طيوب عربية

النقد الرقمي ومستقبل السرد مع الوسائط الحديثة

ملخص بحث مؤتمر النقد ومستقبل السرد الذي شارك به الكاتب في مكتبة الاسكندرية مارس2016.

ميدل ايست أونلاينبقلم: السيد نجم

عن الشبكة
عن الشبكة

شكلت التقنية الرقمية الجديدة قوام الحياة اليومية للأفراد (وإن إختلفت من مكان إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى).. فزادت المعلومات وعلت المعرفة، حتى أصبحت تقود إلى الثروة والتحديث، من خلال “الإبداع” و”الإبتكار”، سواء فى الثقافية أو فى الإقتصاد.

ففي مجال الإبداع الأدبي الرقمى، شهد عام 1968 أول النصوص الإبداعية (بعد الظهر- مايكل جويس). وبرز السؤال حول طبيعة “النص الرقمي” وهويته، كما برز السؤال: ماذا عن القارئ/ المتلقي/ المستهلك/ المتصفح، وماذا عن القراءة؟ هل من اشتراطات لقارئ جديد؟ ثم ماذا عن تأثير تلك التقنية الرقمية الجديدة على النص الرقمى، وجماليات النص الأدبى الجديد؟ وبالتالى أصبح البحث عن إجابة، هو البحث عن محاور النقد الرقمى الجديد.

* علاقة المعرفة واللغة بالإبداع؟

أما وقد اتسمت التقنية الرقمية الجديدة، بالقدرة الهائلة على توفير “المعلومة/ المعلومات”، بات من الطبيعى البحث بعلوم جديدة حول تحويل تلك المعلومات إلى معرفة، قادرة على إضافة الجديد للفكر الإنسانى.

تلك المعرفة المتوقعة مع التقنية الرقمية، تعتمد على توظيف لغة أكثر تعقيدا من لغة “الأبجدية”، مع توظيف ملكة الإبداع. وقد حاول البعض تعريف “الإبداع” بكونه الإتيان بالجديد، وهو تعريف غامض، فليس كل جديد يعد إبداعاً. لعله تعريف ناقص لم يعط الإبداع الفني والأدبي دلالاته (الإبداع الجمالي). ذلك الجمال الذي هو نتيجة ملكات أعلى (التفكير) والتي تميز الإنسان عن غيره من الكائنات.

ومع معطيات الرقمية أو التكنولوجيا الجديدة في الإتصال والإعلام، بكل وسائطها المرئية والمسموعة والمكتوبة والممغنطة والإلكترونية، تصبح الأسئلة التالية مطروحة ومشروعة: ماذا عن حال الإبداع فيها؟ وما تأثيرها على المتلقي؟ وهل هناك مفهوم جديد للإبداع بالنظر إلى هذا المعطى الجديد، وبالتالي كيف نقرأ معطيات “الإبداع” الجديد والمتاح أيضا؟

* عناصر الإبداع الرقمى الجديد

وسائط التقنية الرقمية، هي: الصورة – الصوت – اللون، ثم الحركة، وتجيء الكلمة في النهاية (بعد أن كانت قبلا “الكلمة” في المقدمة). وهو ما يعنى أن “النص الرقمي” متعدد الأدوات، ومتنوع، يخاطب الأحاسيس والمشاعر ولم يتخل عن العقل.

سوف نتناول عنصري “الصورة” و”الصوت”، أكثر تفصيلا، نظرًا لسيادتهما على التقنية الجديدة في كل المجالات، حتى سمى العصر الجديد بـ “عصر الصورة”، وإمكانية مشاركة الصوت فى كافة الإبداعات المختلفة.. (وهناك اللون والحركة والكلمة.. ولها مجال آخر تفصيلا).

: “الصورة” نصاً ثقافياً: الآن لا يمكن تصور الحياة المعاصرة من دون الصورة. فالصورة حاضرة في الأسواق وفي الوسائل التعليمية، وعبر الإعلام والفنون المرئية، وأخيراً على شاشات أجهزة الكمبيوتر.

تعريف الصورة ودورها. يشتق المصطلح من كلمة لاتينية تعنى “محاكاة”، وفي المجال السيكولوجي مترادفة مع: “التشابه”، “النسخ”، “إعادة الإنتاج”، وفى العربية تعنى: “هيئة الفعل”، “الأمر وصفته”. أما “الصورة الرقمية” المولدة بالكمبيوتر فقد أدت إلى تحولات جذرية في الثقافة الإنسانية، نظراً لدورها كمعلومة، مع سهولة الحصول عليها والتعامل معها، ثم تخزينها وإنزالها.

