المقالة

“السياسة” تعبث بخارطة “الدراما” الرمضانية

أحلام المهدي

هو المشهد الأبرز في مسلسل التاريخ العربي الحديث، صفعةٌ تشعل جسدا هزيلا لتتجاوز ألسنة اللهب جثة “البوع” وتندلع في أجساد كثيرة من المحيط إلى الخليج، وتبدأ رحلة العبث السياسي الذي طال كل شيء حتى الفنون بأنواعها، وحينها لم تتوانَ السياسة عن رسم أدق التفاصيل في حياة شعوب المنطقة التي كانت مسرحا لهذا الحريق الهائل، ولم تسلم “الدراما” طبعا من مخالب هذا الغول العظيم.

بعيدا عن الجانب الروحي الذي يراه كل منا بعينيه اللتين لا تشبهان عيون الآخرين، فإن شهر رمضان يعني الحياة الصاخبة التي تبدأ بانتهاء فترة الصوم، فمع غياب شمس النهار تبدأ الحكاية بظهور نجوم الدراما العربية الذين تعوّدوا تكثيف زياراتهم في هذا الشهر دون سواه، ربما لارتباط البعض ببيوتهم في رمضان أو لعلّه الوقت الذي يمضي ثقيلا فتُدير المسلسلات عقاربَه سريعا وتقرّب للصائم جرعة الماء وحبّات التمر.

لكن رياح التغيير التي اجتاحت المنطقة التي يعتبرها النقاد معقل الدراما الناجحة والكوميديا الجاذبة لكل الأذواق “مصر وسوريا” أعادت توزيع الأدوار والأسماء بعيدا عن الجنسية القُطرية، فزاد عدد الأعمال المشتركة التي استقطبت عددا من أبرز نجوم الشاشة في سوريا التي لازالت تخوض حربها ضد الجميع، وهذا لا يعني طبعا أن عجلة دمشق التلفزيونية قد توقفت عن الدوران، لكنها مستمرة في تصدير أجمل الأعمال للشاشات العربية، لتأخذ المشاهد إلى الشوارع الحجرية العتيقة والبيوت الفاتحة باحاتها للسماء، مع القبول الذي يحظى به نجوم ونجمات سوريا من معظم عشاق الدراما منذ أن فتح هؤلاء “دكان الدنيا” أمام المشاهد الذي تابعه بشغف، وصولا إلى”باب الحارة” الذي ولج منه الجميع إلى البيت الشامي ولم يغادروه منذ سنوات طويلة وأجزاء متلاحقة، وعلى هذا الدرب سارت مسلسلات مثل “وردة شامية”، لكن رمضان 2018 جاء حافلا أيضا بباقة من المسلسلات الغارقة في الدراما المقطوفة من واقع البلاد، مثل “وحدُن” المسلسل الذي وصف معاناة الإنسان السوري في ظل الحرب، لصاحبة الملامح الحادّة نادين خوري مع سليم صبري وآخرين، ومسلسل “ترجمان الأشواق” الذي كان ساحة اجتمع فيها أبرز نجوم الدراما السورية مثل عباس النوري الذي خلع أخيرا طربوش أبو عصام وغسان مسعود وحسام تحسين بك في حديث ذي مغزى عن انتماءات ثلة من الأصدقاء التائهين بين الفكر الصوفي والمبادئ اليسارية وغيرها في ظل الحرب المندلعة في البلاد.

وفي سياق درامي مختلف جاء “فوضى” لأيمن رضا وسلّوم حداد وديما قندلفت، وأيضا “خط ساخن” للنجمة سلاف فواخرجي، ولم يبتعد مسلسل “روزنا” لبسّام كوسا عن واقع الحرب في سوريا أيضا، مع إطلالة بعد غياب طويل للممثلة جيانا عيد.
أما الكوميديا السورية التي بدأت عظيمة بمسرحيات الاستثنائيَّين محمد الماغوط ودريد لحام، فقد منحت المشاهد العربي عددا من المسلسلات التي يضمن نجاحَها سطوعُ الأسماء المشاركة فيها، مثل “سايكو” الذي قدمته النجمة أمل عرفة بمشاركة نخبة من أبرز صانعي الضحكة منذ أيام “عيلة 5 نجوم”، مثل باسم ياخور وأيمن رضا وحسام تحسين بيك.

وبلهجةٍ أخرى وغير بعيدٍ عن السياسة وقذارة المسؤولين، عوّدنا الزعيم عادل إمام على إطلالة تلفزيونية موسمية تحظى بمشاهدين من كل الأذواق لما لهذا النجم من حظوة لكل من يبحث عن الضحكة النابعة من القلب، وفي رمضان 2018 غاب الكاتب يوسف معاطي عن سيناريوهات الزعيم، فابتعد مسلسله “عوالم خفية” بضع خطوات عن الكوميديا، وصوّر لنا حربا شرسة مع مسؤولين في الدولة، لكن إمام لم يعدم الوسيلة في أن يقدم لنا ضحكات نحبها منه تحديدا وإن بنظرة أو إيماءة صغيرة نخرج بها من حلقة كاملة.

