المقالة

الأمازيغية وحرية الصحافة في ليبيا

فتحي سالم أبوزخار

 

المقدمة:

في اللازمان يذكرنا الخالق بأننا معشر البشر سُئِلنا “ألست بربكم؟”. بالطبع مع وضوح الإجابة إلا أن تعبيرنا كذرية آدم بشكل ما كان بـ “بلى ” وبقصد التأكيد على أن الله هو ربنا. وبغض النظر عن مكان نزول أبينا آدم بالهند أو بغير مكان وكيفما كنا كذرية نسمة أو أم كهيئة الذر فيكفي أننا سُئِلنا من الخالق بإقرار الربوبية وعلى ذلك كانت الفطرة إلى بلوغ الحلم حيث يخير الإنسان على الاستمرارية في العهد أو نقضه. بدون حرية التعبير على علاقتنا مع الخالق لن يكون معنى لوجودنا وكل من استوعب هذه الحقيقة التي تبدو فرضية فهي تظل جديلة! بالرجوع إلى مكان العهد مع الله سبحانه فقد يكون، وبدون جزم، في الملأ الأعلى حيث كتبت الصحف المطهرة “في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة” والتي يفترض ألا تحمل إلا الحقيقة والعدل والاستقامة والتي يؤكد عليها الله سبحانه في مكان آخر من القرآن الكريم حيث يقول: “إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى” ويقصد هنا الآيات الربانية لسورة (سبح اسم ربك الأعلى).

فالصحافة التي تعتبر الإطار العام لجميع الصحف قد يتوافق الجميع على أنها جمع الأخبار وتحليلها والتأكد من مصداقيتها.. أي البحث عن الحقيقية.. وربما ربطها بحقيقة الواقع جعل تسمية أول صحيفة مصرية سماها رفاعة الطهطاوي بـ”الوقائع” فلا يمكن أن يكون الواقع إلا الحقيقة المنشودة.

تذكر الوكيبيديا الموسوعة الحرة بأنه في أوائل عهد الصحافة أطلقت تسمية الغازته على الصحف نسبةً وتقليداً للأوروبيين حيث كانت الغازته أول صحيفة ظهرت في عام 1656 بالبندقية. وأطلق خليل الخوري اسم الجورنال على أول صحيفة ببيروت عام 1858 تقليدا للفرنسيين. واستخدمت تسمية الورقة الخبرية، والرسالة الخبرية، وأوراق الحوادث كمسميات للصحف.

التحري من أجل الوصول إلى الحقيقة سيكون صعبا في غياب الحرية. إذن بحيث تحمل الصحافة رسالتها بعيدةً عن التزوير تحتاج لمناخ الحرية. والتضليل الإعلامي الذي عاشته ليبيا في ظل النظام السابق مازالت ارتداداته تعيش معنا وسلبياته تعكر صفو إعلامنا عموما والصحافة خصوصا.

الحرية والصحافة الليبية:

أثر توصية اعتمدت خلال المؤتمر العام لليونسكو في عام 1991 ووجهت للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي بدورها أعلنت بأن 3 مايو من كل عام هو اليوم العالمي لحرية الصحافة. وضمن إحياء السنة الماضية لحرية الصحافة بعث السيد مارتن كوبلر عبر حساب التويتر برسالة ذكر فيها “دعونا نحيّي جميع الصحفيين الذين تحملوا المشاق لكي يكونوا صوت من لا صوت لهم. ونتذكر الذين فقدوا أرواحهم بتغطية الأخبار في ليبيا”. واختتم رسالته باقتباس نص للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حيث قال: “عندما نوفر الحماية للصحفيين، يمكن لكلماتهم وصورهم أن تغير عالمنا”.

ومن باب مراجعة الحركة الصحافية بعد 2011 ورصد ضمانات سلامة الصحفيين ومراقبة أخلاقيات مهنة الصحافة ارتأى المركز الليبي للدراسات الأمازيغية وبالتعاون مع مركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة بعقد ندوة لمدارسة الوضع الصحفي في ليبيا ومعرفة ما وصلت إليه الصحافة من نجاحات وما واجهته من إخفاقات وذلك بهدف الوصول للأهداف التالية:
* التأكيد على أهمية ضمان حرية الصحافة والتعبير في مرحلة الانتقال الديمقراطي الذي تعيشه ليبيا.
* توسيع دائرة المشاركة المجتمعية بتأكيد ضمانات حرية الرأي بمختلف وسائل التعبير الورقية والالكترونية والإذاعية.
* قراءة ورصد أي انتهاكات ضد حرية الصحافة في ليبيا.
وانطلاقا من الأهداف المذكورة أعلاه تسعى الندوة إلى التأسيس لقاعدة النقاش من خلال المحاور التالية:

الالتزام بميثاق شرف المهنة:

حرية التعبير بمسؤولية تجعلنا نقترب أكثر من الحقيقة، إلا أن غياب أطر للحرية مُفعلة وفي صورة ميثاق شرف مهني لمن يمارس التعبير بجميع وسائله المكتوبة والمسموعة والمرئية يجنح بالخطاب الإعلامي أحيانا بعيدا عن الواقعية والحقيقة. أثارة مسألة الشرفية والمهنية بالنسبة للصحفيين في أواسط الإعلاميين والمثقفين والتركيز على أهميتها والالتزام بها سيحد من الانزلاق في متاهات التظليل والكراهية التي سقط فيها الكثير من الصحفيين قبل وبعد 2011. ممارسة أي عمل يتطلب التمسك بأدبيات وشرف المهنة وفي المجال الصحفي يظل التمسك بشرف المهنة ضرورة وغاية في الأهمية لأن أي مغالطات أو حجب للحقائق سيكون أثرها سلبا على المجتمع بأسره.

حضور خطاب الكراهية في الصحافة الليبية:

ارتدادات الفكر الأحادي للنظام السابق اليوم، وإعلامه الرافض لحرية التعبير، خلق إعلاما يستعين بأدوات الكراهية التي حرص النظام السابق على توظيفها ضد المخالفين له في الرأي. وباستمرار الصحافة المأجورة والموجهة ضد المتنورين والباحثين عن الحقيقة لمدة أربعة عقود أنتجت الحقد والحسد والغيرة بين مختلف طبقات وأطياف المجتمع الليبي بمختلف تنوعاته.
ومع وعي البعض بخطورة الانزلاق في متاهات الكراهية ومحاولة التعقل ومناقشة الأفكار عوضا عن تخوين أصحابها وإشعال براكين الكراهية ضد من يخالفهم الرأي إلا أن تيار زحف اللجان الثورية المدمر أسكت جميع أصوات الحرية بالداخل، وبذلك كان الانتقال إلى الخارج للتعبير بحرية. بعد 2011 مورست الحرية بالرغم من أنه استمرت الكراهية ضد فئة محدودة والمناصرة للنظام السابق وبالتأكيد لم يخدم انتفاضة التحرير. فاستخدام نفس أدوات النظام السابق والمتمثلة في الكراهية ضد المخالفين في الرأي، وتصويب نيران الفتنة ضد الأشخاص عوضا عن مناقشة الأفكار الهدامة التي زرعها النظام في ثنايا العقلية الليبية لن يساعد على الحرية والتحرر. واستنادا لما تقدم يظل السؤال الخطير والملح هل ما زالت الصحافة في ليبيا تمارس الكراهية؟

مكانة الأمازيغية في الصحافة الليبية:

في ظل دكتاتورية معمر القذافي استمرت الأمازيغية الركن الرابع للمحرمات : الدين، السياسية، والجنس. فجرم الحديث بتمازيغت وسجن من تمسك بأصوله الأمازيغية ودعا للتمسك والحفاظ على الهوية اللغوية والثقافية للأمازيغية. اندفعت خلال ثورة التحرير الأمازيغية بقوة وكثيرا ما تصدرت وسائل الإعلام، بل وبالرغم من محاولات تحجيم دور الأمازيغية والأمازيغي في التحرير إلا أنه ومع ذلك كانت الأمازيغية حاضرة في جبهات وسائل الأعلام المناهضة لدكتاتورية معمر بل وصل الأمر إلى أن منحت قناة ليبيا الأحرار مساحة زمنية ضمن خارطة برامجها وبلغة تمازيغت.. اختفت بعد التحرير!!! تضاءل الحديث عن الأمازيغية بعد التحرير ثم تحول إلى تكفير وتخوين وتعويق لكتابة الدستور وبناء الديمقراطية في ليبيا.

حرية الصحافة وأثرها على إحياء الأمازيغية:

الحرية هي البيئة المناخية الثقافية المناسبة للنمو اللغوي والثقافي وحرية الصحافة تخدم الحقوق وتدعم التحضر وتسهم في رقي المجتمع وتنويره. خلال الثورة بدأ تدريس تمازيغت وكانت تيللي أول صحيفة تستخدم التيفيناغ وتلاها العديد من الإصدارات المختلفة انتهت بمجلة أرمات والتي لم تدم إلا لوقت قصير. المشهد اليوم لا يبشر بخير إلا لو تم دعم وتفعيل المركز الليبي للدراسات الأمازيغية وجميع المؤسسات الأمازيغية الحكومية سواء تعليمية أو بحثية. ولضمان مناقشة فعالة للمحاور الأربعة أعلاه تستهدف الندوة حضور من لهم علاقة مباشرة وغير مباشرة بحرية الصحافة.

