متابعات

الدكتورة فريدة المصري تحاضر عن “أدب الأطفال… النشأة والتطور”

تواصلاً لنشاطها الثقافي نظمت الجمعية الليبية للآداب والفنون مساء الثلاثاء الماضي محاضرة بعنوان”أدب الأطفال… النشأة والتطور” ألقتها الدكتورة فريدة المصري وحضرها جمهور نخبوي عريض غصّت به قاعة عبدالمنعم بن ناجي بدار حسن الفقيه حسن بطرابلس.

إعلان محاضرة أدب الأطفال في ليبيا

البداية كانت مع الأستاذة الشاعرة حواء القمودي التي أدارت الفعالية الثقافية والتي من جهتها استعرضت في عجالة السيرة الذاتية للباحثة التي شغلت وتشغل عدة مناصب من بينها عملها كمديرة لمجلة كلية اللغات ومديرة لمختبر السرديات بجامعة طرابلس وشاركت إلى ذلك في العديد من المؤتمرات الأدبية والعلمية داخل ليبيا وخارجها وألقت العديد من المحاضرات التي تتمحور خاصة حول أدب الأطفال ونشرت أبحاثها في الكثير من المجلات العلمية المتخصصة وكذلك الصحف والمجلات المحلية والعربية وصدر لها عدة كتب ودراسات نذكر منها كتاب “أدب الأطفال في ليبيا” و”التذوق النفسي” و”دراسة في أدب أنور المعداوي” و”صورة العربي في ثقافة الطفل العبري”. وفي مستهل محاضرتها شكرت الدكتورة فريدة المصري الجمعية المشرفة على هذا النشاط ونوهت إلى أنها حاولت أن تختصر هذه المحاضرة قدر الإمكان نظرا لاتساع موضوعة أدب الطفل الذي يحتاج في الواقع إلى أكثر من دراسة ومحاضرة.

وللولوج إلى الموضوع من بابه الرئيسي كان لابد من أن تُعرفهُ وتضبط هذا المصطلح – أدب الأطفال – ولهذا أوردت عدة تعريفات أتفقت على أهمية هذا الجنس الأدبي وفائدته للطفل، ومن بين التعريفات التي استحضرتها الباحثة تعريف الموسوعة البريطانية والموسوعة الأمريكية وموسوعة كتاب العالم والموسوعة العربية العالمية ومعجم الطفولة، وبهذا تكون قد أوفت هذا النمط من الآداب حقه من التعريف وباتَ واضحاً لمتلقي المحاضرة ما هيته.

وفي تعزيزها لهذا التعريف الشامل استشهدت بأراء الكاتب الأمريكي مارك توين الذي أهتم بأدب الطفل وقدم فيه روائع تعد اليوم إرثاً إنسانيا عالميا مثل قصة توم سوير وغيرها، وأكدت على أنه لا يمكن النظر إلى أدب الأطفال بمعزل عن الوظيفة التربوية والأخلاقية والترفيهية المقترنة به.

ثم تطرقت الباحثة إلى مراحل النمو لدى الطفل التي قسمتها إلى مراحل ثلاث تتمثل الأولى في النمو الجسدي والثانية في النمو الشعوري والثالثة في النمو المعرفي مع تقديم شرح مقتضب لكل مرحلة من المراحل السابقة وذلك من أجل الإحاطة بالموضوع، ومن ثم تحدثت عن خصائص مراحل النمو عند الأطفال والتي بدورها انقسمت إلى ثلاث مراحل بحسب العمر.

وفي حديثها عن أدب الأطفال، في ليبيا تحديدا وعند هذه النقطة ارتأت الدخول إلى الموضوع من جهة إعطاء نبذة عن القصص الشعبية المتداولة شفهيا والتي تشمل بالضرورة القص الخاص بالطفل وهو نوع من الآداب الشعبي تواجد على الدوام في كل المجتمعات وتخلل ثقافاتها وعند كل الشعوب ومن بينها المجتمع الليبي منذ القدم، وذلك قبل ظهور الطباعة في شكلها الحديث، وأشارت الباحثة في هذا الشأن إلى أن أول قصص شعبية في ليبيا يعود تاريخها إلى القرن الأول للميلاد وأسمها “حكايات كوبسيس الليبية” كان قد عثر على ثلاث منها الدكتور الراحل علي فهمي خشيم وترجمها إلى العربية ونشرها في كتابه”بحثا هن فرعون العربي”وهي بحسب المترجم في أهمية كتب وقصص كليلة ودمنة في المشرق وقصص إيسوب  في الثقافة الغربية.

