المقالة

قشة فى مهب الريح

 

حين يخذلك بريد الحظ ويتأخر عنك بتباشير لطالما انتظرتها يبدو الأمر مقبولا وإن كان على مضض , ولكن أن يأتي حتى الظرف التاريخي المعاش أيضا بأخبار لا تسر وبشكل دائم فهذا أمر لاشك أنه سيضعك وما تعول عليه وتنتظره على هامش الوعي بما يجري مما يضطرك وكل ما تبقى لديك من أقراص التفاؤل للانطواء والاكتئاب أمام محك قاسى يكشف لك عن هزال الآمال وذبول التوقعات أمام أشواك الإحباط التي تنمو باضطراد قياسي.. مع هكذا حالة تقتضى الحكمة استعادة التوازن الذهني ولملمة أشلاء القرار بل واتخاذه على عجل بإجراء جردة تقييم للمنصرم والراهن من مواقف وتقييمات ورصد ما شابها من سوء في التأويل أو مبالغة في التقدير وما آلت إليه والى أين تلاشت مواعيدها ووعودها الخوالي ؟

حيال ما حدث ويحدث لا مناص من التشاؤم وأنت ترى اعتصار أفكارك التي كنت تعتقد أنها غضة ونزيهة في قبضة وحش الخيبة الذي لا يرحم ..فهناك من يقذف بجبروت اللامبالاة بآخر بذورك في هاوية الرماد..تظلم عندها الدنيا في وجهك.ومع ذلك تحاول أن توهم نفسك..برغم الغبش انك قادر على الاستمرار بالسير في ذات الاتجاه بحثا عن بذورك دون ضوء.. تتعثر بالجمر مرة ..وتسقط بالرماد مرات …يثاقل سيرك كلما تقدمت حتى يطرحك اليأس بقاع الهاوية حيث لا شيء غير الأشواك والأحلام النافقة تترنح من شدة الارتطام بالقاع الخاوي إلا من روزنامة ارتقاء فاشلة…وتنكفئ على ما تبقى لك من صفحات تلملم وترمم أشلاءها ..

تحاول إعادة القراءة ..من أول الحال ..حتى وصولك لهذه الظلمة المزرية ….أين دورك في هذا الخوض العقيم وأين دور الآخرين ..؟؟؟ من أوهمك بأنه ثمة ضوء سيلمع في نهاية هذا العبور وأن على الضفة المقابلة سترفرف راية الخلاص…؟؟؟ ربما ستجلد ذاتك بما يكفي لمعاقبة الوهم والحمق ..ربما أيضا سيسعدك اكتشافك المتأخرلشخصك كساذج ضمن كثر ما سيخفف عنك حمل الاعتراف لذاتك بأنك لست الوحيد الذي صدق بأنه ثمة من يرى ما تراه ..ستقول أيضا مبررا غرقك لقد تعلقت بقشة وحاولت تناسى أنها عند تعاظم الموج ستطير من تلقاء نفسها وتختفي رغم وعيك المسبق بضعفها وبأن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن.. عند هذه اللحظة من المكاشفة ستدرك أن هناك ركب الريح في ليل دامس وهو لا يحمل بوصلة ولا يعرف مواقع النجوم وزرع الأفاق بكل أبراج الحظ رجما بالغيب.

فهل كانت الرحلة بلا محطة وصول فعادت أدراجها ؟ , وهل نحن جديرون دائما بالتيه واستحقاقاته ؟ , أما آن لهذه الفوضى التي تعترينا وتنتاب أي حراك لنا برقعة الزمان هذه أن تهدأ وتمنحنا بعض الوقت لإعادة النظر بخرائطنا القديمة وكحد أدنى التغير بها أوالبحث عن بدائل استدلال جديدة ؟ أليس بيننا أو لعله جدير ا بنا كلنا أن نقول نحن أبناء الضياع جميعا تعالوا لنفكر معا بطريقة ما للجم العبث وهدر الزمن وكفانا من الانفراد بالحلول ولننتج رأيا توافقيا يفضي إلى مشروع ومشروعية يتهيأ لنا طريق الوصول إلى عتبات العيش الأفضل..أما أن الأوان للتفكير بجدية فى تفكيك الأزمة…؟؟فتصوراتنا السالفة تهاوت في جب الفشل ولم يعد بالإمكان أن نصدق أن ثمة قشة وحيدة ستنقذ الكل هكذا دون متن الآخرين وتشريع يحكمها, فما يتوفر من القش لدينا لا يكفي إلا ليقصم ظهورنا .. دعونا نجمع العيدان والأغصان والجذوع فنحن بحاجة لها جميعا لخوض بحر التراكمات.

