قصة

نهـاية مـلك

 

بالمصادفة وحدها.. قد يحدث المستحيل.. تنقلب البديهيات إلى أشياء غامضة.. وتسير الحقائق على رأسها مرفوعة الذيل.. وبالمصادفة وحدها حدث ما لم يكن في الحسبان.. كانت الأرض لا تزال على قرن ثور.. وكانت الخوارق لا تكف عن الحدوث

كلما خطر للثور أن يهز رأسه بغباء.

* * *

ذات يوم من أيام الله المشرقة.. وبينما كان ملك الغابة يستطلع الأرجاء من علٍ.. ويدير شؤون رعيته، زلت قدمه فتدحرج على حين غرة باتجاه القاع.. تشبث في بداية الأمر بنتوء حجر.. أمسك بكل قوته طلبًا للنجاة.. نظر إلى قرار الوادي السحيق، فأدرك أنه ميت لا محالة، ما لم يتكرم أحد أفراد رعيته ويمد له يده أو حتى ذيله لمساعدته وانتشاله من وهدة السقوط المريع.

ولم يمض طويل وقت حتى مر الفيل بالجوار.. نادى عليه الملك بأعلى صوته : أنــت أيها الفيل الكبيــر.. أرجوك مد لي خرطومك.. وأنقذني من هذا الموت المحقق.. سأحفظ لك صنيعك هذا مدى الحياة.

لكن الفيل لم يعره اهتماما.. هز له أذنيه وأدار له ظهره الكبير.. ومضى إلى حال سبيله.. مضى دون أن يلتفت إلى الوراء.. وكأن حياة الملك لا تعنيه.

بكى الملك لأول مرة في حياته.. وتشبث بكل قوتـه.. وظل هناك معلقا لفترة من الوقـت، آملا أن يجد من رعيته من يهب لنجدته.

ومر الثور بالجوار، ورأى الملك معلقا بين السماء والأرض.. نادى عليه متوسلا: أنت أيها الثور الطيب، ألا ترى ما حل بي.. مد لي ذيلك وأخرجني من هنا.

لكن الثور لم يمد له ذيله لمساعدته.. فضل هو الآخر أن ينسحب دون عناء.. قال له وهو يودعه : مت أيها الملك غير مأسوف عليك.

وبكى الملك مرة أخرى.. بكى بلوعة شديدة.. بكى حتى ابتلت لحيته، وذاق طعم الدموع المرير.. وبلغ به التعب مبلغه، وكاد أن يسقط من شدة الإعياء، غير أنه تماسك.. قرر في نهاية المطاف أن يرمي بنفسه إلى الهاوية، ليريح نفسه من ذاك العذاب المهين.. لولا أنه تماسك.

ورأى الحمارَ يمشي مزهواً متبختراً.. فاستبشر خيراً.. وأدرك الحمار أنه الآن أضعف من أرنب برية.. وأنه بعد قليل هالك لا محالة.. فوقف ثمة ينظر إليه باحتقار وتشفي.

لأول مرة في حياته – ودونما خوف – قال له الحمار موبخًا مؤنبًا : أين جبروتك..؟ أين قوتك..؟  كم قتلت من أبرياء وشردت من ضعفاء.. ؟ تضرع إليه الملك شاكيًا باكيًا : أنقذني.. ساعدني.. أرجوك يا حمار.. وهب الحمار كالمسعور إليه.. لا ليمد له ذيله لمساعدته.. بل ليعاجله برفسة قوية وهو يقول :  ” ما تقولش حمار.. يا حمار “.

وهوى الملك إلى قعر الوادي السحيق، جثة هامدة ملطخة بالدماء، وعاش الحمار بعدها مرفوع الذيل والرأس معاً.

مقالات ذات علاقة

كلاكيت العيد

عزة المقهور

الحد الفاصل بين الشعر والنثر

عادل بشير الصاري

مـوت جـــمل !!

الصديق بودوارة

اترك تعليق