الدكتور فريدة المصري

كما ذكَّرت الباحثة بالعمل الذي قامت به السيدة هنرييت سكسك فراج التي جمعت مجموعة من القصص الشعبية الليبية وأصدرتها في كتاب حمل عنوان “يا حزاركم” سنة 1991 بعد تنقيحها وصقلها وتبسيطها موجهة أساسا للناشئة لتعينهم على التحصيل الأدبي والعلمي، وهذا مجهود كان سيتبعه صدور جزء ثاني إلا أن ذلك لم يتم لأسباب مجهولة، ونبَّهت الباحثة في سياق سردها لتاريخ القص إلى كتاب سعيد القشاط “من القصص الشعبي في الصحراء”، وكل هذا الزخم من المعلومات والوقائع أرادت بها الباحثة النفاذ إلى جوهر الموضوع والتهيئة لما ستقوم بعرضه تاليا عندما اكتملت وتبلورت محاولات الكتابة للطفل على أيدي بعض الكُتاب الرواد الذين ذكرت منهم على سبيل المثال عبدالله جمال الدين الميلادي  الذي كانت له إسهامات في هذا المجال سواء عن طريق تخصيص جانب أو ركن للناشئة في مطبوعته “الإصلاح” أو في تحديثه للمناهج الدراسية حينذاك وإقحامه للحوارات والأناشيد والتلحين في صلب المناهج التعليمية.

وتحدثت الباحثة عن كتب أخرى غلب على لغتها طابع السجع مثل “درر الأقتباس في تاريخ الأنبياء والإسلام” لمصطفى الكعبازي وكتاب “السفر الأدبي في الرسم العربي” لمحمد المجراب وكتاب “الدروس الأساسية للناشئة المدرسية” وكتاب “تلقين الصبيان” للشيخ علي سيالة وغيرها، وكلها كتب تهتم بشكل أو بآخر بتثقيف الناشئة.

ولقيّ الطفل بحسب الباحثة على الدوام اهتماما في الصحافة المحلية التي خصصت بعض المقالات عنه وعن شؤونه وهمومه واهتماماته. وأشارت الباحثة إلى بعض ما تم نشره في مجلة جيل ورسالة الكشفية من أناشيد من قبل بعض الشعراء أمثال علي صدقي وخالد زغبية وما تفضل بنشره الأستاذ عبدالله كريستة والمربية خديجة الجهمي.

ومع تشكل الوعي التعليمي وانتشاره بين كافة أفراد الشعب وافتتاح المكتبات المدرسية نشطت حركة التأليف والكتابة للطفل، أما البداية الحقيقية لهذا الأدب فقد دشَّنها الكاتب محمد الزكرة الذي أصدر قصتي”الفلاح السعيد و”بوبي الظريف” عام 1970 ثم أصدر سنة 1972 قصة “التفاحة الآثمة”.

ثم تتالت بعد ذلك الإصدارات على يد ثلة من الكُتاب عن الدار العربية للكتاب والشركة العامة للنشر والتوزيع والإعلان فصدرت سلاسل عديدة لمحمد الزكرة ومؤلفات قيمة وهامة لكل من الكاتب يوسف الشريف الذي أعطى في هذا المجال الكثير ولا يزال حتى اليوم والكاتب الراحل خليفة حسين مصطفى الذي قدم إضافة قيمة لأدب الطفل بإصداراته المختلفة والكاتب سالم الأوجلي وسالم الهنداوي، وأكدت الباحثة على قصة الأديب الراحل يوسف بريش الذي وضع مؤلف وحيد يندرج في إطار أدب المغامرات والذي إذا شئنا تعريفه نقول أنه فرع من فروع أدب الأطفال.

تحدثت الباحثة إثر هذا العرض المستفيض عن الكتابة المسرحية الموجهة للطفل فذكّرت بتاريخ إنشاء المسارح المدرسية سنة 1946 إلى أن توج الوعي بدور المسرح في حياة الطفل بافتتاح مسرح الطفل في سوق المشير بطرابلس بمجهود نخبة من الكتاب والفنانين والادباء، وحمل أول عرض بهذا المسرح عنوان”ثعلب من غير ذيل”سنة 1977 قبل أن تتالى العروض المسرحية التي استعرضت الباحثة بعضاً من عناوينها كما أشادت بتجربة الكاتب المهدي أبوقرين الذي أصدر مجموعتين مسرحيتين حملتا أسماء”الصراع الأبدي”و”مسرحيات تربوية”أستهدف بها المسرح المدرسي سنة 1974.

