الكاتب يوسف القويري
المقالة

الخال يوسف القويري (2)

يموت الكُتّاب وتبقى الكتب والافكار

الكاتب يوسف القويري
الكاتب يوسف القويري

وتواصل بكلماته التى تقاتل وخيوطه الرفيعه وقطرات الحبر مع القارى عبر صحف فزان وطرابلس الغرب والمساء ومجلة الاذاعه ثم الميدان قصص وخواطر ومقالات تواجه كل دمار لروح الانسان.

كانت كلماته وافكاره اصداف ولالى تختلف عن السائد فى ذلك الزمن من الخمسينيات الماضيه وفى وطن هو ليبيا الفكرة وتناول الموضوعات والقضايا بعيدا عن التقريريه الممله كان يوسف يشيد عالما جديدا يهدم من خلاله عوالم الظلام والتاخر ويرفع قيما مدهشة محل مايشد الى الخلف واتخذ من اسم الكاتب الليبى وزاوية شموع فى الميدان ساحة له حيث يربض ايضا فاضل المسعودى مثقفا اخر له شان واعتبار فى الحركة الوطنية والفكرية منذ سنوات دراسته فى مصر.

وعاصر الخال يوسف بداية الحقيقه عام 1964 فى بنغازى مع الاخوين محمد ورشاد الهونى وفى الاساس كان محمد الهونى اهتم بيوسف اهتماما خاصا بعد تركه الكتابة فى صحيفة فزان واحتضنه فى مجلة الاذاعه الليبية التى كان يدير تحريرها وكان يوسف فى صحيفة الحقيقه مع ابن عمه عبدالله يشكلان نسيجا لا يختلف كثيرا فى الطرح والمعالجه عبر سطور وحروف دراساتهما ومقالاتهما ويؤسسان مع الاخرين من الكتاب الوطنيين مجتمعا خاليا من الامراض والعقد.

عبدالله يواصل البحث عن الكيان والشخصية بعقلانية ورزانة وفهم بعيدا عن التخبط والمحاكاه والارتجال الاجوف ويوسف فى مسوداته التى كانت تستغرق صفحة كاملة ودراساته المعمقه وقصصه يعترض التخلف والركون الى الدعه ويدعو بقوة الى تحريك الساكن وقلب المفاهيم الميته والعبور نحو النور.

واحدة من تلك الدراسات المهمة كانت عن هستيريا المال وكيف يفعل بالناس ويبدلهم واخرى عن قضية المراة واضطهادها عبر التاريخ دراسة وتحليل رائعين نشرهما عام 1965 وسبق فى الدراسة الثانية الصادق النيهوم الذى اتت دراسته الموسعة والمهمة لاحقا فى الحديث عن المراة والديانات عام 1966 وكانها استمرار وتعزيز لما بداه القويرى فى الرؤية للمراة انسانا وكيانا حيا وبعد فترة من الاعوام ظل الخال يوسف يبحث عن هذه الدراسة التى ضاعت للاسف من ارشيفه مع الكثير من تراثه الادبى والفكرى بحكم تنقله وعدم استقراره بين مصراته وطرابلس لينشرها فى كتاب وقد وجدها فى اخر المطاف لدى ارسلت بها اليه وصدرت فى كتاب مع فصول اخرى عام 2006 وعندما وصلته سر بذلك مثل طفل كبير.

ولم يكن الوطن بعيدا عن كتابات يوسف كان يعتبره سبب تواجد الانسان الحضارى والتكوين الاجتماعى الذى تحل خلاله تكوينات اجتماعية سابقه ويؤكد ان امتداد الارض والحركة البشرية فوقها وحركة الاجتماع وارتباط هذه الارض بغيرها وارتباطها بمجتمعات اخرى هى حركة الحياة والمجتمعات الاصيلة ليست مجتمعات عاقره فهى بكل تاريخها الحضارى الطويل تملك على الدوام قدرة المنح الدافى والانتساب الى المعبرين عنها والكلمة لاتموت فقد وجدت اثار الانسان الاول منحوتة على صخور جرمه والافكار لاتوجد فى المعاجم كانت الكلمة عند القويرى وطن وارض وبشر وقيم ورسالة الكلمة والوطن علاقة لاتنفصم عندما يجيد المجتمع العظيم الذى يقدر ابناءه ويعتبرهم علاماته المضيئه الفهم والهضم الحقيقى لما يعنيه نضال الكاتب والفنان والمثقف وكل الرجال الشرفاء.