المستهدفون بالحضور:

* الصحفيون
* المثقفون بمختلف مشاربهم ومذاهبهم الفكرية والسياسية بليبيا.
* المدونون وأصحاب المواقع الصحفية.
* مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بحرية التعبير.
* المهتمون بالأمازيغية والشأن الأمازيغي.

اللغة وتاريخ الصحافة في ليبيا:

تاريخيا وحسب ما ورد في الوكيبيديا الموسوعة الحرة أن أول دولة أصدرت صحيفة إخبارية كانت فرنسا بعد أن تقلد السلطة ريشليو بهدف توجيه الرأي العام، وفي عام 1631 كان أول إصدار لصحيفة جازيت دي فرانس. وظلت الصحف حكرا لسلطة الدولة ولم تكن حرة في أوروبا باستثناء انجلترا وهولندا واستمر ذلك لقرنيين من الزمان قبل أن يكون الانعتاق الكامل لصحف أوروبا وبشكل متفاوت. لعبت الصحافة دورا بارزا في حرب التحرير بأمريكا ومنح الدستور براحا من الحرية منحها التعديل الدستوري في 1791. ومع ظهور الخدمات البريدية كان الانتشار للصحف والمجلات على مستوى العالم، واليوم انحسرت الصحف الورقية بعد التحول إلى النشر الإلكتروني.

تأسست أول صحيفة بليبيا باللغة الفرنسية من قبل عدد من القناصل الأوروبيين عام 1826 باسم: “المنقب الأفريقي”. وكانت أول صحيفة باللغة العربية يقابلها ورقة بالتركية هي صحيفة (طرابلس الغرب) في عام 1866 تلتها الترقي 1897، فالرقيب العتيد، فجريدة المرصاد، فانتفاضة الأحرار إلى العدل، والفجر، إل جورنالي دي تريبولي، سيرينايكا ويكلي نيوز، الرائد، كذلك كانت مجلة ليبيا المصورة، اللواء الطرابلسي، الوطن، ليبيا الحديثة، البلاغ ، برقة الحديثة، بريد برقة بنغازي، العلم اليومية.

تنوعت اللغات التي كتبت بها الصحف والمجلات من العربية إلى التركية والفرنسية والإيطالية والإنجليزية وغابت الأمازيغية. إلا أنها تميزت بهامش من الحرية بالرغم من غياب موضوع الأمازيغية فكان التنوع الفكري قبل الانقلاب إلى الفكر الأحادي “الجماهيري”.

بعد انقلاب 1969 كانت إعادة تسمية صحيفة الفجر بالفجر الجديد وتلاها عدد من الصحف: الفاتح، الجماهيرية الشمس، والزحف الأخضر بالإضافة إلى عدد من المجلات لا، أويا، قورينا، المشعل، البيت، شؤون أفريقية، حب الرمان، القمة، الشباب والرياضة الجماهيرية. وبالرغم من إتاحة فرصة للتعبير باللغة الإنجليزية إلا أن تحريم الأمازيغية بات واضحا بعد إعلان الدكتاتور معمر بأن كل من تعلمه أمه اللغة الأمازيغية فهي ترضعه السم!!! هذا من جانب اللغة فقط ولكن فيما يخص موضوع الأمازيغية فهي ضمنا محرمة وباتت من التابوهات المحرمة حسب نظرة النظام العنصري الدكتاتوري الجماهيري. بسبب غياب حرية التعبير انتقلت المعارضة إلى الخرج وصدرت عدة مجلات وصحف مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي.

الأمازيغية في الصحافة خلال وبعد 2011:

قبل 2011 أنشئت مواقع إلكترونية كتبت عن اللغة والثقافة الأمازيغية وكان من أبرزها موقع تاوالت. وكان أيضا موقع ؤسان الذي استمر لسنوات ثم انقطعت به السبل في الفضاء الافتراضي مع مواقع أخرى. بعد 2005 وبصعود مشروع ليبيا الغد ظهرت محاولات مبطنة ومحتشمة بشأن النشر بالأمازيغية وانحصرت في إمساكيات شهر رمضان والتي تضمنت بعد الإشارات بالتيفيناغ مثل مواقيت الصلاة وأيام الأسبوع و ئيسكيلن أبجدية تيفيناغ.

