المقالة

سواق الأُوتوبوس (ص)

محطة حافلات 9 أغسطس أرشيفية عن الشبكة
محطة حافلات 9 أغسطس
أرشيفية عن الشبكة

الأوتوبوس مفردة من المفردات التي مازال يشدّني إليها حنين طفولتي الممضّ وصباي الشغوف بالمدينة، وللأتوبوس، حافلة الرُكّاب في ليبيا تاريخ من الوطنية الناصعة تبتدئ بشركة النسر المساهمة للأتوبيسات “الحافلات” التي أُسسّت من طرف الليبيين “علي بن عثمان” صاحب السهم الأكبر بمشاركة “محمد بن ساسي” الذي أشتهر فيما بعد بمقاولات البناء والفندقة، والهادي العائب واحد من ثلاثة احتكروا أسطول النقليات الصحراوية الكبرى إلى حقول النفط بالسيارات الشاحنة (البياتينات) مع محمد أنقا، ومحمد عثمان الصيد. الحصص الباقية من أسهم النسر فتحت للعموم، وهي أول شركة وطنية بعد الأستقلال تسيّر حافلات في مدينة طرابلس، ودواخلها بسيارات النقل للدواخل التي ساهم فيها الهادي حمودة بسياراته البولمان والبولمينو ماركة مرسيدس وبعدها الفردينو الفولكس فاغن بألوانها الصفراء المميزة عن لوني الأزرق والأبيض الذي ميّز أتوبيسات النسر، التي أعقبت أتوبيسات شركة “أوتا” المختصر الإيطالي لـ”إتحاد النقل الطرابلسي” المتأسسة بعد الحرب العالمية الـ2، ومجالها محدّد بمدينة طرابلس وهي من أدركتها في سنوات طفولتي بلوني سياراتها الأخضر الزيتوني والأبيض على السطح.

وقد اتاح لي عمل والدي بها سائقاً دون أن أدفع ثمن التذكرة “البوليط” قرش ونصف للمحصّل “البوليتايو” فرصة للتجوّل مجّانا في المدينة ممّا ميّزني عن أترابي وساهم في إنضاج طفولتي بعلاقة مبكّرة بعوالمها الساحرة وكان انتظام مواعيد وصول أتوبيساتها وكذلك النسر لسنوات معياراً لدّقة ساعات الناس من حيث التقديم والتأخير وقد نوّه بنظامها وانتظامها في يومياته (التي أوردها محمد المفتي) أحد اعضاء فرقة مسرح درنة التي زارت طرابلس في 1946، ممتدحاً شخصية مديرها الذي كان أدميرالاً سابقاً في الأسطول البحري الإيطالي… علي بن عثمان الذي اكتسب خبرة بمساهمته مع إيطاليين وليبيين في شركة حافلات “أوتا” والشركة الموازية الأخرى شركة إتوبيسات “سباطة”، هو الذي نجح عطاءه الذي أبرمه مع شركة فيات الإيطالية لتكون أوتوبوس النسر بدلاً من “المرسيدس” الألمانية التي راهن عليها فلم تنجح صفقتها الهادي العائب.

وبعد تأميمها في العهد الثوري بعد عام 1969 أدخلت للخدمة سيارت “نصر” المصرية تجميعاً لـ “فيات”، وسيارات أخرى تركية وتقريباً إيرانية أيضاً.

مربض او جاراج أتوبوسات النسر كان في نهاية سوق الثلاثاء الجديد باتجاه باب قرقارش امام سور المقبرة الإيطالية، وأتوبيسات الهادي حمودة جاراجها كان في بداية باب بن غشير في اتجاه سيدي المصري. أما المحطات الرئيسية فكانت ميدان 9 أغسطس الذي سمّي فيما بعد 1969 بالسويحلي لأتوبيسات المدينة، وباب الجديد للحافلات التي كانت تسّمى الكوريرة أو البوسطة لأنها كانت تحمل البريد أيضا لمناطق الدواخل.

سياقة أتوبيسات “اوتا” و “النسر” وسام فخار للسوّاقة الليبيين من جيل دولة الاستقلال مع رفقاءهم من سواقّة سيارات النقل للدواخل، والشاحنات التي شقت براري ليبيا وصحراءها الشاسعة بعد بزوغ البترول بداية الستينيات من القرن الـ 20.

وقد حظيت بجيرة بعضهم الخيرّة في شارع سيدي خليفة رفاقاً لأبي فأذكر منهم بترتيب السنّ أحميدة صلاح، والمصري، وإسماعيل دونقز، والميساوي والزليطني،والمزوغي، والسوسي، وبلوزة،والخمسي، والحكيمي الغرياني، والمشاط. وأغلب هؤلاء فيما بعد إفتعلوا شاحنات خاصة بهم كالسنوسي جلاّح والسودانيين علي وخليفة اللذان كانا لهما أسطول من شاحنات “البرليه” الفرنسية للتجارة بين طرابلس وتشاد، وبعضهم اقتصر عمله سائقاً لبياتينات شركات البترول كالحمروني البوعيسي والمرغني والرمالي، وهويدي.

هذه ومضة في تاريخ الحافلات والمواصلات وعالمها الرحيب للجيل الذي وُلد في منتصف الثمانينيات من القرن الـ 20 والذي أدرك “الأفيكو” وسيلة مواصلات وحيدة وبدائية في غابة الفوضى الليبية المستمرّة من أواخر العهد الدكتاتوري إلى العهد الفوضوي اليوم.

__________

عن صفحة الكاتب على الفيسبوك.

مقالات ذات علاقة

إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر

عبدالله الغزال

شاعران وشاعرة ومرتزق وشهمان

المشرف العام

رباية الذايح سابقا

محمد عقيلة العمامي

اترك تعليق