معرض انعكاس للتشكيلية دينا القلال (الصورة: عن تاناروت)
النقد

الحرب في قصيدة النثر الليبية

فضاءات الدهشة

الصورة: عن تاناروت.
الصورة: عن تاناروت.

استهلال:

في هذا الاستهلال سأقدم نصين، الأول للشاعرة رحاب شنيب تعرض فيه مفهومها للحرب، الحرب كحدث إنساني مقيت يمكن أن يحدث في أي مكان تقول الشاعرة:
القدور الخاوية
تغلي بماء الوجد
الوهم حطابها
وأصابع النساء
فراشات الضوء
على مهل
يجوس الموت
والرجال
حفنة من حمم
تصفع الحرب
مرايانا
و تخبيء اﻷطفال
في جيوبها
تفرغنا
فتتسلل أسراب النمل
من سراديب الذاكرة
الحرب تعويذة الخراب
نقدسها باسم
الشرائع و الشعارات
و نسقط أوراق التوت عنها
حين تضاجع خيباتنا
نحن حقيقتها
وهي كذبتنا
نحن وقودها
وهي خواؤنا
فلماذا كلما تجوع تأكلنا
وحينما نجوع نأكل
بعضنا؟

النص الثاني للشاعر سالم العوكلي، حيث يتطرق للحرب حين تكون بين الإخوة، فقد عانى الليبيون حروباً من قبل، ولكن العدو كان دائماً قادماً من خلف البحر، أمّا أن يكون العدو هو الأخ فهذه تجربة جديدة ومقيتة ومؤلمة، يقول الشاعر سالم العوكلي:
كان أبي يكدس الطحين في مخابئ البيت
يرى السؤال المطل في عيوننا
فيقول:
لعلها الحربُ تندلع.
ونضحك لأن الأفقَ المكتظَ بالرعدِ
لا يشي بدمٍ جديد
ولأن لا رايات في البحرِ تخدشُ صمتَه السماوي.
كم كانت حربكُ نبيلةً يا أبي
وكم كان نبياً حدسُكَ البدوي
وأنت تبني من أكياسِ الدقيقِ متراسنا.
دمٌ يابسٌ على أطرافِ أصابِعك
وغزاةٌ من خلفِ البحرِ مروا بقمحِ الكهوفِ كالجرادِ
فأي متراسٍ يحميني من وابلِ الذكريات
وقومي هم الغزاةُ يا أبي.
قلتَ لي، وأنت تحدقُ في الكتابِ بين يدي:
تعلم لغةَ العدوِ لتنجو..
ولم تعلمني كيف أنجو حين يكون العدو أخي

