شعر

جرعة خريف

“إن الخيانة في حد ذاتها ميتة حقيرة ” *غسان كنفاني

أسدل الليل وشاحه ينكش الخطايا  ..  والدمع يحط صبغة الرحيل ..

اضطربت مقلتاها في فضاء الضجر .. باحثةً عن ملامحها الضائعة .. فلمست كلتا حاجبيها لوحة التذمر .

 هنا دون أن ترى !

 سرحت في هياج مولع بدخان الماضي ..  فتمتمت  في جولة ضياع  .. حتى شعرت بنعاس ..  فتثاءبت منحنية تحدق  في سواد الخرس .

 مع قدوم رياحٍ متشنجة .. تستهوي عواء البيوت المهجورة ..

 تزفر  سبابتاها بين رموش النوافذ .. إلي أن تشكلت معزوفة سيمفونية طويلة الكفن  .

الذكريات  تستلطف الجدران المسنة .. تلتمس بعناق الأمس اللذيذ , ورثاء مدلل على كف العتاب .

أمسكت الكأس بعنف , تفرك إصبعيها بشدة , إلى أن احمرت وجنتيها .  فلا شيء يغطي الخطيئة حتى لو تلثم الوجه بجبل ثلج !  .

وهي تجرع ببطءٍ شديد  .. اختلط خيالها , في قطرة لذات ..

المشتكية تنوح  ما تبقى من عقلها .. تستنشق رائحة البيت ببلادة .. وعيونها تحلب همس الوداع .

   ذرفت  تقاسي صمت الدار ..  تنفث  الآهات في حضرة “الحسرة” .

 استأنست بقلبها المتحجر .. وهي تلعق رحيق القلق ..

  ظنت بي !

  وهي  في قعر الظنون تحقن الشك الأول فالأول ..

لم تلحظ   !

سارعت في شبك  هذيان حمقها ..  وأفرطت  تطقطق أصابع الندم .

 لم تستسلم !

 لكنها , عجزت  عن فعل شيء  ..  عجبا ممن تستمد  قواها في لحظة عجز! ..

 وتتهاون من ركب الخطيئة  ..  ومن ثم تنفلت  فور خبطة قرار .

تهرب من حنق السؤال ..  تخطف ستة همساتٍ صغار..

  كاذبة , والكاذبة , والكاذبة , والكاذبة , والكاذبة .. على نطق لسان “الرجيم ” .

 البصق في وجه الحياة ..

 في وجه الريح ..

  في وطن “النساء الأعوج ” .

  يكتمن سر غريزةً  تأتيك بغتةً .. ريثما تصاب بالجنون ..  تقضم نوايا لعاب البارحة .

شاهدتها ,, “حرباء ” منكمشة في جدلٍ وحوار ..

 شاءت سيدتي في قبحها الجميل .. تقرص أحمر الشفاه .. تلوك الشتم  .

  شاءت ممتنة !

 تنهار بقلبها  كالصريم .. ترجو جواب المطر .

****

سهرت تنكش لؤمها اللطيف .. ينزوي علة الظلام  .

 كأسها ينعت تلاحم أجسادٍ صماء , خرت تتسأل عن “عتـاب مثقف ”  .

  جلس ! ..

  لم يخاطر بقبلة ..  فجمدَ هدية العام الماضي  ..

 الساعة ألان ..  “الــواحدة في منتصف الشفقة “

 جسداً عاري مكث ساعاتٍ يجادل خبايا كتمان الشرود .

استنجد مستنجداً يستنجد في قدر الضباب .

وهي تعي عطش عابرها .. أدركت محنة السفر .. وانحنت رفقة  “الوساوس ” .

فانتفضت كومة من المشاعر الخصبة.. حروفا ناضجة .. وكلمات شهية في صحن ترانيم  .

أحكمت بواقع  الحقيقة , حين  جردت  تـلاقي الجفون ..

  وهي تراقب  عن كثب .. جريان الدموع , أوقفتها المآقي  .. بين حقول السرد .

وفجأةً , ظهرت عبرة إخلاص .. مجردة من كل الشبهات ..

 جفت جفاف الرحيل .. شربت ملح الدهر .. وزفت بشارة  الرماد .

****

تعزف لغة النقص .. الآهات .. والتبريرات .. والاعتذارات اللاتـــي  .

  ويبقى الصمت مواري جرعة حكمة..

 يماطل في تردد .. بكاء “حمــقاء ”  .

 أمسكت خصلة الندم ,  وناورت الآلام..

 فحرقت غصن الأمان .. قبل أن تغرق في بحر الرمل ..

 مجـددا **

حشرت أنفها المــدبب طيلة النهار .. وأرهقت العناد حتى اكفهر وجهه ..

 عانقت عرق المستحيل ..  واكتفت بالعبرات والزفير ..

  حتى مجيء المساء .

 ما تكلم  الوجع على خد “النوم ” إلا وفكر في بوح السطور  .

 فكيف “لسيدتي ” تداعبُ سوط العناد ؟ وتنجرف نحو القـيود ..

 فكلا للـــوعود !.

 كم شكرتُ الشكوك .. حين خان الربيع وفعل فعلته ..

  عطش حروف الوداع , يوم لطخه صيف النهار  .

 تطايرت نقوش الخونة , واندثرت على ظهر غيمة ..

  هوت من قلق الخريف  , وتساقطت الوريقات على حبل العهود .

 لم يبقَ دليل ..  لم يبقَ سوى عِقد قنديل .

****

سنعيش في العبث .. ما دمنا مــرغمين على ذلك .

قالت ” لست مسكينة !

لكني , لا أملك الماضي .. فهل سيعود ؟

سيعود .. سيعود …

مقالات ذات علاقة

ميلاد

جمعة عبدالعليم

التلويح لسفينة نوح

سعيد المحروق

غمر الماء اسمي!

سراج الدين الورفلي

اترك تعليق