تراث

امْوَاير ولد لجواد (3) للشَّاعِرِ عبد السَّلام بوجلاوي

الإبل

 

… لَكِنَّ تَغَيُّراتِ الزَّمَانِ وَتَقَلُّبَاتِهِ لا تُؤَثُّرانِ فِي الزَّيْنِ، وَلا فِي الرَّدِيءِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَاضٍ على مَنْهَجِهِ، مُحَافِظٌ عَلَى مَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنْ خُلُقٍ وَسُلُوكٍ وَطَبَائِعَ:

ومهما الزَّمان تصيرله من لَفَّهْ * الزَّين زين ديما والنَّذيل نذيل

وَيَضْرَبُ الشَّاعِرُ مَثلاً وَاقِعِيًّا يَدْعَمُ بِهِ صِدْقَ دَعْوَاهُ؛ فَالْجَمَلُ مَهْمَا ضَعُفَ وَأَصَابَهُ الهزَالُ حَتَّى يَسْقُطَهُ مَيْتًا، فَعِظَامُهُ الْكَبِيرَةُ لا تستوعِبُهَا القُفَّةُ، وَالشَّاةُ مَهْمَا أُوتِيَتْ مِنْ قُوَّةٍ فَلَنْ تَتَمَكَّنَ مِنْ حَمْلِ مَا يَحْمِلُهُ الْجَمَلُ، وَمَقْصَدُ الشَّاعِرِ تِبْيَانُ أَنَّ الأَجْوادَ مَهْمَا قَسَتْ عَلَيْهِمُ الأَيَّامُ، وَتَبَدَّلَتْ أَحْوَالُهُم، وَتَغَيَّرَت ظُرُوفُهُم، فَسَيَظَلُّونَ فِي مَقَامِهِمُ الْعَالِي، وَمَكَانِهِمُ الْمَرْمُوقِ، مَثْلَمَا هِيَ الحَالُ عِنْدَ الأَنْذَالِ الَّذِينَ لَنْ يُغَيِّرُوا طَبَائِعَهُمُ الدَّنِيئَةَ، وَأَخْلاقَهُمُ الْوَضِيعَةَ بِمُرُورِ الأَيَّامِ، وَتَبَدُّلِ الْحُقُبِ وَالأَزْمَانِ:

وَحَتَّى لو اضعف لشقر مدورم خِفَّهْ * وطاح مِ الجفا فوق الوطاه هزيل

هَشِيمَةْ أعظامه ما تجي في الْقَفَّهْ * والشَّاهْ لو تَقَوَّتْ ما الحمل تشيل

#في_المُخْتَتَمِ،

مِنْ خِلَالِ سِبَاحَتِنَا في رِحَابِ القصيدَةِ البَاهِرَةِ نَلْحَظُ الملْحُوظَاتِ التَّالِيَةَ:

لَقَدْ تَجَلَّتْ فِي القَصِيدَةِ بَرَاعَةُ الشَّاعِرِ في التَّصْوِيرِ الدَّقِيقِ، وَجَزَالَةِ الأَلْفَاظِ، وَقُدْرَتِهِ على تَوْظِيفِ الأَمْثَالِ الشَّعْبِيَّةِ المتدَاوَلَةِ دُونَ تكلُّفٍ بِأُسْلُوبٍ رَاقٍ رَائِقٍ شَائِقٍ، كَمَا ظَهَرَتْ بَرَاعَتُهُ في سَلْسَلَةِ المَآثِرِ، وَالرَّبْطِ الْعَفْوِيِّ بَيْنَ الأَبْيَاتِ، وَاعْتِمَادِ الأَسْلُوبِ الدَّائِرِيِّ المحكمِ مما جَعَلَ القصيدَةَ تَدُورُ في دَائرَةٍ وَاحِدَةٍ مُحْكَمَةِ النَّسِيجِ، بَاهِرَةِ الأَضْوَاءِ.

والقصيدَةُ جَامِعَةٌ مَانِعَةٌ؛ إذْ أنَّ الشَّاعِرَ لم يَتْرُكْ مَأَثْرَةً، وَلَا مَنْقَبَةً، وَلا مَحْمَدَةً، وَلَا صِفَةً وَلا خُلَّةً لِلْأَجْوَادِ إِلاَّ وَأَوْرَدَهَا ذِكْرًا فِي تِصْرِيحٍ مَشُوقٍ، أَوْ إِشَارَةً فِي تَلْمِيحٍ ذَكِيٍّ؛ مما أَسْبَغَ على القَصِيدَةِ رِدَاءَ الإِحَاطَةِ وَالنُّضْجِ وَالاكْتِمَالِ، وَجَعَلَهَا أُنْمُوذَجًا رَائِعًا لِلْقَصِيدَةِ الشَّامِلَةِ الْوَافِيَةِ، قَصِيدَةً مُثْلَى صَالِحَةً لأَنْ تُدَرَّسَ لِنَاشِئَةِ الشُّعَرَاءِ الشَّعْبِيِّينَ، وَوَثِيقَةً أَمِينَةً لِمُحِبِّي الأَجْوَادِ، وَالْمُعْجَبِينَ بِذِكْرِهِمْ وَسِيَرِهِمْ، يَتَلَذَّذُ بِهَا أَهْلُ العُقُولِ، وَطُلَّابُ الْحِكْمَةِ، والبَاحِثُونَ عَنِ الْمَوْعِظَةِ.

________________________

من مخطوط كتابي #فِي_رِحَابِ_قَصِيدَةٍ : قِرَاءَاتٌ فِي قَصَائِدِ شَعْبِيَّةٍ.

مقالات ذات علاقة

الصُبح يطل

هليل البيجو

شيءٌ من بلاغةِ لقطعِ

جمعة الفاخري

المسك في ديوان (هي كل شي) بوهارون

المشرف العام

اترك تعليق