لست ناقداً أدبياً، ولا أدعي أن ما أفعله اليوم قراءة نقدية، أنا عاشق للقصيدة، أنا عاشق وكفى، وكثيراً ما أعبر عن مدى دهشتي بقصيدة ما فقط بدموعي!
ولكنني أتجرأ على ذلك لسببين اثنين، أحفز أولا نقادنا وكتابنا للالتفات لقصائد الشعراء الليبيين خاصة في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ بلادي، بلادي التي تعرضت لهزة قوية غيرت المفاهيم وحطمت المقاييس وفتحت فضاء مفتوحاً على كل الاحتمالات، فضاء مغرى بالدراسة وبالتحديد الصوت الشعري الليبي الذي انحاز للجمال والسلام والمحبة رغم سيطرة روح التصادم والتقاتل والصراع المر على أغلب فئات المجتمع الليبي، فيحسب بذلك للشعراء الليبيين على الأقل موضوع هذه الورقة، عدم تحولهم إلى مدّاحين للحرب القائمة منذ 2011 م في ليبيا، فرغم أن الحرب في مجملها ضد الإرهاب، إلا أننا يجب ألاّ ننكر أن هناك حرباً أخرى موازية بين تيارات سياسية وجهوية وايديولوجية متعددة..
ورغم ذلك ظل الشعراء الليبيون على موقفهم المقدس الرافض للعنف بجميع انواعه مؤمنين إيماناً تاماً أن الحرب تظل مشكلة وليس لمشكلة أن تحل مشكلة أخرى..
يقول الشاعر علي حورية، وهو شاعر من مدينة مصراته غزير الإنتاج ولم يتمكن حتى الآن من النشر، ولكن نصوصه المنشورة على صفحته الشخصية تظل رقماً مهماً في هذه الدراسة المتواضعة، يقول متبرئاً من الحرب بعيداً عن لغة الخطابات التي امتلأت بها هذه المرحلة من تاريخ ليبيا، يقول ببساطة وبلغة سردية جميلة:
أنا لا أعرف شيئا عن أي شيء
تعلمين
في اللحظة التي اندلعت فيها الحرب ونزل الجنود كأسراب الجراد
كنت أبدل جواربي وأوبخ أخي الصغير لأنه لم يعامل قطة
الجيران بشكل لائق
لا عِلم لي بشيء يا صغيرتي
ظللت أسأل الجميع عن الذي حدث
أعواما عديدة
لكنّ أحدا لم يجبني
أنا لست من أي بلاد
لست من أي مدينة
لست من أي قبيلة
لا أهل لي
لا انتماء
لا أعرف غير أمي حورية
التي وضعتني قرابة الساحل
وهرعت للبحر..

الشاعر الشاب والواعد سراج الدين الورفلي في ديوانه الأول: “خمسة توابيت لستة رجال” المنشور في :2018 عن دار النشر: دار هن ells في طبعته الأولى، وفي قصيدته :”بيان الدمعة”، يلخص حال المبدعين الليبيين، بل كل الليبيين، تجاه الحرب وما تنتجه من ويل وموت ودمار وقبح، يقول ذلك بلغة شاعرة، تبدو كأنها محايدة، ولكنها تحمل الكثير من الوجع وتتحول بصدق إلى بيان للدمعة، يقول الشاعر سراج الدين الورفلي:
عليك أن تبكي بشدّةٍ
ليس لأنّكـ مجرم
لا سمح الله
فالمجرمون نائمون في هذه الأثناء،
ليس لأنّكـ ضحية أيضًا
فالضحايا ليس لديهم وقت
ليتعاطفوا مع أنفسهم،
ليس لأنّكـ جيّد أو سيئ
أو لأنّكـ تجرّ جثّتك عبر هذه المدن المنتفخة،
ليس لأنّكـ تشبه الكلاب الضالّة خلف البنايات القديمة
أو لأنّكـ مغطّى بالمستنقعات والعشب
مثل الطرق الفرعية.
عليكـ أن تبكي بشدّةٍ
لسبب ما
لا يمكنكـ معرفته أو حصره
ربما لأنّكـ شعرت بالسعادة
وفي داخلكـ مقبرة جماعية
ربّما
لأنّكـ فكّرت بامرأةٍ جميلة
وأنت تزور صديقًا في المستشفى،
ربّما
لأنّكـ تحاول حشر هذه الحرب في قوانين الطبيعة
على كل حال
لا تبكِـ
واتركـ للبحر الذي يركل رأسه بعيدًا
مهمّة القيام بذلك
نيابة عنك.

الشاعرة نجاح المبروك وهي من عشرات الشباب الليبيين الذين لم تتح لهم فرصة نشر أعمالهم، تنتهج في هذه القصيدة المباشرة، تتحرر من أصفاد القصيدة حتى تتمكن من رواية المأساة، لأن تلمّس مأساة الناس أولى من الالتزام بقواعد الإبداع إن صح أن للإبداع قواعد يجب أن تتبع، نجاح المبروك ترسم بأسى، وتسخر بألم وترصد بعين فاضحة تراكمات التعاسة سلعة الحرب الرائجة..

