من أعمال التشكيلي الليبي عبدالقادر بدر.
تشكيل

فسيفساء الفرح . . فن يصادر القبح

من أعمال التشكيلي الليبي عبدالقادر بدر.

من التجارب الفنية المتميزة في المشهد التشكيلي الليبي اليوم الذي يتسم بالتنوع والغنى , تجربة الفنان عبدالقادر بدر الذي لا زال ينتج أعمالاً فنية متفردة لناحية التقنية المستعملة , فالفنان وإلى جانب اشتغالاته بالخامات التقليدية كالزيت وغيره , والتي قدم عبرها لوحات عديدة تجريدية , تميز بإنتاج مؤثثات بصرية تعتمد مادة الورق الملون وفيما يشبه الكولاج أو فن اللصق الذي اشتُهر به فن الحداثة , ذاك الذي يمزج ويجمع ما بين العجائن اللونية والقطع الورقية الملصقة وحتى الأقمشة , على ذات السطح , فيما يشبه هذا التحول الفني وغير بعيد عما اعتمده فن أو أسلوب الكولاج يعمل الفنان عبدالقادر بأناة وصبر على إنجاز لوحاته بالمربعات الورقية التي لا تتجاوز مساحتها السنتيمترين على اكثر تقدير , وعن طريق رصَّها بجانب بعضها البعض بطريقة جميلة وبأختيارات لونية متناسقة وعلى غرار الفسيفساء الحجرية كما عهدناها في أثار الحضارة الرومانية في مدينة لبدة الأثرية وبأثار صبراتة وببعض المتاحف الوطنية , بفارق غزارة اللون هنا واكتفاء تلك بألوان محدودة , لتكون النتيجة مُنجز بصري مقنع وقادر على تلبية حاجة المتلقي إلى تذوق الجمال والأستمتاع به , وكل هذا الفيض الفني ما كان له أن يتحقق لولا مثابرة الفنان الذي يتكبد التعب والإرهاق جراء ذلك لأن العمل على هكذا مُنجز يحتاج إلى الكثير من الدقة والصبر في تخميني , فالفنان هنا كما لو أنهُ ينكب على نقش قطعة حُليِّ أو بصدد وضع لوحة منمنمات بزخارف مجهرية وتكوينات دقيقة جداً , فعملية التقاط قطع الورق الملون الصغيرة تحتاج إلى أدوات خاصة كما أتصور مثل أداة ” الملقاط ” وهي الأداة المستعملة في انتزاع الشعر والزغب أو الإبرة ذات الرأس الرفيع والدقيق , قبل وضع الورق في مكانه المقدر له , ناهيك عن صعوبة طرح المادة اللاصقة على خلفية القطع الورقية إن لم تكن من النوع الذي يباع جاهزا بالمادة اللاصقة على خلفيته , والأجمل في الموضوع أن الفنان ينجز أشكاله التراثية وموتيفاته على الأسطح السوداء مع الحرص على أن تكون اللوحة وسط محيط أسود كامل , كما أن للسطح الأسود الذي يعمل كخلفية وجودا من خلال الفراغات التي يتركها الفنان وسط اللوحة متعمداً لتضفي عليها عمقاً إضافياً .

من أعمال التشكيلي الليبي عبدالقادر بدر.

وبكل تأكيد سننشر نماذج من أعمال الفنان بهذه التقنية مع المقال حتى يطلع المتلقي على هذا الضرب من التشكيل الذي ينفرد به الفنان عبدالقادر بدر دون غيره من الفنانين الليبيين بحسب اطلاعنا المتواضع على تجارب كثيرة تتحرك داخل المشهد التشكيلي الليبي وهو الأمر الذي يشكل انزياحاً بائناً , إذ أن أغلب الفنانين يعملون على الألوان الزيتية والمائية .

رغم ان بعض التهيؤات قد تنتاب المرء وهو يمعن النظر في لوحات عبدالقادر بدر المُنتجة بهذه المادة لناحية عدم حملها لصفة اللوحة التشكيلية واقترابها مما يمكن تسميته بالأشغال اليدوية التي تستثمر هي الأخرى الورق اللاصق وتعمل على موضوعات تراثية , تماما كما يعمل على ذلك الفنان عبدالقادر الذي نراه يشكل بأوراقه صغيرة المساحة , النجوم والأهلة والخميسة والحويتة والعين ويحاكي بعض قطع الحُلي الفضية , بما تحمله هذه الاشكال من جماليات ودلالات رمزية رغم انها لا تتقيد بألوان الرموز الأصلية وتمنحها ألواناً أخرى بديعة وحيوية فرضتها رؤية الفنان و تتحقق معها متعة النظر , هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد لوحات تشبه في تكويناتها قطع السجاد المشغولة يدويا بأشكالها الهندسية المختلفة , مثلثات ودوائر ومربعات وشبه منحرف , والمتراصَّة بجانب بعضها البعض في غير ترتيب وبلا نسق معين وبطريقة هي أقرب للفطرية التي عُرِفت بها المنتجات التراثية البسيطة ذات الوظيفة النفعية التي تجلت في الأواني والحلي والنسيج وعلى الجلد , نجدها هنا بألوان مستعملة كثيراً في المقتنيات التراثية والمتوزعة على السطح ويتخللها بعضا من سواد الخلفية ليضاعف بتباينه من جمال اللوحة ويعكس إشراقتها .

وقد كنت محظوظاً في سنة من سنوات العشرية الأولى من هذا القرن بمشاهدة نماذج من لوحات الفنان عبدالقادر بدر ذات معرض أقيم بدار حسن الفقيه حسن بالمدينة القديمة بطرابلس بالأشتراك مع الفنان التشكيلي خالد الصديق الذي عرض مجموعة من أعماله المائية – إن لم تخونني الذاكرة .

من أعمال التشكيلي الليبي عبدالقادر بدر.

وما جعلني أتناول هذه التجربة هو الخبر الذي قرأته مؤخرا حول إشراف الفنان عبدالقادر بدر على دورة تدريبية عن الفن التجريدي بمقر تجمع تاناروت بمدينة بنغازي , وهذ إن دل على شيء فإنما يدل على تعدد أساليب الفنان وانشغاله الكبير بالتشكيل , وأتصور أن هذا ما يجب أن يكون عليه الفنان وأن هذا أحد أسباب نجاحه , فالفنان بحاجة إلى ذلك الشغف والحب لمهنته أو لهوايته حتى يتفوق والفنان بتصوري هو ذاك الذي لا يكتفي بإجادة استعمال إحدى الخامات وإنما هو ذاك الذي يسعى جاهدا للتجريب وصقل ذاته وامتلاك أدواته وتطوير أدائه والبحث عن الجديد دائما على مستوى الخامات وعلى مستوى الموضوعات والأفكار المطروحة على اللوحة .

مقالات ذات علاقة

عبدالرزاق الرياني يوثق الذاكرة ويعيد إحياءها بأدق التفاصيل

عدنان بشير معيتيق

طه الجواشي.. رؤيا في تواقيع سفر الذاكرة

عبدالسلام الفقهي

دلالاتُ بابِ “إلهام” في “تداخل”

يونس شعبان الفنادي

اترك تعليق