المقالة

فرسان… وأخلاق…!!!

من أعمال التشكيلي محمد الحاراتي

(1)

خاض الاسكندر الأكبر اكثر الحروب شراسة ضد القائد والملك الفارسي داريوس.. وبعد ان تمكن من هزيمته مرتين بعث وراه كتيبة من الجنود وشدد عليهم ان يأتوا به حيا.. لا لينتقم منه ولكن ليعرض عليه حكم فارس تحت راية الاسكندر… فاسكندر كان يريد للأمور ان تستتب في بلاد فارس وكان يعلم اهمية داريوس ويدرك ان الصراعات بين القادة يجب ان لا تنحدر الى درك الانتقام الوحشي… وعندما علم الاسكندر بأن داريوس قد تم اغتياله على يد اعوانه قام بدفن خصمه بمراسيم ملكية وخلع ردائه الملكي وامر بأن يدفن فيه وان يتم اعدام القاتل.

(2)

آبان الحرب الصليبية كان صلاح الدين وريتشارد قلب الأسد قائدين لجيشين متقاتلين على أرض فلسطين، وكل منهما يدافع عن قضيته انطلاقا من عقيدته الدينية، ومع ذلك كانت الفروسية العنوان الأبرز لتلك العلاقة، وقد تجلت في أكثر من موقف لعل اشهرها عندما أصيب ريتشارد قلب الأسد في إحدى المعارك اصابة بالغة فأرسل له صلاح الدين طبيبه الخاص الذي ساعده على الشفاء منها. حتى أن الكاتب البريطاني والتر سكوت أراد ان يخلد هذه المكرمة التاريخية فكتب رواية أسمها الطلسم ذكر فيها أن الطبيب العربي لم يكن سوى صلاح الدين ذاته.

(3)

إحتفلت كل من بريطانيا وألمانيا منذ ثلاثة أعوام بمرور مائة عام على حدث مميز وتاريخي وقع أبان الحرب العالمية الأولى التي تواجهت فيها جيوش البلدين في حرب شرسة. كان قد مر على الحرب عدة أشهر بدت وكأنها دهر بالنسبة للجنود القابعين في الخنادق الذين اصيبوا بخيبة أمل عندما اقتربت أعياد الميلاد دونما بادرة صلح أو هدنة.

اعلنت القوات المتحاربة استراحة من القتال في يوم 25 ديسمبر 19144 فتوقفت البنادق والمدافع في معظم الأماكن على طول الجبهة الغربية، وبدأ الجنود الألمان والبريطانيون بغناء أناشيد عيد الميلاد لبعضهم البعض من خنادقهم. وفي بعض الأماكن تبادل الجنود الهدايا.

أما في جبهة بلجيكا فقد قرر الجنود الالمان و الانجليز خوض معركة من نوع أخر فخاضوا مبارة لكرة القدم متجاهلين تحذيرات ضباطهم حول مخاطر التآخي مع العدو. تبادلوا الهدايا، إلتقطوا صور، ولعبوا مباراتهم ليدخلوا بها التاريخ ولتحتفل كل من ألمانيا وبريطانيا رسميا وشعبيا بمرور مائة عام عليها. فقد قامت القنصليات والسفارات البريطانية في 25 دولة بتنظيم مباريات كرة قدم، شارك نظرائهم الألمان بالمباريات في بعض منها.

(4)

تغير العالم كثيرا منذ تلك الحرب ولكن الدرس الصغير الذي قدمه جنود تعبوا وملوا الحرب كان كبير بحيث احتفت به فيما بعد بلدانهم. فقد استطاعوا أن يميزوا بين ما هو “واجب وطني” وما هو “واجب إنساني” وأن هناك لحظات يجب ان نثبت فيها لأنفسنا ان حتى الحروب لا تستطيع ان تحرمنا من اجمل ما نمتلك… “إنسانيتنا وأدميتنا”.. ولا تنسنا ان عدونا هو الأخر بشر مثلنا.

(5)

حين نشبت الحرب بين قبيلتي البراعصة والعبيدات في القرن التاسع عشر.. وضعوا ميثاقاً شفوياً قبل القتال:

– لا قتال في الليل (من حَجّة الشمس لاعند الفجر).

– لا اغتيال ولا خديعة: (الحرب اصدار). وحين قُتِل (بوزوير البرعصي) قام شيخ العبيدات بدفع ديّته أثناء الحرب.. لأنه قُتِل في الليل بالمخالفة للميثاق.

– لا سبي ولا انتهاك أعراض.

الولية العبيدية تمشي في وطن البراعصة.. والبرعصية تمشي في وطن العبيدات.. معزّزة مكرّمة.. المرأة العبيدية حين تنزل ضيفة على البراعصة تُكرّم بالذبيحة لها على عادتهم في إكرام الضيف.. وكذلك المرأة البرعصية في ضيافة العبيدات. إنها قِيَم (لم تكن مكتوبة) حافظوا عليها طيلة عشرين عاماً مدّة الحرب.. قولوا عنهم ماشئتم: بدو.. أجلاف.. رُعاة أغنام.. أميّون.. لكنهم كانوا في حروبهم أكثر نُبلاً من متحاربي اليوم.. المتعلّمين المُثقلين بالشهادات والأنواط والنياشين..!(**)

(6)

الحرب دون مشروع سياسي وضوابط أخلاقية… هي مجرد مهرجان مفتوح للقتل والدمار

_______________________

(**) الفقرة رقم 5 للصديق الكاتب والقاص أحمد يوسف عقيلة.

مقالات ذات علاقة

شهوة التميز

عمر أبوالقاسم الككلي

سعيد المحروق ونقد العقل الكروي

سالم العوكلي

الثقافة السوداء

نادرة عويتي

اترك تعليق