وعلاقة الصورة بالإتصال الأدبي أساسية لأن الصورة واحدة من أهم وسائل الإتصال، فقد وضع شارل بالي الصورة الأدبية في الإتصال الشفاهى جوهر المجاز، واعتبر المجاز معياراً للتميز بين المكتوب والمنطوق، ما جعل الأنثروبولوجيين يعتمدون على الفولكلور الشفهي بوصفه مفاتيح لفهم أفضل للثقافة. أما وقد كانت “الصورة” من خلال البحوث الأدبية محددة بالوظيفة الإستعارية للصورة اللفظية.. أصبحت “الصورة” في مرحلة تالية تعامل بوصفها “نصا ثقافيا”.

المقصود بهذا المصطلح الجديد، كون الصورة وحدها قادرة على خلق حالة معرفية وشعورية تغني عن الكثير بل والكثير جداً من الكلمات (كما فى صورة الطفل الفلسطينى الذى يحمل حجراً بيده فى مواجهة دبابة إسرائيلية، وقد أصبحث أيقونة ورمز الإنتفاضة الأولى والثانية).

* الصوت معضد للصورة في اللغة الرقمية. يعد الصوت وسيطا مهما بين الإنسان والبيئة التي يعيش فيها، وهو عادة يقسم إلى صوت مرتفع وآخر منخفض. أو أصوات منفرة وأخرى محببة.

وقد بدأ الموسيقى شيفر دراساته حول كون الصوت مجالا مهما في الإتصال، أو “الإتصال الصوتي”. وقد تبعه في البحث “تروا”، الذي خلص إلى أهمية الصوت في كونه وسيلة لتبادل المعلومات، وخلص إلى أنه عادة يرجع الصوت إلى السؤال: ما أو من؟ أي السؤال عن مصدر الصوت، إلا أنه لاحظ أن بيئة المستقبل، يمكن أن تتقبل أصواتا ربما حادة أو منفرة، مثل تلك الصفارة (الصوت الحاد) التي تسبق تشغيل الإنترنت، ومع ذلك لا يشعر المستمع بالنفور، لأنها تهيىء المستمع إلى الدخول في الشبكة العنكبوتية.

وقد أنتج الباحث/ الموسيقى ما يعرف بـ “الموسيقى البيئية”، وذلك بأن قام بتسجيل بعض الأصوات الموسيقية، ثم قام بتمديد الموجات الصوتية، فبدت وكأنها تذاع بالسرعة البطيئة، وهو ما يجعل المستمع لها يشعر بإحساس وكأنه داخلها.

* بلاغة جديدة لتقنية جديدة:

“البلاغة” هنا تهتم بالعلاقة بين الصورة والنص (في النص الأدبى والأفلام، الإعلانات، صفحات الإنترنت، الخ)، الصور في البلاغة المرئية تعبيرات عقلية عن المعني الثقافي. يستوعب مصطلح بلاغة الإنترنت جوانب جديدة للدراسة، قد يساعد في تفسير كيفية الإقناع/ التأثير في هذه البلاغة، عندما يُعاد تشكيلها في الوسط الإلكتروني، والأهم أنه يساعد في تفسير كيف يدعم الإتصال طرق التعبير عن الذات والإبداع المشترك؟

فبلاغة الإنترنت تقاس علي جانبين: الجانب الأول “الإعتبارات الوظيفية” (مجموع ما يجعل الموقع مُستخدما بسهولة، ومُفضلا)، والجانب الآخر “الإعتبارات الجمالية” (الإعتبارات المرئية، النصية، والتفاعلية).

الإعتبارات الوظيفية: فهى تقع ضمن مهام الفنى أو المهندس التقني، وهو من يقدم البرامج والآليات التي تمكن المستخدم من إنتاج النص الرقمي الجيد أو لنقل على أعلى درجة من الجودة، سواء كان نصا تجاريا كما الإعلانات أو في المنتج الفني كما الأفلام والروايات وغيره.