وعلى هذا ظلت كتابات الخال يوسف مثل الخط الواحد المتصل من الفكر والرؤية والنهوض بدور الكلمة سواء فى تلك الدراسات او من خلال رؤيته البعيدة فى مفكرة رجل لم يولد واشاراته الى اعلام المفكرين والرواد على المستوى المحلى والانسانى فقد وصف رفيق بانه شاعر اللحظة البسيطه وكان محقا فى ذلك والبياتى الذى عرفه جيدا بوصفه له الذى يجمع بين عبقرية التاريخ والارض والشاعر وفى كل الاحوال استفاد من عزلته التى تكتنفه احيانا ابتعد عن ثرثرة المقاهى وبطولات المزيفين وانتفاخ المدعين وعانى الكثير من سوء الفهم فى مجتمعه الذى ظل يجاهد لقذف طلائعه نحو المنفى النفسى بلا هواده وذلك اصعب واقسى انواع الاذى الذى نجح فيه البعض من افراد المجتمع عن جدارة وارتبط بصداقات محدودة وعاش وحيدا وكان يرافقه فكره وثقافته وكلماته وقد ابدع فى كتابة القصة القصيرة وكثيرا ما غفل النقاد او اشباههم لدينا عن هذا الجانب فى تجربة يوسف الكبيرة ان لديه الكثير من النصوص القصصية التى لم تجمع ويبدو انهم لم يقفوا عليها حتى يتفرغوا لدراستها ودع عنك فى هذا الموضوع اصحاب الاطروحات والرسائل العلمية كان فكر يوسف القويرى خليطا رائعا من الادب والعلم وتشوف المستقبل وتشعر باختصار انك امام كاتب ومثقف يقرا بغزاره اكثر مما يكتب كما يفعل مرتزقة الحروف.

وثمة جانب اخر مهم فى تلك التجربة للقويرى وهى الزجل والنظم بالعامى انها صورة اخرى من صور العطاء الفنى الجميل لديه وقد لايعرف ذلك الكثير ايضا وهذا الزجل فيه العديد من المكابدة والمعاناة الحقيقيه اللتين لاتقلان عن فنه النثرى وفى هذا الزجل تاثر بالروح المصرية فقد استفاد من حياته ونشاته ودراسته فى مصر والتاثر جعله يحيط بما فى ابعاد هذا الزجل من شجن واحاسيس تعبر عن روح الانسان وكدحه اليومى ومواجهته لقوى الشر والظلم ولابد انه استوعب تجارب بيرم التونسى وصلاح جاهين وسيد حجاب وفؤاد قاعود ورزق هيبه وغيرهم وهذه الازجال التى نظمها كثيرة جدا والامل كبير فى ان تجمع وتصدر فى ديوان يقول فى احدى هذه القصائد العامية المكتظة بالصور والظلال والالوان المتعددة المليئة بالمقارنات كتبها عام 1964
النخل مات
من غير كفن
واقف ف وش الريح
سعفه انكسر
واقف ف وش الريح
والناس بتشرب م العفن
وتقول مليح
وكاس صفيح
بيدور على ناس البلد
من غير عدد
تحت سقف صفيح
والليله تمشى زى بكره
زى فكره
ف الرمال الصفرا منسيه
علشان مافيش فى ارضها ميه
والليله تمشى
والنهار بيغيب
من غير كفن بيغيب
من غير حبيب
من غير رجال واقفين ف وش الريح

ولعل ثمة مخلص وغيور على تراث الوطن يهتم بهذا النتاج العامى الجميل وكذا القصص القصيرة والدراسات المجهولة التى خلفها يوسف ويجلو عنها الغبار ويقدمها بامانة للاجيال القادمة.

وللموت كبرياء عظيم لايقاوم وهو حق وسينال البشر جميعا دون استثناء ومثل النخل فى ليبيا رحل الخال يوسف محمد القويرى شامخا وواقفا فى وجه الرياح العاتيه بكلماته وافكاره لكن الحروف التى تركها لاتموت تبقى ذهبا لاتستطيع نار الشرور ان تحرقه وتظل تستنهض همم الشرفاء للوقوف فى وجه الظلام الذى يحاول حجب نور الشمس.

تحية ولا اقول وداعا ايها الخال العزيز الشريف.

مقالات ذات علاقة

الحـــوار

سالم العوكلي

التلفزيون الليبى: خمسون عاما

سالم الكبتي

الدستور من الأيديولوجي إلى الإنساني

علي عبدالله

اترك تعليق