بهذه الجملة السخيفة المحشوة بالضعف، نمني أنفسنا،
وها هو يوم آخر، يتشبث بحبل الأمل المهترئ.
ما الذي لن يطول أمره..؟
العوز
الفقر
التراص المخجل، منزوع الكرامة، الملطخ بذل الحاجة!
المشافي يعاني طبيبها سقم مريضها!
المدارس الخاوية على رؤوس طلابها، تشبعهم بالخواء.
الشوارع تزكم عابريها برائحة القمامة المكدسة، تشبه همومنا النتنة!
ساعة الليل المرتعشة، تشير عقاربها شاخصة إلى الخوف.
ما الذي سيطول أمره ؟
انتظار الغد الذي لن يأت رغم كل الصباحات التي طويناها في ترقب مضني،
وحين المساء يقبل يجر خيبتنا،
نذرف لها الحسرة على وسائد البؤس.
ما الذي لن يطول أمره؟
أحلامنا المعلقة بين إرادة مكبلة،
وقلة حيلة قاهرة لطموحنا،
فيتأبط أجنحته المكسورة،
يجر خطاه نحو اللا وصول.
المعتقلون قسرا؟
المغتربون وجعا؟
الوطن المدفون في خصامنا وتمزقنا.
ما الذي لن يطول أمره؟
خططنا التي لا تدخل حيز التنفيذ!
اعتيادنا سماع وقراءة ومشاهدة خبر الموت والإرهاب،
فندرك_ واقع أن الأمر حتما سيطول!
الشاعر محمد عبد الله في قصيدته (حظ) من من ديوان (عادة ليست سرية ) الطبعة الأولى سنة 2018عن دار الدراويش للنشر والترجمة. بلغاريا، يختار السخرية من الحرب، وهي أيضاً نوع من المقاومة وتسليط الضوء على سذاجة الحرب وسذاجة أحلامها الواهية:
أيها الجندي
ــ نعم سيدي
سأسعى لترقيتك
ــ شكرا سيدي
وسأمنحك إجازة لأسبوع
ــ شكرا سيدي
وسأعطيك سيارة إن أردت
ــ هذا كثير سيدي!!
أيها الجندي
ــ نعم سيدي ماذا يقول الجندي الذي بجوارك فأنا لا أسمعه؟
ــ يقول أننا محظوظان سيدي لأنك مدفون معنا في نفس المقبرة.
في ديوانها: ديوان “عنفوان” الصادر عن دار المجد العربي- مصر، الطبعة الأولى، 2018، تحضر روح الشاعرة نعمة الفيتوري، روح الأنثى الشاعرة والرقيقة، روح ترفض بداهة الحرب في بلادها ومع ذلك ترصد خطاها القاسية وآثارها المؤلمة في قصيدة :”بلادي”
في كل صباح
الفرح لا يلقي تحية الصباح
واجما.. وجهه معاق
أصابته رصاصة قناص
الفرح قصير العمر
والورد سريع الذبول
ينمو منحنيا..
يخجل أن يرفع رأسه
يتجنب النظر في عيون العشاق
لانهم أيتام
أو ثكالى أو أرامل
أو مبتورو الأطراف
الرحمة تشكو الظلم
وترفع ايديها للسماء
تبتهل من أجلنا
من أجل الزهور الميتة
والعصافير التي رحلت مبكرا
البيوت تنهار من الجوع
والأمهات يتكئن على بؤسهن
يرضعن أطفالهن حليبا مهموما
وأنا أكتب لأنفض عن قلبي
غبار الأفكار التي تؤكد
حقيقة أن كل ذلك وأكثر
يحدث في بلادي.