كانت أول صحيفة أمازيغية بالتيفيناغ خلال انتفاضة 17 فبراير 2011 وتحديدا في شهر مايو حيث صدر أول عدد لمجلة تيلليⵜⵉⵍⵍⵉ (الحرية) بجبل نفوسه، ومع التحرير صدرت صحيفة يفرن تايمز. مع بداية سنة 2012 توالى صدور المجلات المهتمة بالشأن الأمازيغي والمستخدمة للتيفيناغ فكانت: جادو نادرفت، وتامورت، تزيري ن لالوت، تاقرماس، وأرمات.معظم المجلات جمعت بين العربية والتيفيناغ باستثناء تاقرماس التي آثرت العربية وأرمات التي اقتصرت على استخدام التيفيناغ. مع استمرار قناة يفرن على الفيسبوك ولغياب تبني الحكومة دعم المجلات فتقريبا 90% منها انتهى مع نهاية سنة 2012.

“حريّة الصحافة لم تكن قط مهددة على النحو الذي هي عليه اليوم”.

هذا ما صرحت به منظمة مراسلون بلا حدود وتنقل العربي الجديد عن المنظمة أيضا أنه “لم يسبق أن تعرضت حرية الصحافة لتهديدات بالوتيرة التي تشهدها حالياً.. ففي غضون خمس سنوات، تراجع المعيار الذي تستخدمه مراسلون بلا حدود بنسبة تصل إلى 14 بالمئة، إذ سُجل خلال هذا العام تفاقم في وضع ما يقرب من ثلثي (62.2 بالمئة) البلدان التي تشملها الدراسة، بينما تراجع عدد الدول حيث تُعتبر حالة وسائل الإعلام “جيدة” أو “جيدة إلى حد ما”، وذلك بنسبة 2.3 بالمئة”.

مع تصدر الدول الإسكندينافية المرتبة الأولى لحرية الصحافة تقبع أريتريا وكوريا الشمالية في ذيل الترتيب لحرية الصحافة. ولكن ما يلفت النظر هو ما يقوله السيد كريستوف ديلوار، الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، حيث يقول: أن “التحول الذي تشهده الديمقراطيات يقض مضجع كل من يعتقد بأن قيام حرية الصحافة على أساس متين هو السبيل الوحيد لضمان سائر الحريات الأخرى، متسائلاً في الوقت ذاته عن المصير الذي تقودنا إليه هذه الدوامة”

في تقرير بتاريخ 18 ديسمبر 2017 للمنظمة بعنوان: تصنيف حرية الصحافة لعام 2017: خريطة عالمية قاتمة على نحو متزايد تذكر أن “الحروب والنزاعات الطويلة غالباً ما تحمل في طياتها سموماً فتاكة تُهدد حرية الإعلام، إذ من شأنها أن تدفع بلداً ما إلى أسفل الترتيب في وقت قصير أو الإبقاء عليه في الحضيض لسنوات.. حالة الفوضى التي تعيشها ليبيا (163، +1) حالياً تنطوي على خطورة كبيرة بالنسبة للصحفيين. ففي بلد يقف على حافة الانفجار ويسقط فريسة للاشتباكات المسلحة بين مختلف الفصائل المتناحرة، قُتل ثلاثة صحفيين في عام 2016 بينما كانوا يغطون المعارك في سرت وبنغازي. ورغم أن عدد القتلى والمفقودين آخذ في التراجع، مازال الإعلاميون يواجهون التهديدات بانتظام، علماً أن الجرائم المُرتكبة ضدهم تمر وسط إفلات تام من العقاب.”

الخلاصة:

مع التوافق بأن الصحافة هي نشر المعلومات استعرضت الورقة بعض المحطات المهمة وذات علاقة بتاريخ الصحافة في ليبيا وأبرزت أهمية مناخ الحرية الذي به ترتقي المجتمعات الساعية إلى الانتقال نحو الديمقراطية بعد التحول من الدكتاتورية لتمارس دورها كسلطة رابعة كما عبر عنها بورك الإنجليزي. وتظل الأمازيغية حبيسة البيوت ما لم يتوفر للصحافة الليبية مناخ الحرية وبمسؤولية، ويتحرك ممارسو مهنة الصحافة في إطار شرف المهنة.
* المركز الليبي للدراسات الأمازيغية.

___________________

نشر بموقع بوابة الوسط.

مقالات ذات علاقة

عن الفن التشكيلي والشعر

ناصر سالم المقرحي

هل ستفعلها ؟!

محمد الزنتاني

مليـونيرات الإيـدز فرسـان الأرمـادا والهمـر

حمد المسماري

اترك تعليق