الرياح لن تمنحنا فرصة دائما خارج نطاق المعتاد ولن تخالف حكمتها..وستظل القشة من جنس القش لا حول لها ولا قوة إلا بما تمنحه هداة الريح ما سيكون سرعان ما يتلاشى…وما كنا نتصور إنها كذلك ..كان بودنا أن تناور في إطار الممكن المتاح…كان يمكن أن تلتقي في منتصف الطريق …في السياسة لا يجدي التعنت ولا الحب …أتنازل عن حق لآخذ حقاً آخر أهم بالنسبة لي ولكن لآسف..ركنت لحبها رغم الاختلاف ونست أن هناك كثراً راهنوا عليها يستحقون منها أكثر في هذا الوقت بالذات وقت هدأة الريح الذي لن يكون دائما متاحاً وقبل ان يسبق السيف العذل وتختفي الريح وتصبح الأرض براح لحربا لن يكون أحد منتصر فيها إلا الخراب..غابت الحكمة للأسف وتفجر الواقع عن انحسارات لا يمكن للقش ولو اجتمع أن يفعل الكثير في خضم هائج تتلاطم فيه المصالح والرغبات والغرائز والأغراض فوضى وتشابكت بقاعه وسطحه علائق ووشائج وضغائن وأحقاد..لن تسكت ” آلة الريح ” ولن ترضى إلا بوجودها كراعية لأحوال الطقس ونافخة للغبار والقش , وان تنازلها المؤقت لصالح النسيم لن يكون إلا للغرض وإن لم يكن سيعود الحال لما كان عليه قصف عواصف وصرير أنواء.. وهذا ما كان ….

سيبقى الحال يقارع الشكوك بوجوده في مهب الريح كل تيارات نسف الأماني بصلاحه ولن تقوى أفواهنا إلا على الصراخ المكتوم …وربما لن تعد أفكارنا الساذجة بقادرة على التعاطي مع نداءات التصديق الطوعي إلا بمكر مستحدث ؟, وهذه مكرمة ستبدد كل النوايا الحسنة تجاه أي قادم كمخلص وبأي مشروع للنجاة والحياة لا يعول إلا على البصم والتوقيع بالتأكيد في تاريخ كل الشعوب لا أحد يلتفت إلى الصمت…الصمت الذي في عرفنا العربي علامة من علامات الرضا وبند أصيل للتعاقد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي…ككل عاداتنا وأعرافنا السخيفة التي تتراكم بغباء وتنتج

مدلولاتها للاستهلاك الجماعي كقطعان ..أربعة أعوام كلمات كالإصلاح ..الفساد ..الفوضى..القطط السمان …ملأت الأذان وطبقت الأفاق ,, فجأة اختفت رغم الاتفاق والاعتراف بأن الأوضاع مهلهلة بما يكفى للبحث عن خلاص.. وخيم على المكان صمت مريع فهل الدهشة هي من ألجم الأفواه..؟؟..أم ما كان كان سراباً ؟؟ أم أنها مناورة لامتصاص نتائج ثورة عنونت شعاراتها بالسير على طريق التميز وجدت نفسها بقدرة غير القادر في ما وراء الأمم لا تحمل غير الشعار ولا احد يصفق الا للفراغ..؟ هل أدركت دولة الثورة أنها منهكة ومستنزفة وبحاجة لوقت مستقطع لاستكمال مشوارها الذي لم يصل إلى خط الرفاه والرخاء والمساواة والحرية ؟ربما ما جدوى أن تكتب عن أمرا تتابع تشابكاته وتتناسل خيباته عن قرب ويصوره لك مخيلك المشكوك في صدقه كملاذ أخير لليلك الدامس الذي يأمل في غد تباعد فجره كما كنا نزينه ونتبعه بكلمة الأفضل فلا طاولنا الغد الموعود ولا أصلحنا يومنا الموجود ولا نسال عن أمسنا الغابر.. فما يلوح في الأفق لا يستحق حتى أن تسعى حروفك باتجاهه..؟؟

أربعة أعوام ونحن نحاول التشبث بحواف واقع كان الغوص فيه كمن يتخبط بالوحل للأسف هاهي الرقاب تشارف على الغرق بسبب أننا بالغنا بالإيمان بقشة كمنقذ , هذا الإيمان الذي يبدو أنه كان غير متوفر إلا لدى السذج مثلنا من الأنام…فما نالنا إلا الضحك والشفقة من أصحاب الخبرات في الغرق والمحايدين على ضفة الفرجة…وكان الحماس أكبر من ابتساماتهم الهازئة العارفة بحدود الممكن وأبعاد المجال…

يا إلهي كم كنا صغاراً في جهد بريء كان بإدارة آخرين مجرد لعبة لم يحترم مصمموها شغفنا بالحرية وسعادتنا بالمساواة وفرحتنا بالمشاركة … لعلهم ضيعوا وقتنا , لعلهم أسرفوا في السخرية منا وقامروا بحمقنا … ولكن هل يمكنهم شق صدورنا ليعلموا كم أوغلوا في أعماقها .. وكم سفهوا من أحلامنا التى صحت على طى صفحتها هكذا بلا مبالاة.. خائبة كل المواعيد وموصدة كل الدروب فما الذى تبقى بعد كل الذى كان ؟؟؟غير هذا الصمت المريع وكان شيئا لم يكن في أربعة أعوام

مقالات ذات علاقة

من هُموم الحركة الأدبيَّة في عصر القذَّافيِّ

المشرف العام

الانتخابات الليبية.. الصعوبات والاحتمالات

صالح السنوسي

سواق الأُوتوبوس (ص)

نورالدين خليفة النمر

اترك تعليق