وفي سياق تأريخها وتأصيلها للكتابات الموجهة للطفل نبّهت إلى شقيها المتمثل أولا في الترجمات للطفل وهو المجهود الذي تكفل به مجموعة من الكُتاب والأدباء الذين يجيء في مقدمتهم الكاتب يوسف الشريف، والمتمثل تانيا في مؤلفات الكُتاب الليبيين واستعرضت في هذا الخصوص الكثير من الكتب المترجمة والقصص المؤلفة، وبذلك تكون الباحثة قد استعرضت تقريبا كل ما كُتِبَ للطفل في ليبيا سواء كان في القصة أو المسرح في حين أعربت عن أسفها لعدم وجود إنتاج شعري موجه للطفل يعول عليه، حيثُ لم يهتم الشعراء فيما يبدو بالكتابة للطفل لأسباب غير معلومة، ووجهت لومها كذلك للكاتبات والروائيات لما وصفته بالعزوف عن الكتابة للطفل وهُنَّ الأقرب إليه من الجميع باعتبارهن أمهات ومربيات، ولعل السبب باعتقادي الذي يبرر هذا العزوف والإعراض يعود أولا وأخيرا لصعوبة التعاطي مع الطفل  في مجال الكتابة، ورغم أن الناظر والقارئ لأدب الطفل يحس بسهولة كتابته إلا أنُ عند المحاولة يصطدم بعجزه عن فعل ذلك لأن أدب الطفل له اشتراطات خاصة على الكاتب أن يعيها ويكتسبها قبل أن يخوض مجاهله ولهذا يوصف هذا الجنس الأدبي أحيانا بالأدب السهل الممتنع.

وفي الختام دعت الباحثة المهتمين والقريبين من  الطفل من الشعراء والأدباء إلى الأهتمام بهذا النوع الأدبي لأن الطفل الليبي، لا سيما اليوم في ظل الظروف القاسية التي يعيشها في حاجة حقيقية للأدب حتى يتجاوز التأثيرات السيئة للمواجهات المسلحة والأزمات الأقتصادية والأجتماعية الخانقة التي تلقي بظلالها الثقيلة على تفاصيل حياته اليومية، فالأدب في هكذا ظروف يعد خير علاج بحسب استنتاج الباحثة الصائب.

وعند هذه النقطة تكون قد اكتملت المحاضرة القيمة وتكون الباحثة قد قدمت عرضا تاريخيا مفصلا لنشأة وتطور أدب الطفل في ليبيا ولم تترك تقريبا شاردة ولا واردة في هذا الشأن إلا وتناولتها في بحثها بحيث لا يحتاج الدارس والمتخصص بعد ذلك للذهاب بعيدا لكي يحصل على المعلومة التي تنقصه.

هذه وغيرها من النقاط الهامة والحساسة في الموضوع تناولتها الباحثة بالتحليل، ولقد كانت المحاضرة من الدسامة وغزارة المعلومات بحيث وجدنا صعوبة في اللحاق بتدفقها والإحاطة بها، وحاولنا عبر هذه المتابعة المقتضبة بالتالي إلى جانب استعراض اهم ما جاء في المحاضرة، نقل روح النشاط لمن لم تسعفه ظروفه بالحضور ووضعه في أجواءه العامة، وهي بلا شك اجواء جاذبة ومستقطبة وهذا ما يفسر تنوع الجمهور الذي شمل الأكاديميين والشباب والمثقفين العصاميين وحتى السياسيين واللافت كذلك الحضور الكثيف للعنصر النسائي.

أستلمت بعد ذلك الأستاذة حواء القمودي التي أدارت النشاط الكلمة لتعلن عن الأنشطة الإستثنائية للجمعية هذا الشهر والمتمثلة في إقام أمسية شعرية يوم الحادي والعشرون من الشهر الجاري أحتفالاً باليوم العالمي للشعر، وإقامة نشاط مسرحي يوم السابع والعشرون من نفس الشهر أحتفاءً باليوم العالمي للمسرح، وكذلك أعلنت عن أنشطة شهري أبريل ومايو القادمين.

وعند فتح باب النقاش والتعقيبات تقدم بعض السادة والسيدات بملاحظاتهم وإضافاتهم التي أثرت الموضوع وأفصحت عن مدى أهمية هذا الحراك الثقافي وأثره الإيجابي في الحاضرين الذي انعكس في هيئة تفاعل خلاق وحماسة منقطعة النظير ونقاش جدي ومثمر وأكدت بشكل مضمر على ضرورة استمراره وعززت دعوة الباحثة بشأن إيلاء موضوع الكتابة للطفل من قبل الأدباء والكُتاب عناية خاصة نظرا للحاجة الشديدة لذلك.

مقالات ذات علاقة

مهرجان طرابلس للشعر.. إشعاع عالمي على درب الكلمة الحرّة

المشرف العام

ندوة عن كتاب ’’مواهيم الجبل‘‘ للدكتور محمد المفتي

المشرف العام

حول مفهوم الهوية

ناصر سالم المقرحي

اترك تعليق