إعتبارات جمالية: لم تعد القراءة بالمعنى التقليدى شرطاً وحيداً عند مطالعة النص الابداعي الرقمي، نظراً لغلبة الصورة، ولأن ما يُقرأ لم يعد بنية خطية بالضرورة (أي بتوظيف الأبجدية اللغوية التقليدية). كما لا تشغل الكلمات في وسط الإنترنت بالطريقة التي اعتدنا عليها، بل تذوب مع المحتوى في التصميم المرئي.

الخصائص الجمالية لذائقة الكتابة والقراءة معا:

“الكتابة” باعتبارها ورشة مفتوحة على الدوام، وهو الجانب الأول، بعد أن فتح الكمبيوتر أمام الكتابة آفاقا عديدة، (إمكانية إدراج الصورة والصوت في النص المكتوب.. وقابلية الإستنساخ السريعة واللانهائية.. وتحميل النص على نصوص أخرى كتابية أو سمعية أو مرئية، وتحميلها إلى نص آخر عبر الروابط التشعبية.. بالإضافة إلى إمكانية تحوير الكتابة والنصوص بالإضافة أو الحذف، مما يجعل النص أشبه بورشة عمل لا تنتهي.

: الخصائص الجمالية لصفحة الكتابة الرقمية (الشاشة)، للوهلة الأولى يجب النظر إلى الشاشة باعتبارها جسداً رباعي الأبعاد؛ فبالإضافة إلى الطول والعرض والصفحة، ثمة بُعد رابع غير مرئي بمثابة متاهة أو عمق لا متناهٍ يتضمن في الحقيقة مجموع النصوص الموجودة في الشبكة..

: “القراءة” المتشظية: كما أن الملمح الثاني للقراءة، يتمثل في تشظية النصوص أو القراءة الشذرية، أى إمكان قراءة محور في النص دون غيره، بالالتزام ببعض الروابط “اللينكات” دون غيرها.

: سمة جديدة لـ “الكاتب الرقمي”: فلم يعد هو الكاتب التقليدي، بعد أن أصبح القارىء التقليدي قادرا على الدخول والمشاركة في النص.

: “التوثيق العميق” وهو من أهم معطيات التقنية الرقمية، مع الرقمية بات حلم الإنسان بالتوثيق منذ آلاف السنين؛ وقد أثمر مشروع مثل مكتبة الإسكندرية في جمع المعارف البشرية المعروفة. وحلم الشاعر لويس بورخيس بما أسماه بـ “المكتبة الكونية” التي تضم في رفوفها كل كتب العالم.

نشير إلى أن الموسوعة البريطانية الآن في علبة من الأقراص الممغنطة، بينما وضعها ورقيا يملأ حوائط ثلاث غرف كبيرة. وقد نشر قريبا قرص واحد يضم التراث الشعري العربي كله حتى منتصف القرن الماضي، وبعشرة جنيهات مصرية فقط.

**السؤال حول النقد الرقمي؟

: التعريف بأسرار العمل الابداعى الرقمي. أي تقريبه إلى القارئ العادي مع شرح المصطلحات المتداولة، مع المفاهيم والتقنيات المستخدمة، وهي المهمة الأخرى التي يجب على النقد الرقمي التصدي لها. وبذلك يزكي المتعة التي هي الهدف الأسمى من العمل الابداعي.

: وضع المعايير المساعدة. على إبراز خصائص العمل الابداعي الرقمي، فلا يقل أهمية عما سبق من مهام نقدية. ففي جنس الرواية الرقمية (مثلا) يفضل إلا تزيد عن خمسين صفحة (إذا اعتبرنا أن قراءة ومتابعة الصفحة تحتاج إلى دقيقتين على الأقل لقراءتها، أي تحتاج الرواية إلى مائة دقيقة وهي فترة مناسبة جدا ومع عناصر التشويق لن يشعر القارئ بالملل). كما أن استخدام الجمل القصيرة، والحوار السريع المختصر، بالإضافة إلى توظف الكلمات الخبرية التي ترسم الصورة أفضل في الدلالة عن تلك الانشائية.

: شرح وتوضيح البرامج والتقنيات المستخدمة في العمل الابداعي الرقمي، مع إبراز مزاياه وضروراته في العمل، كإضافة فنية وليس حلية جماليه أو استعراضية لإمكانات المبدع الرقمي.

