المقالة

هذا الجمل و ما حمل

لا احد يستطيع التقليل من قيمتي ، لأنني إنسان بلا قيمة ، و لأنني لا اعرف الفرق بين الانسان القيم و الانسان غير القيم بدون التجرد من تصوراتي الاولية عن العالم ، لقد حدث في احدى الليالي المفجعة انني فقدت رغبتي في الحياة حين فهمت أن الحياة تعاش عبر اسلوب ثقافي ، بلا شك و لا اختلاف أن مقدار الحرية يعني قيمة الفرد في المجموعة ، اقصد على الاقل هذا ما نتصوره مبدئًيا في شرح الحرية ، و اقصد مرة اخرى أن مقدار حرية المجموعة تعني قدرتها على سحق قيمة الفرد ، فعناصر ثقاقتنا القمعية تظل دائما عناصر حيوية ” حرة ” طالما أنها تتفاعل مع افراد لا قيمة لهم ، هذا تنظير بدائي تفهمونه جميعًا ، و مجرد استهلال وقائي تجنبًا لسوء الفهم الواقع لا محالة…

ما اود الاشارة اليه الأن هو غرابة الانسان البدائي في عدم تقبله للاهانة فيما يخص قيمته المتلاشية داخل الجماعة ، فالجندي في جيشنا لا يقبل أن تقول له أنك مجرد حارس ابله لاحلام القائد ، و المراة في بيتها لا تقبل أن نقول لها أنك نعجة حمراء قبيحة في سرير زوجك ، و المؤمن في ديننا لا يقبل أن نقول له أنك مجرد عبد ذليل لجلباب الفقيه ، و الطفل في فرقة الكشافة لا يقبل أن نقول له أنك مجرد سيزيف صغير مهمتك رفع الحجارة و رميها على رؤوس الصهاينة ، لا احد يقبل الاهانة لا احد يقبل التقليل من قيمته حتى الجمل في ثقافتنا يعتقد أنه سفينة الصحراء حقا و يتمنى أن نشحن فوق ظهره كل شيء حتى يثبت فحولته ، و الجندي لكي يثبت قيمته لابد أن يحرس احلام سيده و يموت و يقتل اطفاله امام سرير السلطان ، و المراة لابد أن تتزوج اول رجل يصادفها و تسمح له أن يتزوج عليها لكي تؤكد صلاحها و موقعها المشرف في ثقافتنا ، و الرجل المؤمن لابد أن يغسل قدم المفتي لكي يضمن مقعده في الجامع بين اشراف القوم ، و الطفل لابد أن يقاطع مدرسته و يحمل الاسرائيليين للموت لكي يصبح بطلًا خارقًا رفقة صلاح الدين و عمر المختار…

و لا احد الآن بما فيهم صديقنا الجمل يقبل أن تقلل من قيمة عمر المختار ، لأن عمر المختار في لحظة من لحظات انهيارنا الثقافي اصبح قائدًا ميتًا للمجموعة و اصبح حرًا في فرض جمجمته داخل رحم زوجتك نفسها ، و اصبح ابنك ليس ملكك بل ملك رجل ميت ، الجمل سفينة الصحراء و ابنك سفينة اخرى تحمل جماجم اسلوبك الثقافي ، هذا اخي المواطن الكريم ، هذا الجمل و ما حمل…

مقالات ذات علاقة

بكائيات…

إدريس ابن الطيب

النيهوم وبوشويشة.. النقد لا يُفسِد الصداقة

إبراهيم حميدان

التدخل الدولي في ليبيا واستراتيجية اللانظام

عزالدين اللواج

اترك تعليق