المقالة

خليفة الفاخري: نحات الكلمات

نهى مختار أبو عود

القاص والكاتب الليبي خليفة الفاخري


“ماذا تجدي الكلمات..؟” يبدي “خليفة الفاخري” سؤاله.. في غربة النهر، معبراً عن أن وقع الكلمة ليس ذا تأثير في بلادنا، ويكرر سؤاله بين الفينة والأخرى.

“ماذا تجدي الكلمات..؟”

هنا في بلادنا المتزنة جداً إلى حد الموت ماذا تجدي الكلمات..؟ النابضة المدّ التي بحّ صوتها فوق الجباه الصلدة في المقاهي، وعبر الأرصفة الميتة، والساحات المتثائبة، والمقابر المليئة بحزم الصبّار، والقمامة.. والكلاب الضالة!.(219:1)*

خليفة الفاخري ينتمي إلى جيل آخر الستينات ونشط في السبعينات، جيل طور من نفسه واستفاد من تجارب الأجيال التي قبله. يكتب المقالة الأدبية بأسلوب مختلف، ويكتب النثر الحديث، والقصّة القصيرة.

نشرت أغلب مقالاته في صحيفة الحقيقة.

اعتمدت مقالاته على أن يكون هو صاحب الحكاية ويكون الراوي، وفي أوقات أخرى يكون أحد شخوصها، بلغة متمكنة وأسلوب فريد مثلما كتب عنّه صديقه “الصادق النيّهوم” قائلا أنّ الفاخري ينحت الكلمات نحتاً.

 أقتبس بضع جمل مما كتب الفاخري في وصف ما يشعر الإنسان به حيث يختار القلب ويلصق به أوصافا وتشبيهات مختلفة في حزنه :

“ويبكي الإنسان حتّى يتقيح قلبه”.( 71:1)

“بكيت في صمت مرير حتّى تجعد قلبي” (153:2).

” إنّك تشعر حين تتذكر ذلك بانقباض يعصر حبة قلبك باتصال”.(208:2)

“يذر قلب المرء مثل قطعة قديد متيبسة”. (21:1)

وحتّى في أفضل حالاته وفرحه يرفقه :

” حتى يورق قلبك “. (138:1)

“ويزغرد في قلبك شيء ما”. (160:1).

نقل الفاخري الخرافة أو الحكاية الشعبية في الكثير من كتاباته، وكذلك القصص العربية والعالمية منها، و صور لنا بنغازي التي ينتمي إليها بالأماكن المحفورة في ذاكرته، نقل لنا تجاربه، خواطره، أحلامه، وحتّى عذاباته. “رحلتك طالت طالت إلى مدى لم تعد تعرف فيه من أين بدأت وإلى أين يريدك الله أن تذهب ” (339:2)

 صور لنا الشخصيات التي قابلها في حياته الواقعية، غربته، وعن المرأة التي أحب خيالاً، والجارة ، بالرغم من أنّ المرأة في قصص الفاخري ظهرت بشكل خجول بعض الشيء وذلك لطبيعة المجتمع الذي كنّا نعيشه، فتجلت في بعض القصص والشخصيات والحكايات القديمة فحسب.

كتب “الفاخري” عن المجتمع وبكل شفافية انتقد تأخره، انتقد حال البلاد وما تعانيه، بأسلوب السخرية والتهكم والحسرة. في مواضيع أخرى كانت له رؤية صادقة حول كل ما يحدث فيه.

يقول الناقد منصور بوشناف عن الفاخري** “ظلّ الفاخري لصيقاً في أدبه بالمواطن البسيط وهمومه، وأعطى لتلك المعاناة أبعاداً إنسانيّة عميقة جعلته جزءًا من ملحمة معاناة الإنسان وصراعه من أجل وجود أفضل”**.

“عندئذ ينهض الرجال، ويحرثون الأرض طوال النهار بأظافرهم، فيما تلهب الشمس أكتافهم الندية العارية، ويبذرونها بحبات عرقهم الناضجة ويسقونها كذلك”. (162:1)

جمعت مقالات وقصص الفاخري في ثلاثة كُتب “موسم الحكايات، غربة النهر، وبيع الريح للمراكب” و أصدر الكاتب محمّد عقيلة العمامي “منابت الريح” سيرة الفاخري، الكتاب بعنوان مقال كتبه الفاخري ولم ينشر، ويحتوي الكتاب بعض الرسائل التي أرسلها للنيّهوم صديقه وأخوه

“عش ألف سنة ولتغمرك السّعادة مثل المد ودعني كالعادة أسمع عنّك أخباراً جيّدة” من رسالة أرسلها الفاخري لأخيه (3). رغم قلّة كتبه لكنّ أدب الفاخري علامة فارقة في الأدب الليبي، بأسلوبه المغاير، وانتقاء الكلمات ولغته القوية وسرده المتميز، رغم صراعها الدائم مع الكلمة.

ختاماً السؤال الكامن دوماً:

ماذا لو كتب الفاخري الرواية..؟ حينها لن تكون سوى تحفة فنّية نتباهى بها أمام الآخرين، ونقول انظروا لدينا نحاتون جيّدون، لدينا أدب جيّد وكلمات مرصعة بالذهب ولا تصدأ.


المصادر والمراجع والهوامش

*يشير الرقم الأول إلى رقم المصدر في القائمة أدناه، ويشير الرقم الثاني إلى الصفحة المقتبس عنها.
 (1)- خليفة الفاخري، غربة النهر، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، مصراتة، 1994.
 (2)- خليفة الفاخري، موسم الحكايات، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، مصراتة، 1974.
** عن محمد الأصفر، موقع “هنا بنغازي”
(3) محمّد عقيلة العمامي، منابت الريح، دار الأنيس 2002.

مقالات ذات علاقة

رميم اتحاد العمال الليبي

سالم العوكلي

الأراضي المنخفضة.. قليل الجهد يعيش

سعاد سالم

النيهوم في الميزان

أنيس فوزي

اترك تعليق