“إن الخيانة في حد ذاتها ميتة حقيرة ” *غسان كنفاني
أسدل الليل وشاحه ينكش الخطايا .. والدمع يحط صبغة الرحيل ..
اضطربت مقلتاها في فضاء الضجر .. باحثةً عن ملامحها الضائعة .. فلمست كلتا حاجبيها لوحة التذمر .
هنا دون أن ترى !
سرحت في هياج مولع بدخان الماضي .. فتمتمت في جولة ضياع .. حتى شعرت بنعاس .. فتثاءبت منحنية تحدق في سواد الخرس .
مع قدوم رياحٍ متشنجة .. تستهوي عواء البيوت المهجورة ..
تزفر سبابتاها بين رموش النوافذ .. إلي أن تشكلت معزوفة سيمفونية طويلة الكفن .
الذكريات تستلطف الجدران المسنة .. تلتمس بعناق الأمس اللذيذ , ورثاء مدلل على كف العتاب .
أمسكت الكأس بعنف , تفرك إصبعيها بشدة , إلى أن احمرت وجنتيها . فلا شيء يغطي الخطيئة حتى لو تلثم الوجه بجبل ثلج ! .
وهي تجرع ببطءٍ شديد .. اختلط خيالها , في قطرة لذات ..
المشتكية تنوح ما تبقى من عقلها .. تستنشق رائحة البيت ببلادة .. وعيونها تحلب همس الوداع .
ذرفت تقاسي صمت الدار .. تنفث الآهات في حضرة “الحسرة” .
استأنست بقلبها المتحجر .. وهي تلعق رحيق القلق ..
ظنت بي !
وهي في قعر الظنون تحقن الشك الأول فالأول ..
لم تلحظ !
سارعت في شبك هذيان حمقها .. وأفرطت تطقطق أصابع الندم .
لم تستسلم !
لكنها , عجزت عن فعل شيء .. عجبا ممن تستمد قواها في لحظة عجز! ..
وتتهاون من ركب الخطيئة .. ومن ثم تنفلت فور خبطة قرار .
تهرب من حنق السؤال .. تخطف ستة همساتٍ صغار..
كاذبة , والكاذبة , والكاذبة , والكاذبة , والكاذبة .. على نطق لسان “الرجيم ” .
البصق في وجه الحياة ..
في وجه الريح ..
في وطن “النساء الأعوج ” .
يكتمن سر غريزةً تأتيك بغتةً .. ريثما تصاب بالجنون .. تقضم نوايا لعاب البارحة .
شاهدتها ,, “حرباء ” منكمشة في جدلٍ وحوار ..
شاءت سيدتي في قبحها الجميل .. تقرص أحمر الشفاه .. تلوك الشتم .
شاءت ممتنة !
تنهار بقلبها كالصريم .. ترجو جواب المطر .
****
سهرت تنكش لؤمها اللطيف .. ينزوي علة الظلام .
كأسها ينعت تلاحم أجسادٍ صماء , خرت تتسأل عن “عتـاب مثقف ” .
جلس ! ..
لم يخاطر بقبلة .. فجمدَ هدية العام الماضي ..
الساعة ألان .. “الــواحدة في منتصف الشفقة “
جسداً عاري مكث ساعاتٍ يجادل خبايا كتمان الشرود .
استنجد مستنجداً يستنجد في قدر الضباب .
وهي تعي عطش عابرها .. أدركت محنة السفر .. وانحنت رفقة “الوساوس ” .
فانتفضت كومة من المشاعر الخصبة.. حروفا ناضجة .. وكلمات شهية في صحن ترانيم .
أحكمت بواقع الحقيقة , حين جردت تـلاقي الجفون ..
وهي تراقب عن كثب .. جريان الدموع , أوقفتها المآقي .. بين حقول السرد .
وفجأةً , ظهرت عبرة إخلاص .. مجردة من كل الشبهات ..
جفت جفاف الرحيل .. شربت ملح الدهر .. وزفت بشارة الرماد .
****
تعزف لغة النقص .. الآهات .. والتبريرات .. والاعتذارات اللاتـــي .
ويبقى الصمت مواري جرعة حكمة..
يماطل في تردد .. بكاء “حمــقاء ” .
أمسكت خصلة الندم , وناورت الآلام..
فحرقت غصن الأمان .. قبل أن تغرق في بحر الرمل ..
مجـددا **
حشرت أنفها المــدبب طيلة النهار .. وأرهقت العناد حتى اكفهر وجهه ..
عانقت عرق المستحيل .. واكتفت بالعبرات والزفير ..
حتى مجيء المساء .
ما تكلم الوجع على خد “النوم ” إلا وفكر في بوح السطور .
فكيف “لسيدتي ” تداعبُ سوط العناد ؟ وتنجرف نحو القـيود ..
فكلا للـــوعود !.
كم شكرتُ الشكوك .. حين خان الربيع وفعل فعلته ..
عطش حروف الوداع , يوم لطخه صيف النهار .
تطايرت نقوش الخونة , واندثرت على ظهر غيمة ..
هوت من قلق الخريف , وتساقطت الوريقات على حبل العهود .
لم يبقَ دليل .. لم يبقَ سوى عِقد قنديل .
****
سنعيش في العبث .. ما دمنا مــرغمين على ذلك .
قالت ” لست مسكينة !
لكني , لا أملك الماضي .. فهل سيعود ؟
سيعود .. سيعود …