: التوعية لتفادى سلبيات “الواقع الافتراضي” مع مزاياه. حيث إن الواقع الافتراضي ينقسم إلى ثلاث حالات: “واقع افتراضي يخلق حالة من التوحد الكامل بين المستخدم والحاسوب، بحيث لا يشعر سوى هذا العالم المصنوع. و”واقع افتراضي محدود، ذلك الذي بين المستخدم وأجهزة المحاكاة، مثل أجهزة قياس تأثير الجاذبية الأرضية”.. و”واقع افتراضي خارجي، حيث يعيش المستخدم مع شاشة الحاسوب، منفصلا دون الشعور بالتواجد داخل واقعه المصنوع، كما يظل المستخدم معلقا، إلا أنه قادر على الانفصال فور مغادرة المستخدم للجهاز”.

: الكشف عن عقبة “التكنو اجتماعي”. وهي العقبة الناتجة عن بروز بعض المشكلات عند تماس ما هو تكنولوجي وما هو اجتماعي وسلوكي، ليقوم النقد الرقمي بشرح الحقائق والبحث عن الحلول.

: الدعوة إلى توفير المعلومات والبيانات والإحصاءات. والسعي لفض الاشتباك بين المعلوماتية والبيروقراطية ونظرة التخوف والشك مع المعلوماتية.

: البحث عن الأسئلة المتجددة في الساحة الرقمية. ماذا نريد من المعلوماتية؟ ما المشكلات الواجب مواجهتها بالمعلوماتية؟ ما هي الطموحات في المجالات المختلفة وحلها بتوظيف المعلوماتية؟.. وغيرها من الأسئلة التي تتوالد عنها.

: البحث في جوهر ودقائق خصائص الثقافة الرقمية. لم يعد “النقد” منفصلا عن جوهر العملية الإبداعية، بحيث بات على النقد دراسة قضايا “غلبة الصورة على الكلمة في الثقافة الرقمية – آفاق الإنجازات المتوقعة بفضل توظيف التقنية الرقمية.. وغيرها”.

* مواصفات الناقد الرقمي : على الناقد الإلمام بأسرار الكمبيوتر ولغة البرمجة، مثل التعرف على فن الجرافيك والإخراج السينمائي، أن يعرف فن التحريك Animation. .. الكتابة بالصورة المتحركة والثابتة.

استخدمت مؤثرات بصرية وسمعية مختلفة، باستخدام برنامج الفلاش ماكرو ميدياً.. طرق الاستعانة بمقاطع من أفلام سينمائية. وغير ذلك من إمكانات التقنية المتاحة.

: أن يكون ملما بأسرار فنون الكتابة السردية.. سيناريو السينما وكتابة المشاهد المسرحية.. أسرار الكتابة الشعرية من موسيقى وصور فنية وأوزان وغيرها.

: أن يكون ملما بأبعاد القضية/ المشكلة المطروحة للبحث، في المجالات المعرفية والاقتصادية والإعلامية المختلفة.

: مع الوضع في الاعتبار أن المنفذ الفعلي للتقنيات المهارية، ربما مبرمج أو مهندس، أو تقني ما، ومع ذلك يلزم أن يكون الناقد متابعاً عن فهم.

: أن يكون الناقد ذا معرفة تاريخية للتقنيات التكنولوجية، مع الإلمام بخصائص كل مرحلة، والمعطيات التقنية الجديدة.

: أن يملك الناقد الرقمي حسا وفهما وخبرة الناقد المتعارف عليه أولا، ثم يضاف إليها كل ما سبق من خصائص واجب توافرها.. في حالة التخصص في مجال النقد الرقمي الأدبي أو غير الأدبي.

: قد يكون التخصص النقدي حاليا غير متاح، إلا أنه مستقبلا يفضل الناقد الرقمي المتخصص.

: الوعي بسلبيات “الصورة”، مثلما الوعي بكل معطياتها الايجابية، مثل معطى السماء المفتوحة وتأثيرها على خصوصية الشعوب، وعدم مراعاة الصورة للمراحل السنية بالنسبة للأطفال.

: الوعي بسلبيات الشبكة العنكبوتية، مثل سهولة النشر وإقدام البعض على نشر ما يعد تجارب أولية وغير جديرة بالنشر، وأيضا السرقات الفكرية نظرا لاتساع مجال الاطلاع والنشر.

مقالات ذات علاقة

المقالة في علم الدلالة

فراس حج محمد (فلسطين)

امرأة تتمدد على السطر

مريم الشكيلية (سلطنة عمان)

الخوف

هاني بدر فرغلي (مصر)

اترك تعليق