الكيلاني عون شاعر العاصمة الرائع الذي لا يهدأ، يكتب ويكتب ويكتب، يعشق القصائد والأشجار، فلا تكاد تخلو قصائده من دهشة أو شجرة.. داهمته الحرب، أثرت على إنسانيته وقصيدته ومحبته للمدينة وللأشجار ولليبيا وللجميع.. يرصد في قصيدة بعنوان: “لا مبرّر للخروج هذا اليوم” تفاصيل الحرب المقيتة:
لا مبرّر للخروج هذا اليوم
المصارف مغلقة
وباعة المناديل الورقيّة على الطرقات
لا أحد يشتري منهم
يعودون بحمولة ضجر إلى مكان يتعرَّفون إليه فجأةً
مثلما نفعل وحدنا
ونحن نضحك من البرد
لا مبرّر لأكتب لكِ رسالة يا حبيبتي
سيقرأ سطورها مسلّحٌ لا يجيد القراءة
وربما لا يروق له حزني
فيخطفه مني
طالباً فديةً أكبر من المتاجر
لا مبرّر لأخرج وأعود فاقداً آخر أصدقائي
لأسمع شيئاً رديئاً
عن مهرِّبي الوقود والعشاء
عن اللصوص وهم يجرّون الأيامَ من شعرها
لا مبرّر لأتحدّث أو أكتشف المدى الذي تصله عيناي
على جواد نائم
سأغلق البابَ والنافذة
سأغلق رأسي وأشعل لفافةً
قبل أن أتكلّم مع الجدار
وأتحسّس غيوم العام الجديد

الشاعرة والروائية عزة رجب سمهود من مدينة بنغازي، تقترح مداوة جروح الحرب ببلسم الحب، أعتقد أنه العلاج الأكثر واقعية وصدقاً، في نص لها من مجموعة نصوص بعنوان “أمنيات ثلاثية الأبعاد” تقول:
بحبٍ كبريتي….
وعود ثقابٍ وقبلة ٍ
سأشعلُ مناجم الفحم العاطفي
في قلبي…….
لأبدد عتمة الحرب ــ
أريد أنْ أنحرف بأصابعي قليلا
نحو مسار الحديقة العسلية
أغفو سنوات سباتي
سلحفاة تبدد كسادها الشتوي
في ملاجئ عينيك
الحب يا حبيبي لا يهدد السلم الأهلي
ولا يحتاج لطبق السوشي
كي يبدو جميلاً وفاعلاً
الحب يركل أولئك البلاستيكيين
الذين يخلطون بين الرحمة والنفاق
والذين يكتبون تغريدات التعاطف
في الصباح.
وفي الليل….
يلتحفون جسد مجزرة (ويناموا)
لذلك تظاهر بأنك الحلزون
الذي يعرف الطريق
نحو الغابة والبيت الخشبي
و يدرك جدوى العلاقة
بين الغيمة والحبل السري
بين الصدفة والميعاد
بين أحمر الشفاه و المطر الشتوي
هكذا يستدير العالم في نظري
ويلتصق أكثر بجدار قلبي
هكذا تهتك أنت خوذة الحرب
التي أثقلتْ رأسي….
