المقالة

خرافات تونسية عن الأمة الليبية

بوابة الوسط

أبوالقاسم قزط

ما يثير الحفيظة فعلا هو إحساس التعالي الذي نلمسه عند بعض الأخوة التوانسة على الليبيين. هذا الإحساس النابع من وهم أن الليبييبن قُصر، لذلك لا ينفك الكتًّاب التوانسة يكتبون عن ليبيا والليبيين. يخيل لي أحيانا أنه انطلاقا من الإحساس بالمسؤولية تجاه الأخ القاصر، طبعا الحالة التونسية ليست فريدة بين الجيران. فحتى الأخوة في مصر تعتري بعضهم نفس الحالة، وقد أشار الكاتب البريطاني جون آر برادلي في كتابه (ما بعد الربيع العربي كيف اختطف الإسلاميون ثورات الشرق الأوسط) إلى النظرة الدونية إلى الليبين من جيرانهم الأقرب.

آخر ملمح من ملامح الوصاية المعرفية هو كتاب جديد صدر هذا الأسبوع عن سيرة العقيد القذافي بعنوان (القذافي: سيرة غير مدنسة)، وهو يدافع وينافح ويساجل، ورسالته الأولى التي قالها الكاتب المثير للجدل الصافي سعيد هو أن القذافي أكبر من شعبه!.

كأكاديمي وأستاذ جامعي مختص في الإنسانيات أشعر بحرج مستمر من الكتابات العربية والتونسية خصوصا، الذين أخذوا على عاتقهم كتابة تاريخ ليبيا وهويتها وشخصيتها، سواء المولدي الأحمر والمنصف وناس، وأخيرا المثير للجدل الصافي سعيد، أشعر بالحرج لأساتذتي العظام في جامعة بنغازي، والرواد الكبار في جامعة طرابلس، شخصيا أشعر بالحرج لأن هويتي الأساسية أكاديمي وكاتب، هل من المنصف أن نترك الجيران من تونس ومصر والأردن والجزائر يكتبون عن ليبيا، ألسنا أحق من أيمن العتوم بقدح القذافي، وأحق أيضا من الصافي سعيد بمدح القذافي.

أي شخص في الجارة الغربية، لن يتردد في ممارسة أستاذية حمقاء بعفوية ساذجة، حتى لو كان هذا الجار ماسح أحذية، سيقول لك (المشكل متع القذافي أنه جهل الليبين، يعني القذافي معلمش الليبيين، والحبيب بورقيبة قال له يثورعليك شعب متعلم خير من يثور عليك شعب جاهل) ويخلص التونسي إلى شتيمة مركبة لكل الليبيين وهي أنهم جهلة، وثورتهم على دكاتورهم كانت ثورة حمقى، وهي كما تنبأ بورقيبة ثورة مكروهة لأنها من شعب جاهل، وشتيمة أخرى للقذافي أنه قام بتجهيل شعبة، وأي نقيصة أعظم من ذلك.
في البداية لست في مقام المقارنة بين بلدي ليبيا وغيرها من البلدان، قناعتي الراسخة أن ليبيا بلد صغير ولا يمكننا التبجح وادعاء العظمة، لكن نظرة الاستعلاء مرفوضة حتى من الأمم التي تجوب مجاهل الكون.

فالوهم الذي يعشعش في أذهان إخوتنا التوانسة غير صحيح فعدد حملة الشهادات في ليبيا أكثر من تونس، وعدد طلبة الجامعات في ليبيا أعلى نسبيا بكثير من تونس. صحيح ليس لنا تعليم جيد لأننا طيلة خمسين سنة فشلنا في بناء المؤسسات، وهذه عيوب في الحكومات المتعاقبة في ليبيا من عام 1969. لكن على المستوى الفردي فالتعليم منتشر بشكل أفقي، وهناك كوادر ليبية تخرجت من جامعات ليبية تمارس أعمالا ومهنا في دول متقدمة، فمثلا في بريطانيا وحدها أكثر من 3000 طبيب ليبي،ليس لنا خطوط طيران ناجحة لكن العشرات من الطيارينالليبين يطيرون على أهم شركات الطيران في دول الخليج… ليس لدينا قطاع نفط نشط، لكن العديد من كبار مهندسي البترول الليبيين يعملون بدول الخليج.

لا أريد أن أحصي أمثلة. لكن للإخوة في تونس حصرا وهم الجار الجنب، يجب أن يتحرروا من أوهامهم عن ليبيا، ومن يفخرون ببصيرته وقدراته التنبؤية الحبيب بورقيبة باني تونس الحديثة، يجب ألا ينسوا أنه من حومة الطرابلسية هاجر جده في القرن التاسع عشر من مدينة مصراتة، ويجب ألا ينسوا أيضا أنه في ستينيات القرن الماضي كان رئيس تونس الحبيب بورقيبة ووزيره الأول الباهي الأدغم وهما الاثنان من أصول ليبية، وهما من أهم رموز دولة الاستقلال في تونس، وهما ممن صاغوا الشخصية التونسية الحديثة.
نحن في ليبيا الأحق بصوغ الهوية الليبية والشخصية الليبية. أين وزارات الثقافة والتعليم؟ أين الجامعات وروابط الأدباء؟. ليبيا ثقافيا بكر لادراسات عن الإنسان الليبي والهوية الليبية، ولا توجد مقاربات إبداعية للتحولات الضخمة التي عاشتها ليبيا طيلة الـ 70 سنة الماضية.

اطلعت على جزء مهم من الكتابات العربية عن ليبيا بعد عام 2011 من بومسهولي والعتوم والصافي سعيد إلى المولدي الأحمر ومنصف وناس، ورغم القيمة الإبداعية والضبط المنهجي الذي لا يمكن جحوده، إلا أن النصوص بها أخطاء في المسميات والتواريخ، والأماكن، مما يشعرك كليبي بالغربة أمام هده النصوص رغم رصانة أغلبها.

الأهم أننا نحن الليبيين رغم اختلافنا الأحق والأجدر بكتابة تاريخنا وتشكيل وعينا ورسم هويتنا، لا بد أن نصوغ نحن هويتنا من خلال أعمال إبداعية وتنظيرية تكشف عن الشخصية الليبية والهوية الليبية في منابعها الأصيلة.

مقالات ذات علاقة

ثلاث مقالات

محمد دربي

صورة وذكرى

مهند سليمان

العمل الارتجالي لا يفيد

المشرف العام

اترك تعليق