من أعمال التشكيلي عادل الفورتية
قصة

الوحل

من أعمال التشكيلي عادل الفورتية
من أعمال التشكيلي عادل الفورتية

 

سار في الدرب المؤدي إلى غايته ، مسح المكان بنظرة خاطفة ، اهتز لمنظر جموع الناس المتزاحمة ، أرعبه الضجيج المتصاعد من الجموع ، أرتعش داخلياً ، تعاظم نبضه ، أحس بالاختناق والرغبة في الهرب بعيداً عن الازدحام الشديد ، استدار ، نكص عائداً ، مشى بضع خطوات ، تراءت له وجوه أطفاله واحتياجاتهم ، جوعهم إلى الوجبة الدسمة زعزع كيانه ، نظرات أصغرهم ذبحت سكينته ، احتياجات البيت الضرورية أنهكت الجسد والروح معاً فعاد وأقتحم الزحمة، علا الضجيج من جديد ، تناثرت روحه ، تهاوت في أعماقه أشياء ، اصطدمت هناك في القاع ثم ارتدت ، شعر بأن روحه مثل جسده تتقاذفها المردة وكل عفاريت الدنيا، أيادي بشرية تدفعه ، أجساد تبعده ، روائح كريهة تلتصق به ، شتائم وكلمات نابية تتطاير في الهواء مع الأحذية ، جسده الضئيل لا يحتمل هذا السيل الجارف من الجموع لكنه صمد ، تمنى لو وصل قبل غروب الشمس ، الجموع أطبقت على جسده الصغير، حاول أن يدفع عنه الأجساد، أن يصرخ بأعلى صوت ، أن يبعد عنه هذه الأجساد الثقيلة التي التصقت به كالرصاص ، هذا الكم الهائل من الهم الجاثم على صدره ، تذكر ديونه المتراكمة فصمد ، قاوم كل شيء كي يصل.

مع غروب الشمس وصل ، ممزق الثياب ، لكن علامات الفرح والسعادة ارتسمت على وجهه ، أخيراً وصل إلى شباك الصراف ، وبيد مرتعشة تناول راتبه ، لملم دنانيره، لكن سيل الأجساد الثقيلة دفعته بعيداً ، سقط تحت أحذيتهم ، تناثرت دنانيره ، داسته الأقدام وغاص جسده الضئيل في الوحل .

مقالات ذات علاقة

انتخبوني رئيسًا

محمد المسلاتي

ذو المعطف الأحمر

المشرف العام

أزهار الفقد

المشرف العام

اترك تعليق