وتزرع مصدات رياح
للموت الذي حولي
الصوت الواعد والحالم والجميل الآخر من مدينة درنة هو للشاعرة الشابة نورهان الطشاني، نورهان تعدد كما كل الشعراء الليبيين مثالب الحرب، نورهان من مدينة درنة التي عانت ويلات داعش والقاعدة قبل أن يعيدها الوطن إلى حضنه.. تقول نورهان:
أعدّ
كم تبقى منّا
وكم بدّدت الحرب حدائقنا
وأسمع صوت العود الحزين
من بعيد
ينادينا ..
من بعيد !
نحن من فقدنا مظلاتنا باكرا
وأصبحنا لا نجيد الوقوع
في الحب
نحن من زرع
خيالات الحب فينا
ظنّا منّا
أنّنا حقيقة هذا العالم!
وتحاول نورهان أن تغادر هذه الحالة المتأزمة ، تبحث عن مكان آخر بعيداً عن طقوس الكراهية.. لكنها تكتشف أن الإنسان خارج وطنه يصبح بلا بوصلة..
أطير
للمرّة المئة بعد الألف
وأنا..
العالقة بالشجر
دون حلم!
الغارقة..
من دون بحر
الكاذبة الخائنة
الشاعرة..
من غير قصيدة.
أرتجف
وأخطف النجوم من سماء جيراني
وأبحث عن قرية
تشبه ظلك
لا حرب فيها
لا بشر!
أجدني..
بلا وجهة
بلا خارطة
بلا بوصلة..
من مدينة درنة أيضاً يوجد صوت نائح من مآسي الحرب، هذه المدينة التي تعرف بمدينة الياسمين، مدينة الشعر والمسرح والفنون، انتهكت حرمتها الجماعات الإرهابية قبل أن تنقذها الحرب بما تتركه خلف رجليها القاسيتين من خراب..
تقول الشاعرة نعيمة الزني:
في صباح درنه
وأطفالها يذهبون للمدارس
المتأخرة عن المواسم….
لاتزال العصافير تتشارك و السلاح
في صباحاتنا..
ولازال وجه الحرب
يطل قبيحا بأيامنا..
ما ابشع ان يحاصرك الموت..
في الطرقات وعلى الأرصفة المجاورة
وانت توصل اطفالك لمدارسهم
التي ثقبتها القذائف الأخيرة
وانت تبحث عن خبزك الصباحي
بشهوة عارمة للحياة…
وانت تعبر الشوارع…
وتطارد احلامك
على الأرصفة المبللة..
فهل لايزال هناك مستقبل لأيامك المتعبة
في أزمنة الموت والرصاص….
في المدن المتهمة بالياسمين..
من يوقف اوجاعك النازفة حد البكاء
حد الخروج عن طاعة الكبرياء..
حد انتحارك اليومي..
كل هذه الخروقات تحدث
لروحك المنهكة وانت لا تشتكي
آه كم يقتلني ان اترافق رفقة
اظن بانها ابدية…
هذا الخراب وانا.!

