه الذي قل فيه الشعر الحي الذي تحتاجه الحياة كي تقاوم ما تعيشه من شقاء ودمار ورعب وجفاف.

الشاعر أنيس فوزي
الشاعر أنيس فوزي

ماذا تقول عن الشعر والشعراء والمشهد المحترق الذي نعيشه؟
الشعر حالة، وهو بالتحديد «حالة اللحظة» وهو بعيد دائمًا عن كلّ ما يذهب إليه الناس، فيكاد يكون هذا شرطًا غير مشروط، يتبعه كلّ الشعراء مؤمنين بأنهم لا بد أن يحاولوا في تشكيل بستان لطيف ومختلف ومتعدد ومزدان بالألوان والروائح الجميلة.

بعد الربيع العربي حضر الشعر، وله وجوه كثيرة كما في كل فترة، مؤيّد ومعارض، ديني ومنفتح، أخلاقي وغير أخلاقي، جيّد وسيئ، ودائمًا كما تعلّمنا لا يبقى في التاريخ سوى الأفضل والأقرب إلى الحقيقة.

الشعراء هم في الأغلب صعاليك وفقراء، ولكنهم مع ذلك يستطيعون كتابة الغزل والأمل بل تعليمهِ للناس، فمثلاً يعلّمنا محمود درويش الشاعر الراحل والمنفي خارج بلده بمفردة دقيقة وكبيرة: «نربّي الأمل» على الرغم من أنّهُ في قرارة نفسه يعلم أنّ الأمل لا يكفي، وأنهُ ربّما بعد لحظة قد يفقد حياته في البلاد الغريبة عنه والغريب عنها لأمر تافه.

ليس لديك إصدارات ولا حضور في الصحف أو القنوات الإعلامية بشكل مكثف، لكن حضورك في برامج التواصل الاجتماعي بالشبكة العنكبوتية، لافت ومؤثر في المشهد، كيف ترى قادم الأيام هذا إن اعتبرنا الشعر والأدب بشكل عام نبوءة تحذر أكثر مما تطرح السؤال أو تقترح الحلول؟
حين قرّرت أن أكتب كان يجب أن أعمل لأكون مؤثرًّا وحقيقيًا، لا أكتب للعبث، وكان يجب أن أعلّم نفسي على المزيد من الصدق والمزيد من الإنسانيّة، لأنّ الكتابة لا تربطك بنفسك وحسب بل تربطك بالآخر، ربما في بعض الأحيان تكون مسؤولاً عن الآخر، وقد عايشت كثيرًا من التجارب التي فهمت من خلالها أن الكلام الّذي أكتبه –ولو كان غير صحيح تمامًا- قد تجاوز كونه كلامًا وحسب، بل إن هناك من يعمل به ويتخذه قاعدة وربما يعتبره الحقيقة الوحيدة المفقودة، ومع القراءة الطويلة وتجربتي في القراءة التي أعتز بها وفخور بنفسي من خلالها، أؤمن بهذه الفكرة، فكرة أنّ يتأثّر أحدهم بكاتب ما وبكل ما يقوله، فكان علي أن أكون حريصًا ودقيقًا وأن آخذ موقف الحياد أو موقف الحقيقة إذا جاز التعبير، لأستطيع أن أوازن بما أريده وبما يريده من قد يتأثر بما أقوله، وكان علي أيضًا أن أهذّب ذائقتي وأن أساعد نفسي دائمًا لتشكيل خطاب يدعو للسلام والحب والجمال سواءً شعريًا أو سرديًا.

وبخصوص النشر لي دعوات في وزارة الثقافة وقائمة حتى الآن من قبل أساتذة وأعلام أفتخر بهم، في إصدار ديوان لي، ولكنني ما زلتُ حذرًا وغير مستعجل، وأطمح أن أعثر على قصيدتي الخاصّة لأبدأ بها.

أنيس ماذا لو قلت لك إن في معظم قصائدك قلقًا وجوديًا يتوجه إلى الأنا، يحاول أن يقدمها للآخر ككائن يعيش في الوسط، لا ينحاز إلى أي صراع، ولا يكترث بأي انتصار أو هزيمة؟ وحدوث هذا الشيء طبيعي جدًا في بداية تشكل وجدان الإنسان؟ لكن يومًا ما سيكون عليك اتخاذ موقف ما، فالبقاء في المنتصف لن يتواصل دائمًا بسبب الزمن وتقلباته وتجاذباته، وآنذاك كيف سترى الماضي، هل ستكون متصالحًا معه؟ أم أنك ستدينه، وستدين إن كان التعبير دقيقًا «منطقة الرماد»، التي تجعلك تتأمل أكثر قبل أن تبيض أو تسود؟

يريحني أن أقول إنا حين يكون الأمر متعلّقًا بوجهة نظر، خصوصًا لو كانت في الأمور التي تتعلق بالوطن، فأنا غير نحن، ولأنّي لا أملك مكانًا حقيقيًا أستطيع أن أتفاءل من خلاله أو أعطي الناس وعودًا به أو أن أقود به أشخاصًا، ف (أنا) قد تنقذني من كثير من اللغط، فهي في النهاية ستبقى وجهة نظري الخاصّة وليست وجهة نظر المشهد بالكامل.