وبالعودة إلى الظروف السياسية التي أعادت توزيع الفنانين على مختلف الساحات، فقد زاد عدد الأعمال المشتركة بين فنانين من سوريا ومصر ولبنان والأردن، لتنال هذه الأعمال شهرة واسعة وتحظى بمشاهدة واهتمام كبيرين في معظم الشاشات العربية، وجاء رمضان هذا العام حافلا بمثل هذه الأعمال، ففي الجزء الثاني من “الهيبة” عاد السوري تيم الحسن إلى الشاشة وحلّت اللبنانية نيكول سابا محل اللبنانية الأخرى نادين نسيب نجيم في بطولة العمل، وظهرت نجيم في بطولة مسلسل آخر هو “طريق” مع نجم سوري آخر هو عابد فهد، وبعد نجاحها الكبير في “كراميل” تتألق اللبنانية ماغي بوغصن في مسلسل “جوليا” بمشاركة الممثل السوري قيس شيخ نجيب، وفي لقاء مصري لبناني ظهر هاني سلامة على خارطة رمضان مع ستيفاني صليبا في مسلسل “فوق السحاب”، واعتبر البعض أن “تانغو” من المسلسلات الأكثر متابعة بالنظر إلى وجود نجم بحجم باسل خياط في بطولته، مع اللبناني باسم مغنية وصاحبة الوجه الجميل دانا مارديني.

ومن مصر التي كان لها نصيب الأسد في هذا الإنتاج الضخم، سطعت النجمة مي عز الدين في مسلسلها “رسايل” مع خالد سليم، ويحظى “لدينا أقوال أخرى” للنجمة يسرا مع هشام سليم بنسب مشاهدة عالية أيضا، بالإضافة إلى بعض النجوم في بطولاتهم المطلقة مثل الباليرينا والفنانة المصرية نيللي كريم التي داعبت نصفها الروسي في مسلسل “اختفاء”.

ويرى الكثيرون أن بعض النجوم قد يكونون السبب الرئيسي في متابعة العمل الدرامي بعيدا عن قيمته الفنية وبقية أسباب النجاح الأخرى، لهذا ربما نجحت أعمال بعينها في استقطاب العيون، مثل “أبو عمر المصري” للنجم أحمد عز، وأيضا “نسر الصعيد” لمحمد رمضان.
هي السياسة أيضا التي حرمتنا ربما من جرعة الكوميديا التي كان يقدمها الفنان الجميل ناصر القصبي الذي ودّع “سيلفي” وقبله “طاش ما طاش”، وقدم لنا هذا العام “العاصوف” الذي يحاكي ربما ما يحدث في السعودية من تغيّرات كثيرة وكبيرة، فأخذنا إلى الرياض والهزات الفكرية والاجتماعية التي طرأت عليها طيلة خمسة عقود من الزمان.

وإذ تقهقرت المسلسلات التاريخية عن مركزها الأول الذي كانت احتفظت به لسنوات طويلة، فإنها أطلّت هذا العام على استحياء في “هارون الرشيد” للنجوم قصي خولي وكاريس بشار وكنده حنّا الذين كانوا ربما سببا مهما في زيادة عدد مشاهدي المسلسل بعيدا عن سياقه التاريخي وعن “الرشيد” نفسه، وقدم الأردني منذر رياحنة مع السورية ديما قندلفت المسلسل التاريخي أيضا “المهلّب بن أبي صفرة”.

أما في لبنان، فإن رُبّ ضارة للجيران نافعة لفنانيه، فما حدث من هزات عنيفة للفن في سوريا ساعد اللبنانيين بشكل أو بآخر ليستردوا شيئا من مجدهم الآفل، دون إجحاف أو إنكار لما تتميز به الدراما اللبنانية من نكهة خاصة منذ أيام مسلسلات العربية الفصحى، وفي رمضان هذا العام قدمت الفنانة ورد الخال مسلسل “ثورة الفلاحين” الذي تدور أحداثه بين عامَي 1858 و1860، ما منحه بعضا من تميز، وفي حقبة زمنية أخرى تمتد بين عامَي 1914 حتى 1943 قدم الممثل باسم مغنية مسلسل “كل الحب كل الغرام” مع كارول الحاج.
وهكذا فإن هذه الباقة الرمضانية ضمّت عددا من الزهور المتنوعة بروائح مختلفة، ولابد أن المشاهد وجد فيها ما يروقه، ويضفي شيئا من المتعة على ليالي هذا الشهر العامر بكل ما هو روحي وإنساني وجميل.

____________________

نشر بموقع بوابة الوسط.

مقالات ذات علاقة

الصحافة في يومها

فاطمة غندور

إشكالية إعادة إعمار الذات

المشرف العام

التأثير الخفي للآيديولوجي والسياسي على الفكر

عمر أبوالقاسم الككلي

اترك تعليق