في قصيدته الجميلة “لماذا يقتلون الحديقة” يعد جمعة الموفق وهو شاعر من مدينة ترهونة بغرب ليبيا، أكثر الحاقدين على الحرب وعلى المتحاربين في آن واحد، من شغف حبه لوطنه يرمز له بالحديقة، يستنكر على هذه الحرب أن تقتل حديقته…

لم أغضب حين سرقت القطط السمان طعامي
ولا سألت من نهب الطمأنينة من داري
ومن سرق هذي البلاد
وأشعل النار في قلوب ناسها
لم أسأل من وضع علما بهذا الحجم فوق بيتي
ولم أسأل عن الذي رماه وجاء بآخر
لم أسأل لم يذهب الأولاد إلى الحرب
متأبطين أدعية أمهاتهم
بنصف شجاعة يقفزون داخل العربات
لم أسأل الحرب نفسها
متى تضع آخر بيوضها
لم اسأل الجثث الملقاة في الشارع
ولا الجثث الأخرى أين بقيتها
لم أسأل الرأس المقطوع لم يحملق في الفراغ بهذه البلاهة
لم أرى مجدا لأسأله
والشرف محل جدل
أهو بين فخذي المرأة
أو هو السرقة بكل شموخها
أهو الفساد في الأرض ..لست أدري
قابلني العار ورمقني باستخفاف
العار جامحا
العار الذي في كل مكان
ولم يحدث أن سألت عاهرة عن أسبابها
ولم يسرق اللص كوابل الكهرباء
ولم أسأل لم يقطعون الماء عن المدن
ولم يكفر جارنا
ولم يحفون الشوارب ويعفون اللحى
ويقصرون اثوابهم
أو لم يصر الفتيان على انزال سروايلهم أدنى من المعتاد
ولم يصرخ الآخرون على المنابر
ما به الهدوء؟
أردت أن أعيش بنصف وعي
ونصف قلق
وبنصف أمنية جبارة
لكن يا إلهي لماذا يقتلون الحديقة؟
عبدالسلام العجيلي الشاعر الهامس ،الإنسان ، الحالم والمسالم أيضاً ،لم تستطع بشاعة الحرب أن تشوه صورة الوطن الجميلة في عيني قصيدته ، سنختتم بهذه الورقة المتواضعة لأن قصيدته غزل في الوطن، يقول العجيلي:
جميلة رغم كل شيء
وظامئة…
مثل عانس
تمشط أيامها المتكررة
أيامها الخالية
من الحلوى… والضحك
ما زالتْ شبابيكها
تُصعِّد الأغاني
إلى السماء…
وما زالتْ
الأسماك المهاجرة
موعودة بأحضانها الدافئة
وما زالت تفتح
ذراعيها
لكل الطيور الهاربة
من جليد الضفة الأخرى
وما زلنا
نتمسك بأهدابها الناعمة
إذا اشتد عصف الريح
نأكل كراثها
إذا جفتنا المحاريث
ما زالتْ
جميلة…
رغم كل الحروب…
ورغم كل
الصفقات الرخيصة…
تلك التي تتآمر
على كحل عينيها
ومسك أردانها…
وما تبقى
لها من ظل
وماء وورود…
جميلة…
رغم انطفاء الدفلة
في الوادي الكبير…
وصمت السواقي والطواحين…
وغياب النوارس
والمراكب والمسافرين.
لأننا…
لا نعرف سواك
ولم نجرب البعد عنك
هـنا…
كانت زيتونة
يضئ زيتها
وحشة الأزقة
في ليالي
الشتاء الحزينة.
هـنا…
كانت نخلة
ترشق بزهوها
النوافذ الخارجة
من جبة النعاس
في صباحات الخريف.
هـنا…
حكاية حب
لعذراء حملت نسرينها
وصعدت تصلي.
لأننا…
نريدك جميلة…
وقفنا…
في طوابير
الخبز
ونحن على مرمى حجر
من سهولك الشاسعة
اشترينا الماء
ونحن
قبل هدير
شلالك بخطوتين
علمنا
أولادنا وبناتنا
الصبر والأحلام البسيطة
دربنا…
زوجاتنا
على المجاعة والحروب
ربطنا الأحزمة…
وانحنينا للعواصف.
ما زلتِ جميلة…
لأنك وسادتنا المعطرة
وفرحتنا المسروقة
من أيامنا المتشابهة…
لأنك هوانا
وهويتنا الصامدة
في وجه كل ريح قبيحة.
جميلة…
حتى وان
كنت بكل هذا الفقر
بكل هذا الخواء
جميلة…
بلا أندية
ولا ملاعب
ولا مسارح
ولا سينما
ولا شواطئ
ولا صحافة
ولا إذاعة
ولا أرصفة تسمح بالعناق
ولا حدائق تتسع للغزل
لكن…
سأهمس لك من بعيد
سوف يسمعني
زهر اشبيلية
الناهض رغم هذا الخراب
سوف تسمعني
“براكة” المسرح الوطني
الواثقة بنجومها
رغم هذا الضباب.
لأجلك…
ولأجل حمرة الرمان…
وهذا الأزرق المنسي…
ولأجل مزمار
اعتلى سدة البوح…
فذاب في الأجساد…
في” ليلة اسمرية”…
جمرها تَوَقّد…
وبخورها غطى النجوم…
حين مزقت
بالقصائد والرقص
الحجب الثقيلة…
طارت مساجدنا…
وطرنا نفاوض
السماء
على وقت أطول

الشعراء كثر، والقصائد التي تهجو الحرب أكثر، والتجربة ثرية، والباب مفتوح للنقد الأدبي لدراسة هذه المرحلة المثيرة من تاريخ ليبيا.

مقالات ذات علاقة

أركيولوجيا الفعل ومعاول الذّات الوقائعيّة

المشرف العام

الكتابـة بحزن خـــرافي

صلاح عجينة

الوفاءُ للمكانِ والبيئة في “حكايات شارع الغربي” عند المرحوم خليفة حسين مصطفى(*)

يونس شعبان الفنادي

اترك تعليق