أنا لا أرى أنّي أقف في موقف الحياد تمامًا، أو في منطقة رماديّة، فأنا ضدّ المشهد وصراعاته وأطراف هذه الصراعات، وهذا شيء آخر غير الرماديّة، لأنني في المقابل مع الخطاب العقلاني والعمليّة الديموقراطية دائمًا لأنها هي من تحدد بالشكل السليم والطريقة الصحيحة طريق المشهد المأمول والمنشود، وليس بأطراف النزاع العبثيّة والتي في الغالب تكون حزبيّة أكثر من وطنيّة، والتي تتخذ طريقتها في نشر أفكارها والظفر بأطماعها بالقوّة.

ربما لاحقًا سأكتشف أنّي كنت مخطئًا في تقدير الأمور، وهذا متوقع دائمًا فأنا لا أملك حقيقة مطلقة، ولكنّي حينها على الأقل لن أكون نادمًا، لأنّي أحاول دائمًا أن أفعل وأقول ما أحسُّ به وحسب، وهذا يعفيني من الندم،الندم، ربما هو النار الموقدة بحذافيرها، إنه شعور سيئ.

يلاحظ في كل كتاباتك اللغة المتينة المحكمة والكتابة الخالية من الأخطاء اللغوية والنحوية والأسلوبية، كيف تسنى لك ذلك، هل ثمة تكوين ديني في الصغر، دراسة في مدارس قرآنية أو مساجد وخلوات تحفيظ القرآن، وإن كان كذلك، كيف تمكنت من الانفلات من ربقة الديني والتزاماته لتخوض في عالم الشعر والانفتاح والعبارات والكلمات ذات الدلالات الحسية والمرفوضة شكلاً ومضمونًا لدى الأصوليين، وسؤال آخر هل ثمة رغبة في زمن قادم لكتابة الشعر الصوفي الذي يحتاج إلى إمكانات لغوية عالية أنت تمتلكها أم ستواصل النحت في عالم التجريب وقصائد النثر والغوص أكثر في سراديب الشعر التي لا تفضي سوى إلى الجنون؟

نعم، دخلت للكتّاب قبل أن أدخل المدرسة وتعلّمت الكتابة أيضًا، والقرآن الكريم كان له كلّ الفضل في تهذيب لغتي في وقت مبكّر من العمر، والشعر القديم كذلك كان أحد أسباب أن تكون لغتي بهذا الشكل الجيّد.

نجوت من ربقة الديني بفضل جدلي، أنا إنسان أعتبر نفسي جدليًّا وفضوليًّا وكثير السؤال والتأمّل، منذ صغري وقبل حتى إن أعرف ما أسأل عنه، كان أيضًا أنّ شيخي الخاص في الخلوة القرآنية الكبيرة كان متفاهمًا وودودًا، ويجيب عن أسئلتي المحرجة دينيًّا بطريقة كان فيها انفتاح كبير وتهذيب لطيف لفطرتي –عكس كلّ المشايخ الآخرين الّذين تعرّفت عليهم- لم يحصُل أن قيّدني أو أجبرني على اتخاذ شكل معين من اللّباس الأصولي ولم يتدخّل في تفكيري بل كان يجيب عن أسئلتي وأصبح يفضّلني على غيري في وقت من الأوقات مما جعلني مع الزمن، أفهم رسالته، وهي أن أكون أنا.

أسرتي كانت مثقّفة، والدي قارئ لديه مكتبة بسيطة ولم يعترض على كتابتي الشعر –حتى الغزل- ولم يقيّدني يومًا في ما أكتبه –حتى في التفكير الوجودي الدسم- فكان مريحًا أن أكون حرًّا من الأسرة ومن الشيخ الخاص وأن أتخذ لنفسي هويّتي وشخصيّتي، ورثت الكلمة عن أمّي، على الرغم من تجربتها البسيطة بها، وكانت أوّل من أيّدني على ذلك وساعدني على أن أتطور دون ضغط ودون فرض رأي.

مقالات ذات علاقة

حوار مع كاتبة رواية “زرايب العبيد” الليبية

المشرف العام

الدكتور محمد المفتي لـ(السقيفة الليبية): النسيج الاجتماعي الليبي أصابه الكثير من الأذى..

حنان كابو

الشاعر والروائي عبد السلام سنان….هذا الزمن هو زمن الرواية بكل المقاييس

مهند سليمان

اترك تعليق